أنهى سياسي نيوزيلندي بارز عقودا من الحرية الدينية المطلقة التي كانت تتمتع بها بلادهم، حتى صارت معلما أساسيا لها عبر مطالبته لأي مسلمة ترتدي الحجاب بمغادرة نيوزيلندا وعدم العيش فيها، بل وطالب إدارة الهجرة في البلاد بعدم الموافقة على أي طلب للهجرة تتقدم به فتاة محجبة أو أسرة يرتدي أعضاؤها الحجاب.
حيث شدد دون براش زعيم الحزب القومي على أن من يعيش في نيوزيلندا عليه أن يحترم قيم المجتمع وتقاليده، معتبراً أن نيوزيلندا لن تتحول أبدا إلى معتقل للاتجاهات الدينية المتشددة.
وطالب البرلمان بإقرار تشريعات تحافظ على هوية البلاد وتمنع ذوبانها لصالح أقليات دينية بعينها.
وتفتح هذه الدعوة الخطيرة التي واجهت معارضة من التنظيمات الإسلامية الموجودة في نيوزيلندا والتي عدتها مخالفة لأبسط مبادئ الحريات الدينية التي كفلها الدستور النيوزيلندي وتنم عن عنصرية بغيضة ضد المسلمين تفتح الباب واسعا عن حقيقة التغيير الذي أصاب المجتمع النيوزيلندي الحر في عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001، وعن إمكانية الحد من الحريات التي حظي بها المسلمون طوال الثمانين عاما الماضيةº أي منذ وطأت أقدام أول مسلم هذه الأرض الجديدة.
وتجمع الروايات أن الوجود الإسلامي في نيوزيلندا قد بدأ في عشرينات القرن الماضي عندما وفد عشرات من المسلمين المنحدرين من أصل هندي أو من جزر فيجي إلى هذه البلاد الجديدةº حيث استقروا في الجزيرة الشمالية، ثم استمر توافد المسلمين من بلدان مسلمة آسيوية.. أهمها باكستان وبنجلادش وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة.
موجات
ثم تبع هذه الموجات موجات أخرى من بلدان المشرق العربي من بلدان الشام ومصر ودول المغرب العربي ويتبعهم مواطنون مسلمون من العراق والصومال والسودان وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا، مما أسهم في تزايد عدد المسلمين بطريقة مطردة أوصلت تعدادهم إلى أقل من 50 ألف مسلم، ويتوقعون أن يحققوا معدل نمو سكاني يزيد على 7 % في السنوات القادمة.
وقبل أن ندلف إلى أوضاع المسلمين في نيوزيلندا جدير بنا أن نؤكد أن هذا البلد يتمتع بإمكانيات طبيعية وسياحية حدت بالكثيرين لعده من أجمل بلدان العالم حيث تقع نيوزيلندا في أقصى جنوب الكرة الأرضية، وتعد من أكبر جزر المحيط الهادي تتألف من جزيرتين رئيستين هما الجزيرة الشمالية والجزيرة الجنوبية فضلا عن بعض الجزر الصغيرة.
ويبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف نسمة تقريبا وتعيش الغالبية العظمى منهم في الجزيرة الشمالية نظرا للطابع التجاري لهذه الجزيرة، ويطلق على السكان الأصليين اسم الموري، حيث يمثلون حوالي 4 % من جملة السكان ولهم طابع ثقافي واجتماعي خاص بهم بالإضافة إلى لغتهم الخاصة التي تختلف عن الإنجليزية التي تعد اللغة الرسمية للبلاد.
نفوذ سياسي كبير
وتعد النصرانية الديانة الرسمية للدولة ويليها الإسلام مع وجود بعض التجمعات اليهودية والتي وإن كانت أعدادها قليلة إلا أنها تتمتع بنفوذ سياسي كبير شأنها شأن الأقليات اليهودية في معظم أنحاء العالم، حتى إن بعض الناس يؤكد أن نفوذ هذه المجموعات الصغيرة هو الذي يقف وراء الحملة على المظاهر الإسلامية في المجتمع النيوزيلندي والتضييق على المواطنين المسلمين والذين يوجدون في معظم أراضي نيوزيلندا، خصوصا العاصمة والينتجون وأوكلاند.
وتعيش الغالبية العظمى من مسلمي البلاد في مقاطعة كانتربري أكبر مقاطعات نيوزيلندا والتي تقع بالجزيرة الجنوبية، عاصمتها -كرتسيشيرس- ثالث أكبر مدينة في نيوزيلندا، وقد نزح المسلمون لهذه المقاطعة في سبعينات القرن الماضي حيث شهدت أول جمعة إسلامية عام 1977 عبر شراء منزل صغير لاستخدمه مصلى للمسلمين، وبعدها قام أحد المواطنين السعوديين الذين كانوا يدرسون في إحدى جامعات نيوزيلندا بشراء قطعة أرض لبناء أول مسجد في البلاد وأطلق على المسجد اسم مسجد النور.
حرية شعائر
ويتمتع المسلمون هناك بحرية شبه مطلقة كون نيوزيلندا بلداً متعدد الأديان ولا يجد المسلم فيها حرجا أو مضايقة أثناء أداء العبادات في أي مكان ولكن في إطار اشتراط عدم مضايقة الآخرين، ويمنع رفع الأذان من خلال مكبرات الصوت في المساجد فيما تتمتع الأسرة المسلمة بحرية الحجاب الشرعي ولبس العباءة في الحريات العامة.
وقد أشعلت هذه الحريات حقد الجالية اليهودية التي يتنامى نفوذها في نيوزيلندا التي نظرت إلى انتشار الحجاب في المدن النيوزيلندية عامل خطر على هوية البلاد وأوعزت إلى بعض الزعماء السياسيين لإثارة مخاوف المجتمع ضد الجالية المسلمة وإشاعة نوع من الاسلاموفبيا في المجتمع النيوزيلنديº حيث لم يسرهم نجاح الجالية المسلمة في احتواء أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإيجاد نوع من التفريق بين الإسلام بوصفه ديناً وبعض المتشددين الذين قاموا بأعمال عنف هنا وهناك.
- وقد تسبب هذا في إشعال قلق اليهود من تنامي نجاحات الجالية المسلمة التي وصلت إلى حد نجاح الدكتور أشرف شودري باكستاني الأصل في الوصول إلى عضوية البرلمان وهو أول مسلم يصل إلى مثل هذه المناصب المرموقة فضلا عن أن شودري قد تحول إلى ممثل دائم لرئيسة وزراء نيوزيلاندا في المنتديات والاجتماعات ذات الطابع الإسلامي.
نزعات عنصرية
ولا تنفي النجاحات وجود نزعات عنصرية واعتداءات وان كانت طفيفة على المجتمعات الإسلامية في بعض المدن النيوزيلندية وظهور مطالبات بتهجير هؤلاء المسلمين الذين يشكلون خطورة بالغة على هوية المجتمع النيوزيلنديº غير أن هذه الدعاوى لم تحقق النجاحات التي رغب الواقفون وراءها في تحقيقها، فالغالبية العظمى من الشعب النيوزيلندي حكومة وشعبا تنظر نظرة احترام وتقدير للمسلمين الذين لم يتورط أحدهم في أي عمليات تضر الأمن والاستقرار في البلاد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد