بسم الله الرحمن الرحيم
أكدت الأكاديميّة المسلمة (د. لينا لارسون) مديرة مركز حوار الأديان بجامعة أوسلو النرويجية أن مسلمي النرويج يتمتعون بقدر كبير من الحرية لا يتمتع بها نظراؤهم في الدول الأوروبية الأخرىº فالدولة النرويجية تعترف بالإسلام ديناً رسمياً منذ عام 1969م، كما أنها تسمح بتدريس التربية الدينية الإسلامية، وتقدم دعماً مالياً للمدارس والمراكز الإسلامية، ولا تفرض أي نوع من القيود على حرية المسلمين في ممارسة الشعائر الإسلامية تكريساً لمبدأ حرية الأديان الذي يقره الدستور النرويجي، وأضافت في حوارها مع شبكة (الإسلام اليوم) أن العاصمة النرويجية أوسلو مليئة بالمساجد والمراكز والجمعيات والمدارس الإسلامية، كما أن الشعب النرويجي شغوف بالإسلام، ويُقبل الكثيرون من أبنائه على اعتناق الإسلام سنوياً، وشدّدت (لارسون) على أن النقص الحاد في إعداد الدعاة والسلوكيات الخاطئة التي يقدم عليها بعض المسلمين، والحملات الإعلامية التي تُشن على المسلمينº من أهم التحديات التي تواجه مسلمي النرويج، والتي نحاول - بفضل الله - أن نتصدى لها.
النص الكامل للحوار في السطور التالية:
س: في البداية نريد أن توضحي لنا كيف دخل الإسلام النرويج؟
تعود علاقة النرويج بالإسلام والعالم الإسلامي إلى عهد الفايكنج، وقد توجه هؤلاء إلى العالم الإسلامي، وتمكنوا بين سنوات 700 - 837 هـ من الوصول إلى أسبانيا، وتدمير مدينة أشبيلية، كما وصلوا إلى الشمال الإفريقي وإلى المغرب العربي على وجه التحديد، ووصلوا إلى العراق أيضاً، ومن الشواهد التاريخية الموجودة في بعض المتاحف السويدية والنرويجية وجود مسكوكات قيل إن مصدرها العراق، وتذكر كتب التاريخ السويدية النرويجية أن الرحالة المسلم "ابن فضلان" قد وصل أرض النرويج والسويد في القرن العاشر الميلادي بصحبة مجموعة من الفايكنج، وهو أول مسلم يطأ أرض النرويج والسويد وبلاد شمال العالم، كما أن الشاعر والأديب النرويجي المعروف وصاحب النشيد الوطني قد دخل الإسلام في بدايات القرن التاسع عشر، وتعرّف على الإسلام عن طريق الدراسة، وكان يبحث عن كل الكتب التي تقدم شرحاً عن الإسلام، وهو ما كانت توفره المكتبة الملكية النرويجية، وقد شهد تعرف النرويجيين على الإسلام مرحلة أخرى خلال حقبة الستينيات عندما بدأت مراحل الرخاء الاقتصادي، وكانت البلاد بحاجة إلى أيد عاملةº فكان العمال الأتراك والباكستانيون وبعض العرب من فلسطين ولبنان ومن بعد ذلك العراق والمغرب العربي، وتلاها دخول الآلاف من البوسنيين والألبان لتصل أعداد المسلمين في النرويج إلى ما يقرب من (150) ألف مسلم حسب تعداد عام 2004م.
دين رسمي:
س: هل تعترف الحكومة النرويجية بالإسلام؟
نعم تعترف الحكومة بالإسلام ديناً منذ عام 1969م، وكما أنها تسمح بتدريس التربية الدينية الإسلامية في المدارس، وتقدم دعماً مالياً للمساجد والمراكز والمدارس الإسلامية التي أُنشئت بموافقة الدولة، وقد أتاح هذا المناخ للمسلمين أن يؤدوا شعائرهم بحرية كاملة تكريساً لمبدأ حرية الأديان، وهو المبدأ الذي يقره الدستور والقوانين النرويجيةº بل إن هذه القوانين توفر ضمانات كاملة لأصحاب كافة الديانات كامل الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية رغم الطابع العلماني للدولة، وهي خصوصية تتمتع بها النرويج، ولا تتكرر في دول أوروبية عديدة، كما أن العاصمة أوسلو مليئة بالمساجد والجمعيات والمراكز الإسلامية، ويُعدّ الشعب النرويجي أكبر الشعوب اهتماماً بالإسلام دراسة واعتناقاً.
اللغة العربية والسيرة
س: قبل أن نتحدث عن مشاكل المسلمين في النرويج نرجو أن تحدثينا عن كيفية اعتناقك للإسلام؟
بدأت علاقتي الأولى بالإسلام عبر القراءة عن الدين الإسلامي في إحدى مكتبات جامعة أوسلو المليئة بالكتب والدراسات عن الدين الإسلامي، وكان هذا دافعاً للبدء في دراسة وتعلم اللغة العربية، وهو ما قربني إلى الإسلام، وجعلني أعتنقه عام 1983م، وكانت كتب السيرة لابن هشام من أهم أسباب دخولي الإسلامº بل وتثبيت إيماني لما لمسته فيه من سمو أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتأثيره العظيم فيمن حوله، ودعوته إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.
كيف كان رد فعل أسرتك حين اعتنقت الإسلام ثم ارتديت الحجاب؟
في بداية اعتناقي للإسلام لم أكن أرتدي الحجاب، ولم أكن أمارس العبادات إلا قليلاً، وبالتالي لم يطرأ عليّ أي تغيير ملحوظ، ولكن عندما بدأت أرتدي الحجاب وأنتظم في أداء العبادات حدثت بعض المشاكل البسيطة نتيجة خوفهم على مستقبلي، وربما حدوث ما يعكّر صفو حياتي، وقد قام بعض من أقاربي بمقاطعتي لمدة لكنني حرصت دائماً على أن تكون علاقتي بأسرتي طيبة للغاية، وبروح مسلم نرويجي محترم.
جهل وعنصرية:
س: على ذكر الحجاب هناك حملة ظالمة ضد المرأة المسلمة في الغرب، واتهام للحجاب بأنه تخلّف ورجعيّة، كيف تردين على هذه الاتهامات؟
ارتداء الحجاب هو أمر من الله كما فهمت من سورة النور في القرآن الكريم، ويُعدّ فريضة من فرائض الإسلام، وليس من مظاهره كما يحاول البعض أن يوهمنا، ومن يقل غير ذلك فهو جاهل ويظلم المرأة المسلمة، ثم إن الزعم بأن تغطية شعر المرأة هو تغطية للعقل يُعدّ نوعاً من العنصرية اللاموضوعية التي ينظر بها الغرب للإسلام، لكن هناك أمر يجب أن أشدّد عليه وهو أن على المرأة المسلمة أن تعكس بتصرفاتها وتعاملها مع الآخرين صورة إيجابية عن الإسلام، والحجاب وهذه التصرفات الراشدة هي التي تجبر الآخرين على احترام التعددية، والقبول بحقها في تأدية فريضة من فرائض دينها.
س: نعود مرة أخرى إلى التحديات والمشاكل التي تواجه المسلمين في النرويج؟
أبرز التحديات التي تواجه المسلمين هناك تتمثل في النقص الحاد في أعداد الدعاة، وهو ما ينعكس سلباً على الدعوة الإسلامية في النرويجº فكل الدعاة هناك من أبناء الجالية المسلمة، ومعظمهم متطوعون لنشر الدعوة، وهذا ما يعني الحاجة الشديدة لدعاة محترمين من بعض الدول الإسلامية كمصر والمملكة العربية السعودية لتوعية مسلمي النرويج بتعاليم الدين الإسلامي الصحيح السمح، بعيداً عن الصورة المغلوطة السائدة الآن في الدول الأوروبية نتيجة للسلوكيات الخاطئة لبعض المسلمين، أو الحملات التي تشنها المنظمات الصهيونية في وسائل الإعلام الغربية بهدف تشويه صورة الإسلام وإلصاقه بالإرهاب والتطرف.
س: تترأسين جمعية حوار الأديان في النرويجº هل تعتقدين بقدرة هذا الحوار على سد الفجوة بين معتنقي الأديان السماوية الثلاثة؟
في النرويج نحن نمارس حوار الأديان عملياً بخلاف ما هو موجود في الدول العربية والإسلاميةº فنحن نلتقي كأفراد من الديانات السماوية الثلاث، ونمضي بعض الوقت في زيارة مكان ما، أو نتناول الطعام معاً كضيوف عند بعضنا، ومؤخراً ذهبنا كمجموعة إلى مدينة القدس الشريف، وزرنا الأماكن المقدسة، وألفنا كتاباً باللغة النرويجية يتضمن ما دار بيننا هناك، وكان عنوان الكتاب "حوار بين نساء محجبات وأخريات بلا حجاب"، وكانت هذه الرحلة من أبرز النجاحات التي حققناهاº إذ استطعنا أن نشجع الآخرين على تنمية الحوار فيما بينهم، وتقوية الصلات بين معتنقي الأديان السماوية المختلفة لكي يعرف كل منهم الآخر بصورة مباشرة، وليس عن طريق وسائط غير نزيهة، الأسلوب المباشر في الحوار هو المشكلة التي تواجه البعض في دول العالم الإسلامي الذين يمضون أوقاتاً طويلة في محاورة بعضهم البعض، ولا ينطلقون إلى الآخر لتوضيح صورة الإسلام السمح أمامه، كما أننا نفتقد لوسائل إعلام قوية قادرة على التأثير في الآخر لتحسين صورة الإسلام التي تدهورت في الغرب منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، والتي زادتها سلوكيات بعض المسلمين غير المتزنة في الخارج، وهو الأمر الذي يجعلنا مطالبين بمواجهة كل هذه المشاكل لإظهار الوجه الحقيقي لديننا الحنيف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد