بسم الله الرحمن الرحيم
على السكون الغريب الذي ساد فجأة أفاقت هدى من نومها، وعبر الضوء المتسلل من خصاص النافذة بدت الساعة تشير إلى التاسعة. استغربت هدوء الحركة حولها في مثل هذه الساعة من النهار.. استرابت في الأمر، فنهضت إلى النافذة لتزيح الستارة المسدلة وتتطلع إلى الشارع من تحتها. لثوان تخيلت أنها لا زالت في أحلامها.. كررت النظر مرة أخرى إلى الشارع الذي اكتسى بحمرة الوردº وقد وقف الناس على جانبيه وكأنهم التماثيل لا تند من أحدهم حركة. ساورها خوف مبهم لم يفارقها منذ زمن جالت بناظريها في أرجاء غرفتها لتتوقف عيناها عند التاريخ لذلك اليوم، وقد حلت الأحجية واستبان لها ما كان غامضاً، فقد أشار إلى (الحادي عشر من سبتمبر لعام 2002م للميلاد)، همست وهي تعيد النظر إلى مراسم الحداد:
«لتجري دموعكم جداولº أما أنا فدموعي أنهر تغذي بحورا».
«حزنكم المصطنع واساكم فيه كل قلم ولسانº أما أنا فتواسيني آهاتي وتعزيني وحدتي وآلامي».
«لكم ذنب جنيتموه، أما أنا وهو فذنبنا أننا مسلمون».
جرت دموعها على وجنتيها لتبلل حجرها. تواردت الذكريات لذهنها وما كانت لتبرحه قطº فقبل عشرة أشهر وبعد الأحداث المرعبة بشهرين أفاقت وزوجها من نومهما على طرق شديد للباب، وقبل أن يصل زوجها ليفتحه اقتحمته فرقة من المباحث الفيدرالية لينقضوا على زوجها فيقيدوه ثم يبعثروا شقتهما الصغيرة وسط ذهولها وزوجها، ثم يخرجوا دون أن يقدموا أي تفسير، وقد أحاطوا بأحمد زوجها المسالم الذي لا يعرف سوى كليته وبيته والمسجد. أحمد تزوجها قبل عامين ثم قدما إلى هنا ليكمل دراسته ولتكون له عوناً وسنداً ومثبتاً على دين الله، ومنذ الصالح لنلتقي في جنة عرضها الأرض والسماء».
ومنذ ذلك اليوم وهي تعيش بذكراه، وتمني طرفها برؤياه، وتنتظر فرجاً يأتي به الله. ألقت بنفسها على فراشها وصورة أحمد مقيداً تتمثل لعينيها وتهيج أحزانها فتبلل وسادتها بدموعها، أخذتها سنة من النوم لا تدري أطالت أم قصرت؟ لكنها أفاقت منها على صوت قرع للباب تذكره جيداً. حاولت النهوض من فراشها فلم تستطع. شعرت بوهن يكبل أعضاءها وخوف وهلع يلفانها، وتعالى طنين حاد بأذنيها ثم هوت في غيبوبة عميقة.
بدأ إحساسها بالحياة يعود إليها رويداً رويداً، لم تستطع مع الظلام أن تتبين ما حولهاº لكن صلابة الأرض وبرودتها أنبأتها أنها ليست على فراشها، فجأة قفزت إلى ذهنها أحداث ذلك الصباح المريع، استوت جالسة تحاول بناظريها أن تخرق حجب الظلام حولها، وقد استولى عليها رعب طاغٍ,. مدت يديها يميناً ويساراً فاصطدمت بالقضبان، وكقطرة غيث في صحراء مجدبة تناهت إلى سمعها همسة ميزتها أذناها: «هدى!"هتفت بقلبها قبل لسانها: «أحمد!». وبرغم الظلام استطاعت أن تلمح ابتسامة تضيء وجهه.. مدت يديها من خلال القضبان لتلتقيا بيديه، وقد عبرت الدموع عن المشاعر، عندها فقط تجلى البدر من نافذة الزنزانة ليكشف أستار الظلام، ويضيء لهما الطريق نحو النصر والعزة بإذن الله.
قدومهما لم يشاهد في غير هذه الأماكن الثلاثة. أما الآن فلا يعلم أحد أين ذهبوا به إلا الله. تذكرت كلماته قبل أن يخرجوا به:
«إن لم يُكتب لنا اللقاء في الدنيا فعاهديني على العمل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد