بسم الله الرحمن الرحيم
قال - تعالى -: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).
إن من تمام تكريم الله لجنس الإنسان بوجه عام وللمؤمنين بوجه خاص، وتفضيلهم على كثير ممن خلقº أن أمرهم بتنزيه أنفسهم عن مشابهة بعض المخلوقات الدنيئة من حيوانات وغيرها في الهيئة أو الحركة إذا كانت تلك الهيئة مما اختص به ذلك الحيوان، لا سيما إذا كان ذلك أثناء تلبس العبد بعبادة من أجل العبادات كالصلاة. ومن هذه الهيئات التي نهينا عنها في الصلاة تكريماً لنا عن مشابهة الحيوانات:
1 - الافتراش: وهو أن يبسط المصلي ذراعيه ولا يرفعهما عن الأرض كما يبسط الكلب والذئب ذراعيه: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \" اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب \" [خ: 1 /283، م: 2 / 484] وقوله: \" إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب \" وفي رواية \" افتراش السباع \" [الترمذي 2 / 65] وقال: حسن صحيح والمراد بالاعتدال في الحديث: أن يرفع ذراعيه عن الأرض ويعتمد على كفيه فقط .
2 - الإقعاء (إقعاء الكلب): وهو أن يضع إليتيه على الأرض وينصب ركبتيه نصباً، ويضع يديه على الأرض كما يصنع الكلب. لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: \" يا علي! لا تقع إقعاء الكلب \" رواه البيهقي وحسنه الألباني [صحيح الجامع رقم: 7954] وفي حديث سمرة ين جندب عند البيهقي أيضاً: \" نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإقعاء في الصلاة [صحيح الجامع رقم: 6864]
3 - الالتفات (كالتفات الثعلب): أي نقل البصر يمنة ويسرى (دون حاجة) وبكثرة كما يلتفت الثعلب. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \" ولا تلتفت التفات الثعلب \" [الترمذي 2 / 484] أما إذا كان هذا الالتفات يسير ودون قصد فذلك لا يضر إن شاء الله. فقد سئل - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك فقال: \" هو اختلاس يختلس الشيطان من العبد \" [صحيح الجامع 7047].
4 - النقر في السجود (كنقر الغراب): وهو الإسراع وعدم الاستقرار والاطمئنان في السجود. قال البغوي: (نقرة الغراب هي أن لا يمكن من السجود ولا يطمئن فيه، بل يمس بأنفه وجبهته الأرض ثم يرفعه كنقرة الطائر) [شرح السنة 3 / 163] وقال المناوي: (أي تخفيف السجود وعدم المكث فيه بقدر وضع الغراب منقاره للأكل) وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي لم يطمئن في صلاته: \" ترون هذا؟ لو ماتº مات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الرمة...\" [صحيح ابن خزيمة 1 / 332] وفي الحديث: \" نهى عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير \" [صحيح الجامع 6982].
5 - الإبطان: (كإيطان البعير): وهو أن يألف الرجل مكان معلوماً من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك رمث قد أوطنه [شرح السنة 2 / 162] ففي الحديث \" نهى عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير [سبق تخريجه] قال ابن حجر: (وحكمته: أن ذلك يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة والتقيد بالعبادات والحظوظ والشهوات، وكل هذه آفات أي أفات... ) [حاشية شرح السنة 3 / 163] قلت: ومن أعظم الحكم: تنزيه الإنسان عن مشابهة الحيوان! ويخرج من هذا العموم مكان الإمام، والأماكن الفاضلة.
6 - الإشارة باليد عند السلام (كأذناب الخيل): وهو تحريك الأيدي ورفعها عند السلام من الصلاة. ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا السلام عليكم، فنظر إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: \" ما لكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده \" [مسلم 1 / 271].
7 - البروك (كبروك البعير): وهذه الصفة مما اختلف أهل العلم في المراد بها، فلينظر تفصيل ذلك في صفة الصلاة للألباني - رحمه الله -. وفي الجملة ينبغي على المسلم أن ينزه نفسه من مشابه الحيوان في كل أمر. قال ابن القيم - رحمه الله -: (نهى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عن التشبه بالحيوانات، فنهى عن بروك كبروك البعيد، والتفات كالتفات الثعالب وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي أثناء السلام كأذناب الخيل، فهدي المصطفى مخالف لهدي الحيوانات) هذا، ونسأل الله أن يرزقنا العلم
النافع والعمل الصالح. والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد