موقعة ربض قرطبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

13 رمضان 198هـ ـ 10 مايو 814م:

قامت دولة بني أمية في الأندلس بعد سقوطها في المشرق، وبدأت قوية فتية راسخة بفضل مؤسسها صقر قريش عبد الرحمن الداخل الذي استمر في تشييد أركان دولته 35 سنة، ومات سنة 171هـ، وخلفه من بعده ولده هشام الذي سار على نهج أبيه، مع زيادة في الورع، ومراعاة أحكام الشرع، واتسعت الدولة في عهده، وبلغت أوج قوتها، بحيث لم يبق أسير مسلم واحد بيد الأعداء، ولما مات هشام سنة 180هـ تولى ولده «الحكم» زمام الأمور.

لم يكن الحكم مثل أبيه أو جده فقد كان صارماً قاسياً جباراً، استكثر من شراء المماليك الصقالبة، واتخذ الأستار والحجب، وانشغل باللهو والصيد، وشرب الخمر والجهر بالمنكرات، وكانت قرطبة عاصمة الخلافة دار العلم والورع والحديث، فهال أهلها ما رأوه من جبروت «الحكم» وفسوقه، فحاول أهل قرطبة خاصة العلماء والفقهاء والوجهاء رده عن غيه فلم يسمع لهم، حتى اتفقوا على خلعه ومبايعة ابن عمه «محمد بن القاسم المرواني» مكانه، ولكن «الحكم» يعرف الأمر، ويقبض على اثنين وسبعين رجلاً من علماء ووجهاء قرطبة، ويعدمهم جميعاً ثم يصلبهم، فتمكنت عداوة الناس كلهم له.

بعدها عمل الحكم على تقوية المدينة، وبناء الأسوار، وحفر الخنادق حول المدينة، واستكثر من المماليك تحسباً لأي عمل مضاد من جانب أهل قرطبة، وبعد ذلك وقعت حادثة صغيرة كانت سبباً لاندلاع ثورة الناس، حيث قام أحد مماليك «الحكم» بقتل أحد العامة ظلماً وعدواناً، فاشتعلت الثورة في قرطبة خاصة أهل منطقة الربض، وكان معظم أهلها من الفقهاء والصالحين، وذلك يوم 13 رمضان 198هـ، وقاد الثورة المحدث الشهير يحيى بن أبي يحيى الليثي الذي أدخل ونشر مذهب مالك بالأندلس، واجتمع الثوار عند قصر «الحكم» الذي قام بفعلة غاية في الحقارة والدناءةº إذ أرسل جنوده فأحرقوا بيوت الثوار، ولم يكن بها إلا النساء والأطفال، فارتد الثوار لنجدة أهليهم، فأوقع بهم جند الحكم مقتلة عظيمة، وأخذ الحكم من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم فقتلهم وصلبهم منكوسين، وظل النهب والقتل والحريق والخراب في قرطبة ثلاثة أيام([1]).

بعد هذه الموقعة الأليمة أمر الحكم بنفي أهل الربض عن الأندلس كلها، فخرجوا منها، وأغلبهم من الفقهاء والصالحين وأرباب الصناعات من الأندلس هائمين على وجوههم، فدخلت مجموعة منهم الإسكندرية ثم خرجوا إلى جزيرة قبرص فأقاموا فيها دولة إسلامية استمرت مائة وخمسين سنة، ولم يمهل الله عز وجل «الحكم» بعدها إلا قليلاً ثم أخذه أخذ عزيزٍ, منتقم، وقد أدت هذه الموقعة لقيام الإمبراطور شارلمان الصليبي بالاستيلاء على مدينة برشلونة وجعلها عاصمة له، وأصبحت بعد ذلك شجى في حلق دولة الإسلام بالأندلس.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply