بسم الله الرحمن الرحيم
في عصر أصبح فيه العالم الإسلامي سوقاً للمذاهب الفكرية والسياسية والثقافيةº يقف (المثقفون العرب) في هذا الخضم الهائل ينهلون ويغترفون صنوفاً من الأفكار والثقافات، ثم يعيدون تعليبها وتسويقها تحت شعار بقلم/ (اسم عربي)، ثم ينطلقون ناعقين باسم الثقافة، ناشرين آراءً وأفكاراً غربية المنشأ، لا تمت بصلة إلى ثقافتنا الحقيقية كمسلمين، هذا المشهد الثقافي الغريب يدعونا للوقوف أمام إشكالية تحديد مفهوم الثقافة والمثقف مستندين إلى قيمنا الأصيلة وأهدافنا النبيلة كأمة ذات رسالة، وعلى هذا الأساس نتساءل: هل المثقف هو من يحصل أكبر كم من المعارف والمعلومات، أو يحصل على أعلى الشهادات، ثم نجده يعيش بعيداً عن الواقع، ويفكر بعقلية مقطوعة الصلة بقضايا وطنه وأمته، أو ينظر إلى الواقع برؤية لا تعكس الحقائق كما هي، فيزين الانحراف ويسميه حرية، ويذم الصلاح ويسميه رجعية.
هل هذه هي الثقافة التي نعول عليها في عملية الإصلاح والنهوض؟ لا شك أن هذه ليست هي الثقافة التي ننشدها ونعول عليها، فليس ثمة رابط بينها وبين الواقع الذي ننتظر أن تلعب الثقافة والمثقفون دوراً في إصلاحه وتقويمه، بل هي تهدم تراث الأمة، وتنهال على القيم الأصيلة هدماً وتخريباً، غير مدركة أنها بذلك تهوي بالأمة إلى دركات التخلف والسقوط والفساد.
إنه لأمر مؤسف أن نرى أدعياء الثقافة من السفهاء يتعدون على ثوابت الأمة باسم الثقافة والحرية، ونرى الأقزام يتطاولون على الأعلام من العلماء والدعاة، والمفكرين الصادقين
إنها لمأساة أن نرى المرضى يفرغون حثالة أفكارهم السقيمة، ويسكبون قذارة عُقدهم النفسية المزمنةº متدثرين برداء الثقافة وحرية التعبير والرأي، مجردين الثقافة من معانيها الأصيلة التي تقوم على سمو الأهداف، ونظافة الوسائل، وتهدف إلى التقويم والإصلاح، والتهذيب، محاولين إقصاء المثقفين الحقيقيين الذين يجمعون إلى المعرفة والعلم الرؤية الثاقبة المؤسسة على الفهم الصحيح للواقع، والذين يتعاملون مع واقعهم بمقتضى القيم والمبادئ، وقاصدين إلى نشر الخير والحق، مستعلين عن التعامل بمقتضى ما تمليه عليهم الشهوات والرغبات والاعتبارات الحقيرة، رافضين أن يكونوا أبواقاً تنعق بما يُراد لها أن تنعق به.
ومن هنا فإن العلماء والمتعلمين الذين يؤدون دوراً وظيفياً بحتاً في شتى المجالات أعدادهم كثيرة، ولكن المثقفين منهم الذين يؤدون دوراً إصلاحياً قلة، وعلى عاتقهم تقع مسئولية كبيرة، لأنهم يحملون هموم الأمة وتطلعاتها، ويفكرون حين تتوقف العقول عن التفكير، ويتكلمون حيث تنعقد الألسن عن الكلام، ويثبتون حين تتساقط التماثيل.
هؤلاء هم المثقفون الحقيقيون من العلماء والمفكرين والمصلحين، هم الأعلام الذين تهتدي بهم الأمة، والنجوم التي يأتم بها السائرون، والأمل الذي نعيش على وهج حرارته، وتباشير إشراقاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد