إن من أكبر خصائص الجهاد في أفغانستان بروز الهدف النهائي للجهاد، ألا وهو إقامة دولة إسلامية في أفغانستان، بل تعدى ذلك إلى الحديث عن استمرار الجهاد لتحرير بقية بلاد المسلمين، وهذا يعود لعدة أسباب، منها الخاص بطبيعة الشعب الأفغاني وتدينه، ومنها ما هو خاص بنشوء حركة الجهاد على أيدي أبناء الصحوة الإسلامية في عهد محمد داود، ثم تحول الجهاد إلى حالة عامة بعد الانقلاب الشيوعي والتدخل الروسي الذي تلاه، مع استمرار رموز الحركة الإسلامية في قيادة الجهاد، وهذا يمثل تغييراً في هيكل القيادة التقليدي، حيث إن سيطرة الدافع الإسلامي للجهاد مكن رموز التوجه الإسلامي من قيادة المعارضة، فأصبح القادة إما علماء دينº أو دعاة مرتبطين بالحركة الإسلامية، أو قادة من العلماء المرتبطين بالحركة الإسلامية.
وكانت بداية الجهاد صعبة وقاسية، ولم يكن القضاء على الشيوعية في ذلك الوقت إلا حلماً بعيد المنال عند البعض، وبالتالي يكون الجهاد بالنسبة إليهم ورقة ضغط تقوي موقف المجاهدين عند إجراء المفاوضات من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة، أو إلى حل وسط بين نظام شيوعي متسلط ونظام إسلامي متميز، أما عند البعض الآخر فكان القضاء على النظام الشيوعي أملاً وهدفاً لا يمكن تحقيقه إلا بالجهاد المسلح ولو طالت المدة وكثرة التضحيات، وهنا لا بد من الخلاف بين الطرفين عند أول مصيبة تحل بالمجاهدين، وهذا ما حصل فعلاً، فما إن تمكنت الحكومة من إلحاق هزيمة كبرى بالمجاهدين قتل فيها عدد كبير من شباب الحركة، حتى دب الخلاف بين رباني الذي يرى عدم الاستمرار في العمليات، وحكمتيار الذي أصر على استمرار الجهاد مهما كانت التضحيات، ومنذ ذلك اليوم وجدت الجمعية الإسلامية (رباني) والحزب الإسلامي (حكمتيار) الذي التف حوله شباب الحركة المتحمسون للجهاد وكان التدخل الروسي نقطة تحول بالنسبة للمجاهدين، فقد أقبل الناس على الجهاد، وتحولت الجمعية والحزب إلى أحزاب كبيرة ينضوي تحتها عشرات الألوف من المجاهدين، ومع مرور الوقت بدأت تتضح الفروق بين الجمعية والحزب، فبينما كانت هياكل الحزب وقياداته تتمحور حول حكمتيار ذي الشخصية القوية، كان رباني يمثل قيادة اسمية لبعض قادة الجمعية » مثل أحمد شاه مسعود «، وهذه العلاقة بينهما تحقق مصالح مشتركة فمن جهة رباني يمثل مسعود له القوة الكبيرة التي تعطيه وزناً كبيراً بين القادة في بشاور، أما مسعود فإن رباني والجمعية تمثل له غطاءً تنظيمياً يحصل من خلاله على المساعدات القادمة من بشاور.
وأثناء الجهاد تكونت أحزاب عديدة بعضها ناتج عن خروج بعض القادة من أحد حزبي المجاهدين، والبعض الآخر قام على أسس الانتماء القبلي، أو الزعامة الصوفية، أو تجمع يضم القوى القديمة التي أزاحها النظام الشيوعي من السلطة.
وعلى رغم التباين في الأهداف فإن جميع الأحزاب اضطرت إلى رفع راية الإسلام حتى التي لا تهدف إلى إقامة دولة إسلامية، بل حتى التي تقاوم وصول الإسلاميين إلى الحكم، وأصبحت أفغانستان مقسمة إلى مناطق نفوذ بين الأحزاب المختلفة، وأدى انتشار الحزب الإسلامي في جميع أنحاء أفغانستان إلى أن يكون طرفاً في كثير من الاحتكاكات الناتجة من عمليات تحديد مناطق النفوذ، وكان اصطدام الحزب مع أحمد شاه مسعود في مناطق الشمال نتيجة لمحاولة مسعود تصفية القوى الأخرى في المنطقة وتشبث الحزب بمناطقه.
وعلى الرغم من الخلافات فإن الجهاد مضى بقوة في سبيل طرد الروس وإسقاط النظام الشيوعي، وما إن انسحب الروس حتى بدأت بعض الأحزاب تحسب حسابات أخرى بالنظر لمستقبل أفغانستان، وذلك بتأثير خلافات مؤجلة وتدخلات خارجية تحاول فرض واقع معين في أفغانستان والاطمئنان إلى صيغة مناسبة لتركيبة النظام الجديد والمتتبع للأحداث الأخيرة يجد الظواهر التالية:
1- تجمع بقايا الشيوعيين والمليشيات والإسماعيلية في تحالف ضمهم مع أحمد شاه مسعود حتى يُعطوا وجودهم وتجمعهم صبغة إسلامية.
2- استمرار الرافضة في لعبة تبادل الأدوار التي يجيدونها، فهناك حزب الوحدة الذي لا يخفي ارتباطه بطهران، واستغل الأحداث الأخيرة حتى يدفع بأعداد كبيرة من مناصريه إلى داخل كابل، ويظهر الحزب الآن تحالفه مع حكومة رباني، وأسندت إليه.
3 حقائب وزارية رشح لأحدها عبد الواحد سرابي نائب رئيس الجمهورية في عهد نجيب، وهناك اتجاه آخر يقوده آية الله آصف محسني الذي يمثل دور التقارب مع أحزاب المجاهدين السنة.
3- العمل على إبراز بعض القادة الميدانيين ومحاولة جرهم لاتخاذ مواقف سياسية تخالف توجهات أحزابهم المعلنة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك أحمد شاه مسعود الذي نجح الروس في عقد سلسلة معاهدات للهدنة معه، وتمّ بنجاح إقناعه بأن يكوّن الغطاء الشرعي للمليشيات وبقايا الشيوعيين والباطنيين، ويرفع كل هؤلاء علماً كتب عليه » لا إله إلا الله والله أكبر «.
4- محاولة إقناع زعماء المجاهدين بعدم دعم حكمتيار، وقد تحدث المدير السابق لعمليات الاستخبارات الباكستانية العميد محمد يوسف أن الولايات المتحدة وزعت أموالاً طائلة على بعض الأحزاب والقادة الميدانيين من أجل إقناعهم بعدم الوقوف مع حكمتيار.
ومن لا ينفع معه المال تستغل خلافاته القديمة مع حكمتيار في إقناعه، بل والإيحاء بأن سياسات حكمتيار ستقود إلى تقسيم أفغانستان. وكل هذا مصحوب بحملة إعلامية عالمية ضد الحزب الإسلامي.
5- التركيز على التعدد العرقي وتكرار ذكر انتماء القادة العرقي بمناسبة ودون مناسبة.
6- الحرص الشديد على عرقلة أي بادرة لإصلاح ذات البين بين المجاهدين، وخاصة بين مسعود وحكمتيار، أو حكمتيار ورباني، ويلاحظ مشاركة المليشيات وحزب الوحدة الرافضي في هذا الخطط بصورة رئيسية.
7- عدم وجود الزعامة القوية التي تجتمع عليها القلوب ويدين لها الجميع بالولاء، وبالتالي كان التنافس هو العامل الأكبر في اختيار أي زعيم مؤقت، وتكون النتيجة الاتفاق بالإجماع أو الأغلبية على زعيم ضعيف تكون بالطبع زعامته اسمية أو يكون واجهة لبعض الأقوياء، وهذا عامل كبير من عوامل زيادة الفرقة والاختلاف، وظاهرة خطيرة جرت على المجاهدين المصائب في السابق.
إن ترتيب الأمور يجري بدهاء شديد لدفع زعماء أفغانستان لقبول حل وسط يؤدي بمشروع الدولة الإسلامية أو خطر تقسيم أفغانستان على أساس عرقي بالنسبة للسنة (باشتون، طاجيك، أوزبك) إضافة إلى الأساس الطائفي (سنة، شيعة).
إن اجتماع قادة المجاهدين وخاصة حكمتيار ومسعود كان كفيلاً بفرض الدولة الإسلامية، وحيث إن هذا كان مستبعداً فقد استغلت جميع ظروف التباين في سبيل منع حكمتيار من إحكام قبضته على كابل، وتم إدخال الجمعية في مخطط يهدف إلى إجهاض المشروع الإسلامي، ومن الواضح أن رباني قد ساير مسعود حتى وصل إلى طريق مسدود، اضطر معه أن يكرر مقولات سلفه مجددي، فعلى الرغم من وقوفه في وجه طلب مجددي تمديد مدته إلى سنتين، نراه يطلب تمديد مدته إلى سنتين، وبالطبع لم يحصل له ما أراد مع فارق أن مجددي أجبر على التنحي، أما رباني فقد نجح في تمديد ولايته 45 يوماً من أجل عقد مؤتمر لأهل الحل والعقد لاختيار رئيس لأفغانستان.
وتتحدث الأخبار عن أن أكثر الزعماء حظاً هما محمد بن نبي محمدي وأحمد جيلاني. وبالطبع طرح جيلاني يقصد به قبول محمد نبي محمدي على أنه أفضل المرشحين.
نسأل الله أن يلهم قادة المجاهدين المخلصين الصواب، فما أحوجهم إلى وقفة صادقة يتناسون فيها خلافاتهم ويقفون وقفة خالصة لله ليس فيها نظر إلى رضا مخلوق أو عصبية، وليس فيها مصلحة شخص أو هيئة، فإن الأمر جد خطير، والأمة الآن على مفترق طريق: إما أن يصان فيها حق الشهداء الذين ماتوا دفاعاً عن العقيدة، أو تباع هذه الدماء كلها بثمن بخس.
إن الذي لم يقم بالجهاد والدفاع عن الأمة في حالة الكرب ليس أميناً عليها في حالة الرخاء، ومن هدم البناء لا نتوقع أن يقوم ببنائه، فهل نرضى أن يؤتمن الخؤون (المليشيات والرافضة، والإسماعيلية والشيوعيون وغيرهم) ويخوَّن الأمين من المجاهدين. هل من وقفة صادقة حتى تبقى جذوة الأمل؟!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد