بسم الله الرحمن الرحيم
طلب العلم الذي يحتاجه المسلم للقيام بما يجب عليه من عبادة ربه فرض واجب عليه، وما زاد على ذلك فتحصيله من باب فروض الكفايات وهو لطالب العلم من باب المستحبات والفضائل.
ودليل هذا الأصل ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"طلب العلم فريضة على كل مسلم\". ودليله أيضاً أن هذا الدين يقوم على قاعدتين وهي أن لا نعبد إلا الله وأن لا نعبد الله إلا بما شرع.
وتحقيق عبادة الله بما شرع لا تكون إلا بطلب العلم الذي تحتاجه لتقوم بهذه العبادة التي فرضها الله عليك والتي خلقك من أجلها.
وفي هذا المعنى يقول إسحاق ابن راهويه: \"طلب العلم واجب، ولم يصح فيه الخبر إلا أن معناه: أنه يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه في وضوئه وصلاته وزكاته إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره. وقال: وما وجب عليه من ذلك فلا يستأذن أبويه في الخروج إليه وما كان فضيلة لم يخرج إليه حتى يستأذن أبويه\"([1]).
وقال ابن تيمية - رحمه الله -: \"طلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله به، وما نهاه الله عنهº فإن هذا فرض على الأعيان\"([2])
وهذا الأصل من الأصول المهمة التي يفارق فيه أهل الحديث غيرهم ولذلك أصحاب البدع يعيرون أهل الحديث بأن غاية كلامهم في مسائل الطهارة والصلاة ونحو ذلك، وهذا ليس بعيب في الحقيقة لأنك بالطهارة تقوم بتحقيق مفتاح الصلاة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول \" مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم \"(3) وقوله أيضاً \" بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا \"(4) ولذلك أول أمر ينبه عليه طالب العلم أنه ينبغي أن يحرص على تحصيل العلم الواجب عليه. ولذلك لما سئل الإمام مالك عن طلب العلم قال: \" كله خير ولكن انظر إلى ما تحتاجه في يومك وليلتك فاطلبه\".
لأنك لا تحقق عبادة الله إلا إذا تحصلت على العلم الذي شرعه الله لك في هذه الأمور، فتعرف كيف تتوضأ وكيف تصلي وكيف تغتسل وكيف تؤدي الزكاة إذا كان لك مال وكيف تحج إذا أردت الحج وأحكام النكاح إذا أردت أن تنكح وأحكام الطلاق إذا أردت أن تطلق ونحو ذلك من الأمور.
وينبني على هذا الأصل الأمور التالية:
1ـ حكم الوجوب وهذا يتعلق بالمسلم المكلف فإن كان صغيراً فعلى والديه تعليمه أمور دينه التي يحتاجها إذ يقول - صلى الله عليه وسلم - \" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته\"، وقال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوَا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ} [التحريم: 6].
إذاً على الوالد المسلم والوالدة المسلمة أن يعلموا أولادهم ما يحتاجونه من أمور الدين ومن الآداب.
2ـ على طالب العلم أن يقدم تحصيل ما يجب عليه على ما يستحب، واشتغاله بالمستحبات وإضاعة الواجبات هو من زيوف طلب العلم وعوائقه، وكم هو تقصير الذي يطلب المستحب ويترك الواجب!
فترى بعضهم يتكلم في مسائل اللغة والنحو والمصطلح والبلاغة والأصول وهو لا يحسن أن يتوضأ وضوء رسول الله، و لا يحسن أن يصلي كما كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي..وقس على هذا!
3ـ على طالب العلم أن لا يخالف والديه بالرحلة لطلب العلم الذي هو بالنسبة إليه من المستحبات، أمّا إن كان العلم الذي يريد الرحلة إليه من الواجبات التي يحتاجها لعبادة الله عزوجل في يومه وليلته فله أن يرحل كما نبه على ذلك الإمام إسحاق في قوله في العبارة السابقة: \"وما وجب عليه من ذلك فلا يستأذن أبويه في الخروج إليه وما كان فضيلة لم يخرج إليه حتى يستأذن أبويه\"([5]).
4ـ العلوم المساعدة أو ما يسميه بعض أهل العلم بـ \"علوم الآلة\" كاللغة العربية والبلاغة والأصول والمصطلح وعلوم القرآن يطلب منها ما يحقق المقصود الأصلي وهو القيام بعبادة الله - تعالى -، التي خلقنا من أجلها، وإلا دخل ذلك في باب الترف العلمي، والله اعلم.
فلا يطلب من طالب علم النحو أن يكون كسيبويه، و من طالب اللغة أن يكون كالخليل والأزهري، ومن طالب البلاغة أن يكون كالجرجاني، يكفيه من كل ذلك ما يحتاجه لفهم القرآن والسنة، والقيام بما أوجبه الله عليه من عبادته!
----------------------------------------
(1) جامع بيان العلم وفضله (1/9).
(2) مجموع الفتاوى (28/80).
(3) رواه أبو داود (61/618)، والترمذي(1/9)، وابن ماجه(1/275).
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) جامع بيان العلم وفضله (1/9).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد