بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عالم الخفيات، المطلع على السرائر والنيات، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السموات، أحمده - سبحانه - أن هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأسأله أن يجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له \" أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون \". وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للناس بشيراً ونذيراً، لتطيعوه وتتبعوه لعلكم تفلحون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً. أما بعد أيها الناس: - إن نعمة اللسان على الإنسان نعمة عظيمة، ومعرفة الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المتكلم أمر مهمº وذلك لأن المسلم يحتاج إلى هذه الآداب في مناجاته وكلامه مع ربه - عز وجل -، وكلامه مع أهل العلم والإخوان والأصحاب والزوج والولد.. والناس بالطبيعة بتجالسون ويتآنسون فإذا عدم بينهم أدب الكلام صارت لقاءاتهم مجلبة للشحناء والعداوة والبغضاء، تضيع فيها الأوقات وتهان فيها النفوس. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفظ اللسان فقال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار) رواه الترمذي. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) متفق عليه. وقوله: ما يتبين فيها، أي: يطلق الكلام على عواهنه دون ضابط ولا تفكير ولا تأنٍّ,، قد يكون فيها اعتداء على الدين أو على الرب - جل وعلا - أو على الأخ المسلم فيهوي بها في النار والعياذ بالله. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: \" ما شيءٌ أحوج إلى طول سجن من اللسان \". وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على لين الكلام وحسن الحديث فقال: \" إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله - تعالى - لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام\" رواه الترمذي. أيها الأخوة الكرام: وقد جاءت الشريعة بآداب كثيرة للكلام والمحادثة ومن ذلك: -
1- خفض الصوت. قال - تعالى - في وصية لقمان لابنه. (واغضض من صوتك)وما ذاك إلا لأن رفع الصوت مثير للسامع مزعج له. إلا إذا احتاج الشخص إلى رفع صوته كالخطيب والمحذر ونحو ذلك.
2- وكذلك ينبغي أن يكون المتكلم بعيداً عن الثرثرة والتشدق وتكلف الفصاحة فقد روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون\" رواه الترمذي. وقال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه أبو داود والترمذي: إن الله - تعالى - يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل البقرة بلسانها أي: يلف كلامه ويتشدق فيه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها. فهو يثرثر ويظهر نفسه وعباراته ويتخير الألفاظ قبل اختيار المعاني. ومن آداب الكلام: الإنصات. خاصة إذا قُرئ كلام الله - تعالى -. ثم إذا تكلم أهل العلم. ومن آدابه الإخلاص. الإخلاص في الكلام، فقد يتكلم الإنسان أحياناً إظهاراً لنفسه أو انتقاماً لها، أو لصرف الأنظار إليه. فإذا كان الكلام لغير وجه الله فليمسك العبد عنه ليسلم له دينه واستمع إلى هذا المثل الرائع: - روى البخاري - رحمه الله - في صحيحة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن معاوية رض الله عنه لما تولى الأمر خطب في الصحابة رضوان الله عليهم فقال: \"من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليُطلِع لنا قرنَـه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه، قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ - أي لعبد الله بن عمر وكان موجوداً في المجلس. قال عبد الله: قد حللت حبوتي وكان محتبياً وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك مَن قاتلك وأباك على الإسلام لأن معاوية وأباه كانا من متأخري الإسلام قال ابن عمر: فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غيرُ ذلك يعني تفهم على غير ما أقصد - قال: فذكرت ما أعد الله في الجنان - أي من الأجر والثواب لمن كظم غيظه وسكت - قال: فسكتٌّ. أيها الأخوة الكرام: ومن آداب الكلام: أن الإنسان إذا تكلم مع قوم ينبغي أن يختار ألفاظاً وعبارات تناسب عقولهم: ويشرح لهم أموراً من الدين تستوعبها أفكارهم. أحياناً يكون الشيء من الدين ويكون من الحكمة أن لا يذكره العالم أمام عامة الناس لأنهم يكذبون به ولا تتحمل عقولهم تصديقه، فمن الحكمة هنا أن لا يذكره لهم وإن كان حقاً. وقد روى البخاري تعليقاً عن علي رضي الله عنه أنه قال: \"حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله \". ومن آداب الكلام: أن لا يسرع المتكلم به، حتى يستوعبه السـامع ولا يحتاج إلى الاستفهام، وقد روى أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" كان في كلامه - صلى الله عليه وسلم - ترتيل أو ترسيل \" والترتيل هو: التأني والتمهل في الحروف والكلمات. ومن آداب الكلام الإقبال على المتحدث بالوجه، فبعض الناس يتحدث معه الشخص فتجده يتلفت يميناً وشمالاً أو ينظر إلى الجدار أو إلى ساعته وصاحبه يتحدث، وهذا فعل أهل الكبر والسَّفَه. ومن آداب الكلام: البعد عن الكلام الفاحش البذيء أو الألفاظ والعبارات الصريحة فقد قال - تعالى - (أو لامستم النساء) فكنّى عن الجماع بالملامسة. ومن آداب الكلام: الابتداء بالسلام قبل الكلام. قال - صلى الله عليه وسلم -: (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) حديث حسن. بعض الناس يدخل المجلس فيقول: أين فلان. من رأى فلاناً. فلا ينبغي أن يجاب، فإن السلام قبل السؤال. ومن آداب الحديث: أن لا يتناجى اثنان دون الثالث فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري ومسلم: (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه) لأنه قد يظن أنكما تغتابانه أو أنه دون مستوى الكلام أو أنه غير ثقة عندكم. ويدخل في ذلك أيها الأخوة في الله ما لو تكلم في مجلس ثلاثة دون الرابع أو تسعة دون العاشر فإن المفسدة واحدة، وكذلك لو اجتمع ثلاثة فتحدث اثنان بلغة لا يعرفها الثالث. فهذا لا يجوز أيضاً فإن المفسدة واحدة. ومن آداب الحديث والكلام: أن تحفظ سر المتحدث إليك، إذا طلب ذلك صراحة أو صدرت منه إشارة إلى أنه يريد أن تحفظ سره. قال - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه أبو داود والترمذي: (إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة) ومعنى الالتفات هنا: أن المتحدث يتأكد من أنه لا يوجد في المجلس أحد يسمعه غيرُك. فهذا لا يحتاج إلى أن يقول لك لا تخبر أحداً وإنما إشارته تكفي لتفهم أنه سر لا يفشى. إلا إذا كان في إفشاء سره قضاء على منكر أو نصرٌ للدين فإنك تخبر به من هذا الباب. ومن آداب الكلام: أن يكون باللغة العربية. يتكلم العربي بالعربية. وهذا للأسف خولف في هذا الزمان، وطغى الغزو الأعجمي الكافر على المسلمين، وأُعجب فريق من المسلمين بالكفار أيما إعجاب حتى صاروا يتحدثون بلغتهم، ويتفاخر المسلم أحياناً بحديثه بلغة الكفار لكي يُعرف بأنه يعرف لغتهم، وأنه يجيدها ويخرج الحروف بحسب المخارج المعروفة عندهم وأنه يتكلم الإنجليزية مثلاً بطلاقة ويظن أن ذلك فخراً وعزة. وقد نقل شيخ الاسلام - رحمه الله - النهي عن ذلك وكراهيته ونقل عن بعض أهل العلم تحريمه، لأن المشابهة في الظاهر تقتضي الموافقة في الباطن، إلا إذا احتاج الإنسان إلى ذلك كأن يتكلم مع غير عربي أو نحو ذلك، أما أن يتكلم مسلمان عربيان بذلك من غير حاجة فهذا الذي فيه الحرج. أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير أقول قولي هذا وأستغفر الله. الخطبة الثانية \" آداب الكلام والحديث \" الحمد لله الكبير المتعال، أحمده وأشكره فهو مستحق الحمد، والشكر واجب له على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد أيها الأخوة في الله: - إن سعادة المرء في دنياه وآخرته تكون بأمور عديدة منها حفظ لسانه والتأدب مع المسلمين، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم. نسأل الله - تعالى - أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يجعلنا ممن يحفظون ألسنتهم ولا يتكلمون إلا بما ي- رضي الله تعالى عنهم -.اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن جميع صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد