لم تكن زيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية "جون نيجروبونتي" قبل أيام إلى السودان، وما تبعها من تسريب تقرير يتهم حكومة الخرطوم باستخدام طائرات تحمل شعار الأمم المتحدة لنقل أسلحة لإقليم دارفورº إلا تأكيداً جديداً على أن الغرب والصهيونية العالمية تصِرّ وبشدة على السير قدماً في تنفيذ مخططاتها، ونيل أطماعها في السلطنة الإسلامية السابقة "دارفور".
وصارت (دارفور القرآن) - المشهور أهلها بحفظ كتاب الله، وتحظى بحسب بعض التقديرات بأعلى نسبة من حفظة القرآن في بلدٍ, مسلم - على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها تهددها باللحاق بالأراضي المسلمة السليبة كفلسطين وأفغانستان والعراق, وتزداد هموم الأمة بجرحٍ, جديد.
وإذا كانت الحكومة السودانية لا زالت صامدةً حتى الآن في وجه رياح الضغوط الغربية العاتيةº فإن انضمام لاعبين دوليين كألمانيا وفرنسا - بجانب الولايات المتحدة وبريطانيا واللوبي الصهيوني - إلى لعبة التهديد والوعيد لإجبار السودان على الإذعان لنشر قوات أممية في دارفور في احتلال مقنع للبلاد، إضافة إلى عدم وجود مساندة عربية ترتقي إلى المستوى المطلوبº كل ذلك ينذر بأن الأيام القادمة تحمل مزيداً من التعقيد والصعوبة على حكومة "عمر البشير".
الدبلوماسية الغربية مع السودان تهديد ووعيد وعقوبات:
ذهب "نيجروبونتي" على رأس وفد أمريكي رفيع إلى السودان الأسبوع الماضي حاملاً في جعبته من التهديدات الكثير, وكلها تحمل إنذاراً شديداً للسودان بأنه لم يعد يملك سوى الفرصة الأخيرة لقبول نشر قوات دولية في دارفور، وإلا فإن الأمم المتحدة - الخاضعة لأوامر واشنطن - ستسلط سيف العقوبات على البلد الإفريقي المسلم.
وحتى يزداد التهديد قوة وزخماًº أطلق الرئيس الأمريكي "جورج بوش" بدوره تهديده بتشديد العقوبات على الخرطوم مستخدماً العبارة التقليدية عن ضرورة اتخاذ النظام السوداني "خطوات ملموسة لحماية المدنيين في دارفور، وقبول نشر قوات دولية، وتسهيل أعمال الإغاثة الإنسانية".
وكما هو معتاد واصل رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" سيره على خطى حليفه الوثيق وشريكه في الجرائم ضد الإنسانية "جورج بوش", وطالب مجلس الأمن بالاستعداد لفرض "أقسى العقوبات" على السودان، ووصف ما يحصل في دارفور بأنه "فضيحة ينبغي أن يبذل العالم قصارى جهده لوقفها".
ولم يُرض واشنطن أن تعلن الخرطوم موافقتها على نشر ثلاثة آلاف شخص من الأمم المتحدة لدعم القوة الإفريقية المنتشرة في دارفور, وطالبت بإصرار على نشر 20 ألفاً من الجنودº ما يقودنا لسؤال ملح وهو: هل يكفي نشر العشرين ألف جندي في منع مجازر وإبادة بالحجم المهول الذي تتحدث عنه واشنطن؟.
نعتقد أن الإجابة ستكون أكثر واقعية بنظرة سريعة إلى ما تعانيه قوات الاحتلال التي تتجاوز الـ180 ألف جندي في العراق, والتي فشلت في وقف الهجمات حتى تلك التي تستهدف "المنطقة الخضراء" التي يفترض أنها شديدة التحصين, ناهيك عن أن "دارفور أكبر من العراق، وتضاريسها أصعب" كما أكد وزير الدفاع السوداني.
إذن فهدف واشنطن ليس إنهاء "مأساة إنسانية" كما تزعم, وإلا ما كان تهديدها بفرض عقوبات اقتصادية سيكون المتضرر الأول منها هو الشعب الذي تدعي حرصها على مصلحته.
المأساة الإنسانية تعددت الذرائع والهدف واحد:
تشدد الدول الغربية في كل تقاريرها وتصريحاتها - للضغط على الخرطوم - على "المأساة الإنسانية" في دارفور, والتي تبالغ فيها الولايات المتحدة إلى حد تسميتها بـ"الإبادة الجماعية", وتحاول واشنطن في مشهد هزلي أن تخفي يديها التي تقطر الدم المسلم في أفغانستان والعراق، وتخفي أطماعها في ثروات المسلمينº لتبدو على هيئة فاعل الخير الذي يهتم لأرواح مسلمي دارفور - نحو 99% من سكان الإقليم -، ويبكي لأحوالهم.
وبدورهº لا يخفي اللوبي الصهيوني جهداً في إقناع العالم الغربي أنّ ما تشهده دارفور هي معركة عنصرية بين العرب والأفارقة - رغم أن جميعهم مسلمون -، وأن القبائل العربية تقتل وتغتصب القبائل الإفريقية, وهو ما أشار إليه وزير الدفاع السوداني الفريق أول "عبد الرحيم محمد حسين" حين قال في تصريحات يوم (19/4/2007): إن هناك 23 منظمة يهودية مشبوهة تقوم باستغلال الإعلام للنيل من الوضع في دارفور والسودان بشكل عام.
وحتى تكتمل الصورة القاتمة التي يروجها الغربº فإنه يظهر مآسي دارفور، وهي تتم بدعم من الحكومة السودانية, وهو ما سار على دربه تقرير الأمم المتحدة الذي تم تسريبه قبل أربعة أيام, والذي يتهم الحكومة السودانية بنقل أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة إلى إقليم دارفور، منتهكةً بذلك قرارات مجلس الأمن الدولي.
كما ادعى التقرير - الذي اعتبرته الخرطوم مختلقاً ومغرضاً - أنّ السودان قام بطلاء طائرات عسكرية بلون أبيض مع وضع علامة الأمم المتحدة عليها لاستخدامها في نقل أسلحة ثقيلة إلى إقليم دارفور، وإذا كانت ذريعة امتلاك بغداد أسلحة الدمار الشامل التي روّجتها واشنطن لغزو العراق وجدت صدى لدى الغربº فإن اللعب على وتر "المآسي الإنسانية" وجد صدى أكبر لدى الشعوب الغربية قبل ساستها, حتى إن التقارير تشير إلى أنه "لا توجد قضية تشهد اتفاقاً بين الأمريكيين سواء كانوا مسئولين حكوميين أو ساسة معارضين، وسواء كانوا ناشطين حقوقيين أو رجال دينº كما تشهد قضية دارفور"º بسبب التركيز الإعلامي المكثف على الجانب الإنساني.
ثروات دارفور والأطماع الجلية:
ولم يعد خافياً أنّ الغرب الذي لم يأبه يوماً بالمجازر والمذابح حين يكون ضحاياها من المسلمين لن يقف اليوم بصدق ليذرف عليهم الدمع, فمصالح الغرب - الذي تقوده الصهيونية العالمية - هي المحرك الرئيس لضغوطه بشأن دارفور، ولولا الأطماع في ثروات يمتلكها هذا الإقليم من نفط ومعادن متعددة, إضافة إلى ما هو أكثر إثارة للطمع وهو "أكبر مخزون من اليورانيوم في العالم" كما أعلن "البشير" في (21/4/2006) لما طُرف للغرب جفن ولو أُبيد جميع سكان السودان وليس دارفور فقط عن بكرة أبيهم.
ويمثل الموقع الاستراتيجي للإقليم بدوره هدفاً خاصاً لدى الكيان الصهيوني على وجه التحديد, إذ يعتبر دارفور - إضافة إلى الجنوب الذي يتأهب للانفصال عن وطنه قبل نهاية عام 2010 بتحريض غربي وصهيوني - مدخلاً إلى الأراضي السودانيةº ما يحقق الهدف الصهيوني الأكبر وهو إيجاد موطئ قدمٍ, على البوابة الجنوبية لمصر، ولعلّ ذلك ما دفع صحيفة "هاآرتس" الصهيونية في عددها ليوم (22/4/2007) إلى أن تحثّ بشدة على الإسراع بدعم الوجود الصهيوني في المناطق الملاصقة لدارفور تحت غطاء المساعدات الإنسانية - وهو نفس أسلوب منظمات التنصير الطامعة في دارفور - لاسيما في المخيمات الرابضة على طول حدود تشاد وإفريقيا الوسطى مع السودان، وقالت الصحيفة: إنه "جدير أن تمدّ إسرائيل المساعدات الفورية سواء بتمويل منظمات غير حكومية أم بشكلٍ, مباشر للاجئين والنازحين الذين وجدوا لهم ملجأ في تشاد", و"محظور أن يختفي مكان إسرائيل من صف الدول التي تقدم المساعدات"، إن "إسرائيل لا يمكنها أن تقف جانباً مكتوفة الأيدي أمام معاناة لاجئي درافور!!".
العرب ومصير السودان:
إنّ الخطر المحدق بالسودان والذي ستكون له تبعاته السلبية والخطيرة على الدول العربية ومصر بشكل خاص يجب أن يدفع باتجاه مزيد من التحركات الواعية من العرب، وإذا كانت مصر قد كثّفت من خطواتها الدبلوماسية مؤخراً, كما زادت المملكة العربية السعودية من اتصالاتها بالمؤسسات الدولية ذات الصلةº فإن الأمل المرجو أن يتصاعد السعي العربي والإسلاميº لدرأ هذا الخطر المحدق بالسودان المسلم الذي يحتاج إلى دعم قوي ليصمد أمام طوفان الضغوط الغربية, وحتى لا ينتهي الأمر إلى كارثة جديدة تزداد معها الدول الإسلامية المحتلة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد