بسم الله الرحمن الرحيم
أحسن شيء في البيان، أن تعرض الحقيقة كما هي، دون رتوش وغموض، أو تدليس وتلبيس، ثم يترك الحكم للعقلاء.وأكثر ما يؤذي الفضلاء محاولة المنحرفين التضليل عن الحقيقة، باتهام البريء، وتبرئة المتهم:
- {ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا}.
- {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}.
وقد أحسن معد ومقدم برنامج \"سري للغاية\" في قناة الجزيرة، في عرض التصوف، فلم يَعدُ ما جاء فيه حقيقة الصوفية قيد أنملة، فمن كان له عقل، وكان مغترا بشيء من هذا الفكر الدخيل على الإسلام والمسلمين، فما له إلا التسليم بانحرافه عن سبيل الأنبياء والمرسلين، بعد هذا العرض الوافي.
ومما عرض في هذا البرنامج، مما يوضح ضلال هذا الفكر ومخالفته للإسلام ما يلي:
1- ادعاء اتحاد الإنسان الكامل بالله - تعالى -، وهذا أساس الفكر الصوفي، وذلك فيما قاله الحلاج: \"أنا الله\"، وقوله: \"أنا الحق\"، وقد جاء ذكره في مقدمة معد البرنامج، وفي كلام الدرويش الصوفي المغربي، الذي كان يقص على الناس قصة الحلاج.
2- دعوى تلقي الوحي، في شهادة الصوفي البريطاني العربي، الذي كان يتحدث من دير اشتراه سلطان بروناي، وأهداه للصوفية في بريطانيا.
3- فصل الدين عن السياسة، هذا المبدأ العلماني يعمل به الصوفية اليوم، ومنذ القديم، ولم يتردد ولم يتحرج مشايخ الطرق ومفكروهم في التصريح به، والتدليل عليه.
4- التبرك بالأضرحة، وقد رأينا ذلك الصوفي وهو يقبل الضريح تبركا به.
5- لاحظ معد البرنامج ما لشيخ النقشبندية في قبرص الشيخ الحقاني من سلطة عليا، وصفها:
بأنها سلطة يسيل لها لعاب الحكام.
وهذا يبين قدر تسلط هؤلاء المشايخ على الضعفاء المساكين من المنتسبين للتصوف، الذين أخذهم الجهل حتى ظنوا النجاة بطاعة هؤلاء المشايخ.
6- تبين للجميع جشع هؤلاء المشايخ، وأنهم طلاب دنيا، في طلب شيخ النقشبندية في قبرص 10 ملايين دولار لإجراء مقابلة، ولا يستغرب هذا منهم، فهم في أصل الأمر يقتاتون على أموال الضعفاء، الذي يدفعون لصناديق النذور، طلبا لتفريج كربة، أو غفران سيئة، وهذا مشهور عنهم.
7- تأكيد الصوفية على لزوم الشيخ للاتصال بالله - تعالى -، في رسالة الشيخ الموجهة لمعد البرنامج، وهذا يذكرنا بقانون البابوات في عهد الاضطهاد الكنسي في أوربا، حيث الرحمة والمغفرة مسدودة إلا من طريق القسيس، وهذا ليس من الإسلام في شيء، فمن أراد الله - تعالى -فعليه نفي كل الوسائط، كما قال - تعالى -: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، من غير وسائط.
8- اتخاذهم الدين لهوا ولعبا، في المشاهد التي نقلت وهم في حالة الذكر، في المغرب ومصر والسودان، من الرقص والتمايل بشكل غريب، يتنافى مع الخشوع لله - تعالى -والتضرع..
ولا أدري كيف قبلوا بنقل صورهم كذلك؟..
هل كانوا يطمعون في إقناع الناس بصحة عبادتهم هذه، الخالية من العقل والأدب مع الله - تعالى -، في زمن عمّ فيه العلم، وكثر فيه الواعون؟!.
9- تعبدهم بالموسيقى، كما في مشاهد الموسيقي المقدسة المغربية، وهي طريقة جاهلية.
10- اتباعهم للوهم والخيال، وترك النقل والعقل، كما في إفادة الدكتور العراقي.
11- مقارنة لها دلالة واضحة من مقدم البرنامج، بين الذين يحجون إلى الشيخ النقشبندي في قبرص، والذين يحجون إلى مكة، وكانوا جميعا في صالة المطار في قبرص ينتظرون رحلاتهم.
12- نقل لنا البرنامج ما يفعله الصوفية الباطنية، ومن الفرق الباطنية فرقة الأحمدية الرفاعية: الضرب بالسكين والآلات الحادة على الجسد، وغرسه في الرأس، وهذا من الشعوذة والسحر، وعلاقة السحر بالتصوف أمر مشهور.
13- كان ممن التقى بهم البرنامج رجل يدعى: فاروق شوشه. ومن أهم ما ذكره: أبيات لابن عربي، تمثل وحدة الوجود ووحدة الأديان، وهي:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة......... فمرعى لغزلان ودير لرهبان.
وبيت لأوثان وكعبة طائف......... وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت......... ركائبه فالحب ديني وإيمان
وهذا مذهب ابن عربي، وهو معروف به، فهو يقول بوحدة الوجود، ويدعو إلى وحدة الأديان، واعجب كيف لم يتورع من ذكرها؟!!.
وقد أحسن المعد مرة أخرى، حين لم يستضف أحدا من خصوم التصوف، للإدلاء بشهادته، فعرض حقيقة التصوف، من واقع المتصوفة، وشهاداتهم: كافية في بيان الحق من الباطل. وعموم ما جاء في البرنامج، يدين الصوفية، ويؤكد ما يقوله عنهم المنتقدون للفكر الصوفي..
فالفكر الصوفي دخيل على الإسلام، بشهادة كثير من الباحثين المحايدين، كبعض المستشرقين، فهو فكر خليط من الثقافة الهندية الفارسية اليونانية، وهو يرمز إلى الحكمة..
فأصل كلمة صوفية هو \"سوفية\"، ومعناها في اليونانية: الحكماء. فإن فيلسوف معناه: محب الحكمة. ولذا تجد لدى الصوفية اعتناءا كبيرا بهذا الوصف، ولا يقبلون التصوف بدونه.
والمقصود بالحكمة هنا هو: الفناء في صفات الله - تعالى -وذاته. وهذا هو حالة الاتحاد.
وقد ربط بعض الناس التصوف بالزهد، وبالصوف، وهذا غلط، دفعه أئمة التصوف القشيري والهجويري والسهروردي.
والمؤسف حقا أن غالب المتصوفة لا خبر لهم بحقيقة التصوف، ويتولى كبر إضلالهم المشايخ المنتفعون من جهلهم، ولذا من المهم عند الحكم أن يكون منصبا على الفكرة نفسها، أما المنتسبون إليها، فهم على مراتب، فليسوا كلهم أهل حلول واتحاد ووحدة وجود، بل هؤلاء القلة منهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد