القصة:
1- ردة أهل البحرين:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين المنذر بن ساوى فأسلم على يديه، وأقام العلاء فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي المنذر بعده بقليل فارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم المغرور، وهو المنذر بن النعمان بن المنذر، وقال قائلهم: لو كان محمد نبياً ما مات، ولم يبق في البحرين بلدة على الثبات سوى قرية: \"جواثا\"، وحاصر المرتدون مسلمي جواثا وضيقوا عليهم، حتى منعوا عنهم الأقوات وجاع المسلمون جوعاً شديداً.
وكان قد قام في جواثا رجل من أشرافهم، وهو الجارود بن المعلى، خطيباً وقد جمعهم فقال: يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه، ولا تُجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا: سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا: نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمد - صلى الله عليه وسلم - مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.
وبعث أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة في البحرين، فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في حشد كبير، وجاء بعض أُمراء تلك النواحي رفداً إلى جيش العلاء، ولما اقترب من المرتدين وحشودهم الضخمة نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، ودنا من خندقهم فأخذوه، وكانت أمه عجلية، فجعل ينادي: يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: علام أُقتل وحولي عسكر من عجل وتيم اللات وغيرها؟ فخلصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني، فقد مت جوعاً، فقرب له طعاماً فأكل، ثم قال: زودني واحملني، يقول هذا والرجل قد غلب عليه السُكُر، فحمله على بعير وزوده وجوزه. وجد عبد الله بن حذف المرتدين سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إلى العلاء فأخبره، فركب العلاء من فوره بجيشه، وانقض على المرتدين فقتلوهم، إلا قسم استطاع الفرار والهرب.
وغنم المسلمون جميع أموالهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة.
2- ردة أهل عُمان:
ظهر في عُمان رجل يقال له: ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يُضاهي في الجاهلية الجُلندى، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عُمان، فقهر جيفراً وعبداً، وألجأهما إلى الجبال، فبعث جيفر إلى الصديق - رضي الله عنه - فأخبره الخبر، وطلب مدداً فبعث - رضي الله عنه - بأميرين: حذيفة بن محصن، وعرفجة البارقي الأزدي، حذيفة إلى عُمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعُمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.
ثم أمر الصديق - رضي الله عنه - بعد قهر مسيلمة ومقتله - عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عُمان،، ثم كتب الصديق إلى حذيفة وعرفجة أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من المسير من عُمان أو المقام بها. فلحق عكرمة بحذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عُمان، فساروا جميعاً فلما اقتربوا من عُمان راسلوا جيفراً من مكان يُسمى \"رجاماً\"، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فعسكر في جموعه بِدَبَا، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، واجتمع جيفر وعبد بمكان يقال له صُحار فعسكرا به، وبعثا إلى أُمراء الصديق فقدموا على المسلمين، فتقابل الجيشان هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وجاء المسلمين في الساعة المناسبة مَدَدٌ من بني ناجية وعبد القيس فقتل من المرتدين عشرة آلاف مقاتل، وتم النصر للمسلمين والقضاء على المرتدين في عُمان.
3- ردة أهل مَهرَة:
سار عكرمة بالمسلمين إلى بلاد مهرة، فوجد أهلها جُندين، على أحدهما - وهم الكثرة - أمير يقال له: المصبح أحد بني محارب، وعلى الآخر الجند الآخرين أمير يقال له: شخريت، وهما مختلفان، وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين، فراسل عكرمة شخريتاً فأجابه، وانضاف بقواته إلى عكرمة، وتمادى المُصَبح على طغيانه، مغتراً بكثرة من معه ومخالفته لشخريت، فسار إليه عكرمة ومن معه، فاقتتلوا مع المصبَّح أشد من قتال دَبَا، وتم النصر للمسلمين، وقتل المصبح وفر من كان معه.
4- ردة أهل اليمامة:
قال مسيلمة لأتباعه وقومه قبيل المعركة الفاصلة بينه وبين المسلمين: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تُستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نسائكم.
وتقدم خالد - رضي الله عنه - بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يُشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب، وراية المُهاجرين مع سالم مولى أبي حُذيفة، وهو على الميمنة، وعلى الميسرة شجاع بن وهب، وعلى الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليها أسامة بن زيد، وقاتل البراء راجلاً، ثم أعاده خالد على قيادة الخيل فصنع الأعاجيب. وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها.
وكانت الصدمة الأولى في المعركة عنيفة قاسية، انهزم الأعراب خلالها، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد، وهموا بقتل أم تميم زوجته. وتنادى كبار الصحابة وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم، و نادوا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار، وصار البراء بن معرور كالأسد الثائر، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بَطُلَ السحر اليوم، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتاً حتى استشهد - رضي الله عنه -.
وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نُؤتي من قِبَلَك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس، عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قُدُماً، وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأُكلمه بحجتي، فقتل شهيداً - رضي الله عنه -.
وحمل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - حتى اخترق صفوف المرتدين ووصل قُبالة مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا للمبارزة، ثم نادى بِشعار المسلمين، وكان شعارهم يومئذ: يا محَّمداه، وجعل لا يبرز إليه أحد من المرتدين إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا صرعه، واقترب خالد - رضي الله عنه - من مسيلمة، وعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فأبى، فانصرف عنه خالد وعزل الأعراب عن المهاجرين والأنصار، وجعل كل قبيلة على رايتها يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يُؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى المرتدون الأدبار.
وتبع المسلمون المرتدين يقتلون منهم وهم مدبرون، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخلوها، فدخلوها وفيها مسيلمة، وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وقال قائل: يا أبا ثمامة، أين ما كنت وعدتنا؟ فقال أبو ثمامة - أي مسيلمة -: أما الدين فلا دين، ولكن قاتلوا عن أحسابكم، فاستيقن القوم أنهم كانوا على غير شيء. وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة.
وقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فاحتملوه فوق التروس، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية لا محالة.
ووصل المسلمون في الحديقة إلى مسيلمة، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، يخرج الزبدُ من شدقيه من غيظه وحرج موقفه وانهيار بنيان زعامته، فتقدم وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة - رضي الله عنه - فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من قصر مسيلمة: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود (أي وحشي).
يقول وحشي: فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، رأيت مسيلمة الكذاب قائماً في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يُريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري - عبد الله بن زيد - بالسيف فربُك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قتلت شر الناس
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد