بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال الله تعالى: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" .
قال الإمامُ ابنُ قيِّم الجَوزيَّة رحمهُ اللهُ معلقًا على هذه الآية الكريمة:
"فإنَّ العبدَ إذا علِم أن المكروهَ قد يأتي بالمحبوبِ، والمحبوبَ قد يأتي بالمكروهِ؛ لم يأمَنْ أن تُوافيَهُ المَضرَّةُ مِن جانبِ المَسرَّةِ، ولم يَيأسْ أن تأتيَه المسرَّةُ مِن جانبِ المَضرَّةِ؛ لعدمِ عِلمهِ بالعواقِب؛ فإن اللهَ يعلمُ منها ما لا يعلمُه عبدُه،
ومِن أسرارِ هذه الآيةِ: أنَّها تقتضي مِن العبدِ التَّفويضَ إلى مَن يَعلمُ عواقبَ الأُمور، والرِّضا بما يَختارُه له ويَقضيهِ له؛ لما يَرجو فيه مِن حُسنِ العاقبةِ.
ومِنها: أنَّه لا يقترحُ على ربِّه، ولا يَختارُ عليه، ولا يسألُه ما ليس له به عِلمٌ؛ فلعلَّ مضرَّتَه وهلاكَه فيه وهو لا يعلمُ! فلا يختارُ على ربِّه شيئًا؛ بل يسألُه حُسنَ الاختيارِ له، وأَن يُرَضِّيَه بما يختارُه؛ فلا أنفعَ له مِن ذلك.
ومنها: أنه إذا فوَّض إلى ربِّه، ورضِيَ بما يختارُه له؛ أمدَّهُ فيما يختارهُ له بالقُوَّةِ عليه والعزيمةِ والصَّبرِ، وصرَفَ عنه الآفاتِ التي هي عُرضَةُ اختِيارِ العبدِ لنفسِه، وأَراهُ مِن حُسنِ عواقبِ اختِيارِه له ما لم يكنْ لِيصلَ إلى بعضِه بما يختارُه هو لنفسِه.
ومِنها: أنَّه يُريحُه مِن الأفكارِ المُتعِبةِ في أنواعِ الاختِياراتِ، ويُفرِّغُ قلبَه من التَّقديراتِ والتَّدبيراتِ التي يصعدُ منها في عَقَبةٍ وينزِلُ في أُخرى، ومع هذا: فلا خُروجَ له عمَّا قُدِّر عليه، فلو رَضِيَ باختِيارِ الله؛ أصابَه القدَرُ وهو محمودٌ مشكورٌ ملطوفٌ به فيه، وإلا: جرَى عليه القَدَرُ وهو مذمومٌ غيرُ ملطوفٍ به فيه؛ لأنَّه مع اختِيارِه لنفسهِ.
ومتى صحَّ تفويضُه ورِضاهُ؛ اكتنفَهُ في المقدورِ العطفُ عليه، واللُّطفُ به؛ فيصيرُ بين عطفِه ولُطفِه، فعطفُهُ يَقيهِ ما يَحذَرُه، ولُطفُه يُهوِّن عليه ما قدَّرَهُ".
قلتُ:
الحياة هذه دروس وخبرات متراكمة، والمحظوظ الذي يخرج بدروس وخبرات بأقل الخسائر في دينه وعرضه وأخلاقه.
ففي الحياة يمر الإنسان بتجارب عديدة ومختلفة، يحب أشيئًا وأشخاصًا ويتمنى أن يكون قد حصل عليها أو يكون بقربهم ونال حبهم، ولما لم يحصل ذلك له حزن كثيرًا وعظيمًا، وأحبطت نفسه وانكسرت روحه، وظن أنه قد فاته الخير كله، لكن بعد مدة زمنية قد تطول وقد تقصر، انكشف له الخير العظيم الذي ترتب على عدم حصوله على ما كان يحبه ويتمنى قربه، وظهر له بجلاء أن ذلك كان شرًا له، فحمد الله وشكره أنه اختار له الخير ودفع عنه الشر.
والمؤمن دائمًا يتذكر هذه الآية العظيمة، "وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".
بالفعل هي حقيقة عظيمة، الله يعلم ونحن لا نعلم، نحن نتمنى الشيء الذي قد يكون فيه هلاكنا، ونكره الشيء الذي قد يكون فيه نجاتنا وخيرنا وفلاحنا.
وفقكم الله لكل خير وكتبه لكم أينما توجهتم، وقربكم من كل خير وفلاح وأبعدكم من كل شر وهلاك، وبصركم بعاقبة أموركم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد