الدارس لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جوانبها الإعلامية لابد له أن يتوقف عند جانبين مهمين وأساسيين في مثل هذه الدراسة.
الجانب الأول:
الشخصية القيادية التي تقود الرأي وتمثل محور هذه السيرة، وهذه الشخصية هي شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومواقفه في الدعوة ونشر الإسلام وتبليغ الوحي تعطي أبلغ الدروس وتؤصل لأعظم النظريات في الإعلام دون أن تحمل اسم الإعلام أو مصطلحاته الحديثة، وهذه الشخصية المحمدية محورية في إيصال الرسالة الإعلامية الأولى والخالدة للجماهير وهي القرآن الكريم الذي يمثل الجانب الآخر من دراسة السيرة النبوية إعلاميًا، وسوف نتوسع قليلاً في الحديث عن هذين الجانبين، ونبدأ أولاً بشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جانبها الإعلامي مذكرين بأن السيرة النبوية تمثل الآليات العملية التي اتخذها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإيصال الرسالة الإعلامية الأولى ـ وهي القرآن الكريم ـ إلى الجماهير مع شرحها وبيان ما أجمل منها.
أولاً: شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - من منظور إعلامي:
إذا كان علماء النفس والاجتماع وغيرهم قد صنفوا السلوك الإعلامي (الاتصالي) إلى ثلاثة مستويات، فإن الذي يعنينا في دراسة السيرة النبوية من جوانبها الإعلامية هو المستوى الثاني الذي يسمونه مستوى الاتصال الغرضي أو الهادف ـ purposive Commuocatoin ـ الذي يتميز بوجود غرض لدى البادئ بالاتصال في أن يؤثر في سلوك من يستقبل الرسالة، والسيرة النبوية تحكي الجانب العملي للرسالة التي حملها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للبشرية بغرض الهداية إلى سبيل الله - عز وجل - والتبشير بالإسلام والدعوة إليه، وبغرض الإنذار لمن تنكّب صراط الله المستقيم، وتحذيره وإعلامه بخطورة الإعراض عن رسالة الإسلام والكفر بها وجحدها، ومن هنا كان من الجوانب المهمة في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجانب الاتصالي، وهو أول ما يلفت النظر في دراسة تلك الشخصية العظيمة من خلال القرآن الكريم، ومن خلال السنة المشرفة وجانبها العملي في السيرة النبوية، ومن خلال شهادات الصحابة رضوان الله عليهم للشخصية المحمدية ووصفهم لها، وإنا لنجد في سورة الأحزاب وفي غيرها آيات تحدد معالم شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمهمة التي أرسل من أجلها وسلوكه الاتصالي (الإعلامي) في هذه المهمة، قال الله - عز وجل - (يا أيها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا * وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا * وبشّر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيرًا * ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) (الأحزاب 45-48) فهو شاهد على المدعوين ومبشر لهم ونذير وداع لهم إلى سبيل الله - عز وجل -، وسراج ـ على المستوى السلوكي ـ منير في هذه السبيل. - صلى الله عليه وسلم -، بل إننا نذهب أبعد من ذلك إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان هو الشخصية الإعلامية المثلى على مر التاريخ فقد كان قائد الرأي ـ Opinion Leader ـ والمصدر المؤثر في المدعوين وتابعي الرأي ـ Opinion Follower ـ، وكان يصدر في تأثيره عن وحي سماوي جعله (لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى)، وجعله يبذل نفسه لنصح الناس ودعوتهم وإرشادهم والسعي إليهم من أجل ذلك واستقبالهم كذلك، ولقد صور القرآن الكريم حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حرصه على دعوة الناس وهدايتهم، قال - تعالى -(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم * فإن تولّوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكّلت وهو رب العرش العظيم) (التوبة/128- 129)، وقال أيضًا (فعلك باخعٌ نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) (الكهف/6)، وهكذا كان حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - وديدنه وشغله الشاغل الاتصال بالناس وتبصيرهم وإرشادهم ومحاولة هدايتهم إلى طريق الحق، وهذه هي الرسالة الحقيقية التي ينبغي أن تكون للإعلام ـ عمومًا ـ، وللإعلام الإسلامي ـ خصوصًا ـ الذي يشتغل بالحقيقة الصادقة نقلاً وإخبارًا بما يخدم أهداف المجتمع الإسلامي في إطار من الحلال وبعيدًا عن الحرام.
مزايا إعلامية سامية في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
والمتتبع لشخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جانبها الإعلامي سوف يجد مزايا إعلامية عالية تتمتع بها هذه الشخصية المعصومة، ويمكن إجمال بعض هذه المزايا فيما يلي:-
(1) أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - التي بلغت الذروة في الكمال، وقد شهد له الله - عز وجل - في القرآن الكريم بعظم خلقه، قال - عز وجل - (وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم/4)، وشهدت له قريش الشهادة ذاتها وهو الذي ولد فيهم وتربى بينهم حتى قالت عنه السيدة خديجة - رضي الله عنها - في مبدأ الوحي [أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا، ووالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتحمل الكلّ وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق]، وأما بعد الوحي والرسالة فقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - [كان خلقه القرآن].
(2) أمانته - صلى الله عليه وسلم - وقد اشتهر بها منذ نشأته حتى وصفته قريش بالأمين، وهو ما جعل السيدة خديجة تسعى لتوليته أمر تجارتها من فرط أمانته وسمو أخلاقه، وقد تقدم من كلامها - رضي الله عنها - ما يشير إلى أمانته - صلى الله عليه وسلم - وصدقه.
(3) صدقه - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصادق الأمين الذي شهد له قومه بالصدق، وشهد له القرآن الكريم بالصدق المطلق في ذاته وفي الكتاب الذي أنزل عليه، قال الله - عز وجل - (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)(الزمر33) وقال أيضًا (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى) (النجم/3 -4).
(4) استقامته ورجاحة عقله وحلمه، ولينه ورحمته - صلى الله عليه وسلم - بحيث أنه لم يعاقر خمرًا ولم يعبد صنمًا ولم يعرف طريقًا إلى الفاحشة كما لم يعرف الخنا إليه سبيلا، قال الله - عز وجل - (وإنك لتهدي إلى صراطٍ, مستقيم) (الشورى/52)، وقال عز من قائل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) (الأحزاب/21)، وهذه أعظم شهادة ترفع استقامة النبي ـ بأبي هو وأمي وبالناس أجمعين ـ إلى عليين، وكفى بها شهادة.
ومجمل القول في شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه الإنسان المسلم الكامل الذي حباه الله من الصفات الكاملة والحلم ورجاحة العقل والرحمة واللين ما لم يتهيأ لغيره من البشر، قال الله - سبحانه وتعالى - (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) (آل عمران/159)، وهذه الآية الجامعة تحدد بعض السلوكيات الإعلامية أو الاتصالية التي ينبغي أن يكون عليها الإعلامي المثالي ـ الذي كأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث ينبغي له أن يكون لين الجانب رحيمًا بأمته وبمن يضع رسالته الإعلامية فيهم وألا يكون فظًا غليظ القلب حتى لا ينفض الجمهور من حوله وأن يعفو عنهم أذاهم وانتقادهم ويغفر لهم ما كان منهم، وأن يشاورهم مادام يعنيهم برسالته الإعلامية.
(5) علمه - صلى الله عليه وسلم -، وما ظن الناس بعلم رجل يوحى إليه من ربه - عز وجل -؟! إنه صلى الله عليه وسم رباني المعرفة، إلهي العلم، ولو لم يكن إلا قول الله - عز وجل - فيه (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا) (النساء/113) لكفاه تزكية لعلمه وشهادة على ترفعه - صلى الله عليه وسلم -.
عبقرية محمد - صلى الله عليه وسلم - الإعلامية:
ونكتفي بهذه المزايا التي ذكرنا إذ أنها تكفي لتبرهن على علو كعب صاحبها وعبقريته في الجانب الاتصالي، ونورد قول الإمام أبي الحسن إبراهيم بن سليمان بن وهب في كتاب \" البرهان في وجوه البيان \" حيث قال (إن أصحاب الخير ينبغي أن يكونوا من أصح العمال ديانة وأكملهم أمانة وأظهرهم صيانة، كما أنه ليس ينبغي أن يتقدمهم في الصدق والأمانة غير القضاة ومن جرى مجراهم، وهم من لا يكون فيهم شيء من الحسد والحدّة والغفلة، والعجلة) لندلل به على عدم وجود هذا الإخباري أو الإعلامي في دنيا الناس الآن على الرغم من تفوق القضاة عليه في الصدق والأمانة، ولكن نموذجًا عبقريًا لهذا الإعلامي المتفوق على كل فئات البشر من قضاة، وعلماء، وأئمة، وأنبياء، قد وجد في شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - ـ وإن كنا نجلّه عن أن نصفه بالإعلامي ولكنها ضرورة البحث ـ الذي كملت ديانته وأمانته وصيانته وصدقه وعقله وحلمه - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا كان الإعلام هو نشر المعلومات بعد جمعها وانتقائها فقد مارس الرسول - صلى الله عليه وسلم - نشر الأحكام والشرائع والمعلومات الإلهية مع شرحها وبيان تنفيذها وتطبيقها عمليًا.
أما إذا كان الإعلام يعني الدعوة أو الإصلاح القديم الذي أطلق عليه في القرون الوسطى لفظ (بروبا جاندا) Propoganda أي النشاط الهادف إلى نشر الدعوة والتبشير بها وكسب المؤمنين بها، فقد كانت حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بدء البعثة إلى وفاته سلسلة متصلة من الدعوة والنشاط لنشر الدعوة، وباستعراض يسير لوقائع السيرة النبوية، يقف القارئ على نوعية هذا النشاط الدعوي للرسول - صلى الله عليه وسلم -، إما بقراءة رسالة الإسلام الإعلامية الخالدة ـ أي القرآن - على الناس وتبيانه لهم، أو إرسال الرسائل إلى الملوك والأمراء لدعوتهم إلى الدخول في الدين الجديد، أو إيفاد الدعاة إلى القبائل لدعوتها وتبصيرها بالإسلام، أو الجهاد بالسيف لإعلاء كلمة الله - عز وجل - وفتح البلاد أمام الدين الجديد، أو ترتيب البيت المسلم والمجتمع الإسلامي من الداخل، أو غير ذلك.
وإذا قلنا إن الإعلام يعني الدبلوماسية المفتوحة أو الدبلوماسية الشعبية والعمل السياسي الخارجي فإن سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أصّلت لهذا المعنى وقامت به على أكمل وجه وأمثله سواء كان ذلك في البيعات التي بويعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه، أو كان في المعاهدات والاتفاقات التي أبرمها - صلى الله عليه وسلم - مع غير المؤمنين به.
تقويم عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الإعلامي من خلال سيرته:
لا يمكن بالطبع ـ لأي أحد أن يحكم على عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إعلاميًا أو دعويًا أو سياسيًا أو غير ذلك لسبب يسير وعظيم في نفس الوقت وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤيد بالوحي صادق لا ينطق عن الهوى وأنه معصوم من الله - عز وجل - عن أي خطأ أو زلل أو فاحشة والعياذ بالله.
وحتى لو أعملنا مقاييس الإعلاميين في تقييم العمل الإعلامي التي تقوم على محاور ثلاثة فسوف نجد هذا التقويم يبلغ القمة في بلوغ الغاية والأثر كما يأتي:-
(1) المحور الأول: القياس الكمي للانتاج الإعلامي، وطبيعي أن يبلغ هذا الانتاج القمة بأحاديث الرسول التي بلغت مئات الآلاف وشروح وتطبيقات الصحابة إضافة إلى الرسالة الإلهية الخالدة وهي القرآن الكريم
(2) المحور الثاني: تحديد نوع الاستقبال المحتمل لرسالة الإعلام، وفي هذا المحور نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث للناس كافة وأن أمته فوق الأمم وقد جاء هذا في القرآن الكريم في آيات كثيرة، وجاء في خطابه - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء عند اجتماعه بهم في رحلة الإسراء والمعراج قال [الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين كافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وأنزل عليَّ الفرقان فيه بيان لكل شيء، وجعل أمتي خير أمةٍ, أخرجت للناس، وجعل أمتي أمة وسطًا، وجعل أمتي هم الأولون، وهم الآخرون،، انظر قصة الإسراء في تفسير الطبري.
(3) المحور الثالث: تحديد التأثير الممكن للوسائل الإعلامية، ويكفي هنا أن نقول إن تأثير القرآن الكريم والسنة المشرفة والرسول - صلى الله عليه وسلم - أنتج دولة قوية مهابة الجانب دوليًا وعالميًا، خلال ثلاث وعشرين سنة، وشكّل أمة هي خير الأمم على الإطلاق خلال الفترة نفسها، وهذا التأثير جعل الباحثين الغربيين - فضلاً عن غيرهم - يضعون صاحبه - صلى الله عليه وسلم - على قمة هرم العظماء من البشر.
ثانيًا القرآن الكريم كرسالة إعلامية:
القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد على مرّ التاريخ الذي أسس دولة إسلامية عظمى أصبحت الدولة الأولى في العالم الجديد على عهد الصحابة، بعد أن نقل ـ أي القرآن ـ العرب والناس من طور البداوة والتخلف والذلة إلى طور آخر من العزة والمنعة والحضارة والتقدم، ولأنه موجه إلى البشرية جميعًا فقد حمل بين دفتيه أنجح وأرقى المداخل والأساليب الإعلامية المؤثرة، كما يقول الدكتور حسن على محمد في كتابه \" الإعجاز الإعلامي في القرآن الكريم \" جاءت الرسالة القرآنية معجزة في بلاغتها مذهلة في منهجها الإعلامي وفنونها التعبيرية وهذا ما قرره الدكتور إحسان عسكر في كتابه \" فنون التبليغ القرآني ونظرياته \" فالمتأمل لآي القرآن الكريم يجد فيه المكي والمدني ولعله ما يدرس في معاهد الإعلام ـ الآن ـ تحت عنوان المنطق الإعلامي والمرتكزات الإعلامية بأنواعها، والثابت أن القرآن الكريم بما له من ذاتية إعلامية قد جمع في وقت واحد بين نمطين من الاتصال، فهو شخصي الوسيلة جماهيري الخطاب، فقد قام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ القرآن عن طريق الاتصال الشخصي إلا أن هذا الاتصال كان له طابع جماهيري فهو موجه إلى الناس من رب الناس من خلال رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
بعض الخصائص الإعلامية للقرآن الكريم:
(1) الإيجاز: القرآن الكريم مثال فريد للإيجاز البليغ والإعجاز اللفظي والمعنوي بحيث أن اللفظ الواحد يؤدي معنى تعجز عن أدائه ألفاظ كثيرة، وقد يرسم اللفظ الواحد صورة ذهنية تغني عن ألفاظ كثيرة، وقد يؤدي اللفظ الواحد عدة معاني في آن واحد، وهذا كثير في القرآن الكريم، ومن الأمثلة على ذلك ما كانت تحدث به العرب من أنهم أتوا بأخصر جملة وأوجزها وهي \" القتل أنفى للقتل \" فهي ثلاث كلمات وتؤدي معاني كثيرة، ولكن التكرار فيها لكلمة القتل أخل بها من جهة البلاغة، فنزل القرآن الكريم بأوجز من هذه العبارة، قال الله - عز وجل - (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) (البقرة/179)، فعبارة (القصاص حياة) كلمتان فقط وليس فيها تكرار وهي تنفي القتل وتدعو للحياة في ذات الوقت بعكس العبارة العربية التي نفت القتل وفقط، والأمثلة في القرآن الكريم كثيرة جدًا على مثل هذا.
(2) النظام الصوتي والجمال اللغوي: يقول الزرقاني في مناهل العرفان \" النظام الصوتي في القرآن الكريم هو ذلك الاتساق في حركاته وسكناته ومدّاته وغنّاته واتصاله وسكتاته \"، واللغة العربية عمومًا، ولغة القرآن خاصة لغة جميلة يتوافق فيها النظام الصوتي مع جمالها، والأصوات الحادثة من التقاء الحروف ببعضها وأدائها على وجهها الصحيح من الصفات والمخارج يأسر الأسماع والقلوب معًا، فتكرار الصوت يؤدي إلى تكرار المعنى مثل هدهد، رجرج، زلزل، وكل صوت في اللفظ قد يؤدي جزءًا من المعنى مثل \" ذلك \" حيث ذا للإشارة واللام للبعد والكاف للخطاب، وهناك علاقة بين الحرف ومخرجه، فالفاء تدل على الوضوح مثل فتح..فضح..فرح، والضاد تدل على الشدة والكآبة مثل ضرب.. ضجر.. ضيق.. ضنك.. وهكذا، ومن النظام الصوتي تكرار الأصوات مما يحدث أثرًا قويًا في النفس وخشوعًا في القلب مثل قوله - تعالى -(كلاّ إذا دكت الأرض دكّـًا دكّـًا * وجاء ربك والملك صفّـًا صفّـًا) (الفجر21-22). ومجمل القول أن جمال اللغة في القرآن الكريم قرين النظام الصوتي وهما يشكلان وحدة واحدة تصب في جمال التأثير وقوته.
(3) عناية القرآن الكريم بالمداخل الإعلامية: ومن ذلك المدخل التربوي النفسي، والمدخل التعريفي الذي يهتم بتعريف الإنسان بنفسه وبربه وبالكون، والمدخل العقيدي الذي يعّرف بالعقيدة الصحيحة، والمدخل الاجتماعي الذي يهتم بالأسرة والمجتمع والفرد، والمدخل الاقتصادي الذي يتعلق بالمال والاقتصاد والإنفاق والربا، والمدخل العسكري الذي يهتم بشؤون الجهاد والحرب، وغيرها من المداخل التي أولاها القرآن الكريم رعاية كبيرة، واستعمل لتقريبها وتوضيحها والاعتبار بها أساليب كثيرة منها الأمثال، والقصص، وغير ذلك من أساليب القرآن الكريم.
وبعد فتلك كانت بعض الكلمات الإعلامية عن عبقرية محمد - صلى الله عليه وسلم - في الجانب الإعلامي من سيرته الطاهرة، وتلك أيضًا كانت بعض الكلمات الإعلامية عن القرآن الكريم الذي يعتبر بحق كتاب الحياة الأول بكل ما تعنيه كلمة الحياة من جوانب شرعية وعقلية، دينية ودنيوية وأخروية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وعسكرية وإعلامية، وقد يعجب المرء من أن القرآن يحوى كل نظريات الإعلام، ولكن يذهب عجبه حينما يزداد يقينًا بأن منزل الكتاب هو خالق الإعلام ورجاله وأساليبه، وهو - سبحانه - يعلم من خلق ويعلم حرب الأعداء على كتاب الله وعلى رسوله وقد سجل بعض دعايتهم المضادة فقال - عز وجل - (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) (فصلت/26) وقال أيضًا (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفًا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم) (محمد16)، ومع ذلك فإننا نزعم ختامًا لهذه الكلمات أن القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة النبوية لم يدرسوا الدراسة الإعلامية الجديرة بهم كمصادر لأعظم دين شرع... والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد