في 9 مارس 2004م نشر "مرقب حقوق الإنسان" في نيويورك تقريراً بعنوان: "أفغانستان: القوات الأميركية تنتهك حقوق الإنسان"، وهنا مقتطفات مترجمة من هذا التقرير.
الاستخدام المفرط للقوة خلال عمليات الاعتقال:
تلجأ القوات الأميركية بانتظام إلى الوسائل العسكرية من أجل تنفيذ عمليات الاعتقال في أفغانستان مما يؤدي أحيانا إلى عدم احترام الحق الإنساني الدولي وحقوق الإنسان وقد تلقى مسؤولو الأمم المتحدة في العاصمة "كابول" العديد من الشكاوى حول الاستخدام المفرط للقوة على أيدي جنود التحالف في الجنوب والجنوب الشرقي وشرق البلاد، وتؤكد هذه الشكاوى غالباً أن الوسطاء والمترجمين يتلاعبون بالقوات الأميركية من أجل توريطها في نزاعات محلية لا علاقة لها بها، كما استغل البعض وجود هذه القوات لابتزاز الخصوم وترويعهم.
وتبعاً لأحد مسؤولي الأمم المتحدة المكلف جمع الشهادات حول عمليات عام 2002م، يوجه اللوم إلى القوات الأمريكية بـ"التصرف كرعاة البقر" في حق المدنيين "الذين لا يتصرفون في شيء ضد القانون"، ويؤكد بعض الشهود أن الجنود "يدمرون الأبواب بواسطة القنابل بدل أن يقرعوا" ويعنفون النساء والأطفال.
حكاية أحمد خان وأولاده:
ذات مساء من شهر يوليو 2002م اقتحمت القوات الأمريكية منزل أحمد خان في مقاطعة ذرمات في إقليم باكتيا. والمقاطعة غير المستقرة تماماً هي بين أيدي القوات الأفغانية الموالية للأمريكيين خلال عملية الاقتحام تم توقيف أحمد خان وولديه البالغين من العمر 17 و18 عاماً كما قتل مزارع بالرصاص وجرحت امرأة تسكن في الجوار. سأل "المراقب" الشهود حول عملية الاقتحام التي يرويها أحمد خان على الصورة التالية:
"حصل ذلك في وقت الحصاد، كان المزارعون ينامون بالقرب من حزمات الشعير، وكانت الساعة قد قاربت التاسعة ليلاً، كنا في أسرتنا ولم نخلد بعد إلى النوم.. فجأة سمعنا ضجيجاً قوياً وأدركنا أن الطوافات تحلق فوقنا.. سمعنا انفجارات زعزعت البيت.. بدأ الاقتحام.. اقتربت الطوافات وكنا نسمعها تدور وتطلق رشاشاتها.. كان الصوت رهيباً، ثم وقعت متفجرات دمرت إحدى زوايا البيت وأحد الجدران".
بحسب رواية أحمد خان، فإن أفراد العائلة بأكملهم انبطحوا أرضاً في الطابق الثاني بينما كان الرصاص يخترق الأبواب والزجاج، ويؤكد الجيران أنهم شاهدوا الطائرات العمودية تطلق النار على البيت ومحيطه، ويروي أحمد كيف دخل الجنود الأمريكيون إلى منزله وهم يطلقون النار:
"رأيت من خلال الزجاج المكسور العديد من الجنود في البهو.. أطلقوا الرصاص على باب المدخل ثم فتحوه وصعدوا إلى الطابق العلوي. دخلوا أيضا من الشبابيك.. دخلوا من الشبابيك التي دمرتها القذائف والانفجارات. وصلوا إلى غرفتنا فخلعوا الباب ودخلوا وهم يشهرون البنادق والمصابيح الكهربائية. أشاروا إلينا برفع أيدينا. لم يكن برفقتهم أي أفغاني أو مترجم. رأينا لاحقاً مترجماً في بهو الدار.. قيدوا الرجال وطلبوا من النساء النزول إلى البهو، ثم اقتادونا نحن أيضاً إلى هناك، ثم عمد الجنود الأميركيون والأفغان إلى تفتيش المنزل مستخدمين أسلحتهم لخلع الأبواب، اقتادوا النساء إلى مبنى آخر ثم فتشوا البيت وكسروا الزجاج وانتزعوا الخزانات وأطلقوا النار على العلب ورموها. ألبسونا أقنعة على وجوهنا وأخرجونا ليصعدونا في طوافة سمعنا هدير محركها وقد طارت بنا إلى مسافة طويلة، ثم قيل لي: إنني الآن في باغرام".
بعد الهجوم تم اكتشاف جثة نياز محمد (أحد مزارعي القرية)، وقد أخبر أحد الجيران أعضاء "مرقب حقوق الإنسان": "وجدنا في وقت لاحق جثة رجل قتيل.. كان نياز محمد وقد أطلقت رصاصة على رجله في ظهره فاخترقت قلبه.. وجدوه قرب الطاحون.. كان ينام قرب التبن كي يحرسه من السارقين".
تقول عائلة أحمد خان: إنها فقدت أغلب أغراضها الثمينة خلال الهجوم، فالقوات الأميركية صادرت الكتب وأربعة بنادق أوتوماتيكية أعيدت إلى أحمد عند إطلاق سراحه مع ولديه، لكن أحمد خان يؤكد أن أغراضاً أخرى فقدت: "أخذوا كل ما أملك.. لا أعرف من قام بذلك. رد لنا الأمريكيون بعض الأشياء لكن الكثير من الحلي اختفت، النساء كن في الغرفة المجاورة لم يرين شيئاً.. إنهم إما الأميركيون وإما الأفغان.. لا أعرف.. فقدت الكثير ولم أقدر الخسائر تماماً حتى الآن".
توقيفات غير مبررة واعتقالات بدون مهلة:
تلقي القوات الأميركية باستمرار القبض على مقاتلين ومدنيين حملوا السلاح ضدها أو ضد القوات الأفغانية أو سائر عناصر التحالف بعد معارك تخوضها أو عمليات دهم تنفذها. بيد أن القوات الأمريكية تلقي أيضاً القبض على مدنيين لم يشاركوا في القتال وهي تكون توقيفات غير مبررة أحياناً أو مبنية على معلومات جزئية أو مغلوطة.
تعمد القوات الأمريكية أحياناً إلى اعتقال جميع الرجال البالغين الذين هم في سن حمل السلاح الموجودين في محيط العمليات، وفي مناسبات أخرى تم توقيف أشخاص يعد الأمريكيون أنهم يشكلون خطراً على الأمن أو أن بإمكانهم تقديم العون لأجهزة المخابرات لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بعلماء أو قيادات محلية يمكن أن يكون لهم صلات بحركة "طالبان" أو مجرد مدنيين شوهدوا في الجوار، وقد سأل "مرقب حقوق الإنسان" العديد من المدنيين الذين اعتقلواº لأنهم كانوا موجودين في اللحظة الخاطئة في المكان غير المناسب.
بالنسبة لهؤلاء يمثل الاعتقال مرحلة قاسية يتعرضون خلالها للضرب أو لسوء المعاملة كأن يصار إلى استجوابهم بشكل متكرر أو يسجنون لأسابيع وشهور من دون الاتصال بأقاربهم، وعند إطلاق سراحهم يكتشفون أن بيوتهم نهبت على يد الجنود الأفغان.
هكذا وخلال شهر مايو 2002م، اقتحمت القوات الأمريكية منزلين في قرية كيرماتي بالقرب من مدينة غارديز، حيث أوقفت خمسة رجال أعيد إطلاقهم وإرجاعهم إلى غارديز. خلال الاقتحام رأى الشهود طائرات وطوافات أمريكية تحلق فوق القرية وتطلق النيران في كل الاتجاهات.
حصل الاقتحام في منطقة سكنية لم تسجل فيها أي مقاومة، فقرية كيرماتي كانت ولا تزال تحت سيطرة القوات الأفغانية المتحالفة مع الولايات المتحدة.
المعتقلون، هم: محمد نعيم وشقيقه شربات، أحمد الله وشقيقه أمان الله والخوجه محمد. أخذ الرجال الخمسة إلى باغرام، ويروي محمد نعيم ما جرى لهم هناك: "رمينا في غرفة حيث أرغمنا على الانبطاح أرضاً لمدة من الزمن، ثم أوقفوني وأخذوني إلى مكان آخر. نزعوا العصابة عن عيني فوجدت نفسي وحدي. كان هناك أشخاص آخرون في الغرفة لكني كنت الأسير الوحيد. رموني أرضاً ووضع أحد الرجال رجله فوق ظهري. طلبوا مني نزع ملابسي وبت عاريا. صوروني في حالتي هذه ثم أعطوني ثياباً أخرى لونها كحلي. وصل رجل ومعه كيس من البلاستيك. أدخل يده في رأسي وقص خصلة من شعري وشيئا من لحيتي.. أسوأ ما حدث لنا تلك الصور ونحن عراة تماماً.. إنه لأمر مذل".
بحسب محمد وشربات نعيم فإن الاستجواب الذي جرى معهم في الأيام اللاحقة لم يكن واضحاً مما يوحي بأنه لم يكن لدى المحققين فكرة عن الشقيقين: "سألونا: من أنتم؟ ما هي مهنتكم؟ قلت لهم: أنا لحام، لحام القرية. عرضوا على صورة خوجه محمد، فقلت لهم: إنه جاري".
بعد ستة عشر يوماً من الاعتقال أطلق الأميركيون الرجال الخمسة. يقول شربات: "عندما أطلقوا سراحنا، قال لنا أحد الأميركيين: "نعتذر منكم باسم الولايات المتحدة وباسم الرئيس بوش. نحن متأسفون!.. وعدونا بالتعويض والمساعدة لكنهم لم يفوا بوعدهم. ألبسونا العصابة من جديد وأعادونا بالطوافة إلى غارديز.. أعطانا المترجم 30 ألف أفغاني (70 سنتا أميركياً تقريبا) كي نشتري الشاي على الأقل".
مراكز اعتقال وكالة الاستخبارات:
بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001م بدأ عملاء الاستخبارات المركزية الأميركية ينشطون في أفغانستان وتملك الوكالة مركزاً واسعاً للعمليات في "كابول"، في حي اريانا شوك تحديداً، كما فتحت لها أيضاً مركز اعتقال واستجواب في قاعدة باغرام الجوية ولو أن الولايات المتحدة لا تعترف بوجود هذا المركز. فيستحيل معرفة ظروف الاعتقال داخله ولا المعايير المعتمدة لنقل السجناء إلى هذا المعتقل أو ذاك.
سأل "مرقب حقوق الإنسان" أحد زعماء "طالبان" السابقين بعد أن تعرض للاعتقال لمدة 8 أشهر في موقع غير مصنف في ضواحي "كابول". كان حراسه من الأفغان ومستجوبوه من الأمريكيين المدنيين، وبما أن الجنود الأمريكيين ملزمين بارتداء الزي العسكري في أفغانستان فيرجح أن يكون هؤلاء منتمين إلى وكالة الاستخبارات المركزية، وقد أكد هذا الزعيم الطالباني وجود معتقلين آخرين سمع أصواتهم يتحادثون مع الحراس. أقر بأنه تعاون مع الأمريكيين ولم يتعرض لسوء المعاملة، وهو يعتقد أنه اعتقل في سجن يقع في حي شاشداراك في "كابول" أو في مركز الـ"سي آي إي" في اريانا شوك. كذلك تبين أن الولايات المتحدة تعتقل داخل أفغانستان أشخاصاً ألقي القبض عليهم خارجها.
رأي القانون الدولي:
إن القوانين الدولية توفر الحماية لحقوق المعتقلين خلال النزاعات المسلحة. منذ قيام حكومة قرضاي تعد المعارك الدائرة في أفغانستان جزءاً من نزاع غير دولي بل محلي مسلح. لذا وجبت معاملة المعتقلين في إطار هذا النوع من النزاع وفق المادة الثالثة من اتفاقية جنيف ووفق القانون الدولي الإنساني المتعارف عليه إضافة إلى الشرعية العالمية لحقوق الإنسان.
بالرغم من إصرار الولايات المتحدة على التأكيد أن أحداث أفغانستان جزء من نزاع دولي فإن السلوك الأميركي تجاه المعتقلين يتعارض مع القانون الدولي، فخلال النزاعات الدولية يمكن اعتقال المدنيين "لأسباب أمنية قسرية" لكن ليس لمدة غير محددة، فاتفاقية جنيف الرابعة تسمح باعتقالهم "فقط إذا كان أمن الطرف الذي يجري الاعتقال مهدداً بصورة مباشرة"، وحتى في هذه الحال، يحق للأسير طلب إعادة النظر في وضعه بأقصى سرعة أمام محكمة أو مرجع إداري.
يبدو إذن أن قواعد النزاعات الداخلية تنطبق على النزاعات الدولية والولايات المتحدة عندما تهمل هذه القواعد تكون في حال انتهاك للقانون الدولي.
إساءة معاملة المعتقلين:
تلقى "مرقب حقوق الإنسان" شهادات صادقة حول سوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون في قاعدة باغرام، وخصوصاً في نهاية عام 2001م، أي في الأشهر الأولى لافتتاح هذا المعتقل.
يروي أسيران من باغرام (أرسلا إلى غوانتانامو ثم أطلق سراحهما) كيف احتجز الأميركيون مجموعات داخل زنزانات لأسابيع وهم يرتدون الثياب الداخلية فقط فيما الإضاءة القوية مركزة عليهم والجنود الأميركيون يتوالون لإبقائهم مستيقظين بواسطة الضرب على قضبان الحديد.
عاشوا في الخوف والضياع بسبب الحرمان من النوم لأسابيع، وكانوا مرغمين على الوقوف أثناء الاستجواب بينما يسلط مصباح كهربائي على عيونهم. كان يقال لهم: إنه سيصار إلى استجوابهم إذا بقوا من دون حراك لمدة ساعة وإلا يبدأ العد من جديد!
معتقلان آخران في باغرام نهاية عام 2002م صرحا لصحفي من "نيويورك تايمز" أنهما كانا يرغمان على الوقوف عاريين ومقيدين لمدة أسابيع متواصلة كما حرما من النوم وتعرضا للضرب، وقد قابل أحد الصحفيين العاملين في وكالة "أسوشيتدبرس" للأنباء معتقلين أمضيا في باغرام ما بين نهاية عام 2002م وبداية عام 2003م، وكان قد ألقي القبض على سيف الرحمن وعبد القيوم في أغسطس 2002م وكانون ديسمبر 2002 وأمضيا في الأسر أكثر من شهرين، ويقولان: إنهما حرما النوم وأرغما على الوقوف لأوقات طويلة وتعرضا للإهانة على أيدي جنديات أمريكيات. يقول سيف الرحمن: إنه أمضى الليلة الأولى من اعتقاله عاريا في زنزانة باردة جداً، وقد ألقيت عليه المياه المثلجة. يعتقد أنه كان مسجوناً في جلال أباد ومن ثم في باغرام، حيث أرغمهم الجنود الأمريكيون على الانبطاح أرضاً وهم عراة مربوطين إلى كرسي.
وفق شهادات من أطلق سراحهم فإن الأمريكيين كانوا يعاقبون السجناء في باغرام ما إن يخالفوا القواعد. إذا تحدثوا مع باقي السجناء أو رفعوا صوتهم في وجه حراسهم. يضطر الشخص عندها لإبقاء ذراعيه مرفوعتين ومقيدتين فوق رأسه، حيث تكون السلاسل مربوطة فوق الباب كي لا يتمكن من إراحة يديه. ساعتان مؤلمتان جداً.
في مارس 2003م، روى أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة "نيويورك تايمز" أن عمر فاروق، المعتقل في باغرام، والمتهم بصلاته القريبة بأسامة بن لادن تعرض لتقنيات استجواب "ليست تعذيباً بحد ذاتها، بل تقترب كثيراً من أعمال التعذيب". حرم فاروق الأكل والنوم والضوء وأبقي في عزلة تامة داخل غرفة تراوحت الحرارة فيها بين 12 تحت الصفر و38 فوق الصفر.
مسؤولون أميركيون آخرون أخبروا صحيفة "نيويورك تايمز" عن استجواب أبي زبيدة (أحد زعماء القاعدة المفترضين، والمعتقل على الأرجح في قاعدة باغرام منذ مارس 2003م) خلال عملية اعتقاله أصيب أبو زبيدة بطلقات نارية، وعمد المستجوبون إلى الضغط عليه من خلال التغيير في جرعات الدواء المضاد للألم، وقد صرح بعض العسكريين المولجون عملية الاستجواب إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" بالقول: "يمكن للمحقق استغلال خوف السجين من الجرذان أو الكلاب مثلاً، كما يمكننا الادعاء بأننا قادمون من بلدان يسمح فيها بالتعذيب أو تهديد السجين بإرساله إلى بلدان كهذه. يمكن خلع ثياب السجين وحلق شعره وحرمانه أي وسيلة عبادة أو أي شيء يمكنه من الاهتمام بحاجاته الجسدية".
حالات الوفاة خلال الاعتقال:
في كانون الأول/ديسمبر 2002م، توفي أفغانيان خلال اعتقالهما في قاعدة باغرام، وقد خلص الأطباء العسكريون بعد التشريح إلى تأكيد عملية القتل. ديلاوار (22 عاما) من مدينة خوست جنوب شرق أفغانستان، توفي في 11 أكتوبر 2002م "إثر ضربات تعرض لها عند أطرافه السفلى مما تسبب في تعقيدات بالقلب كان يعاني منها". الملا حبيب الله (30 عاما) من مقاطعة أورزوغان، توفي في 3 نوفمبر 2002م، وقد أكد الطبيب الشرعي العسكري أمام الصحفيين الوفاة بسبب "انسداد في الرئة بعد ضربات تلقاها على رجليه".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد