بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} ..
أيُّهَا المُسلِمُونَ الكرام: كُلَّمَا امتَلأَ قَلبُ العَبدِ إِيمَانًا بِرَبِّهِ، وَتَعظِيمًا لِشَرعِهِ، وَوُقُوفًا عِندَ حُدُودِهِ، وَامتِثَالًا لأَوامرِهِ، وَاجتنابًا لِنَواهيِهِ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ أعظمُ مَا يَستَفِيدُهُ مِنَ طاعَاتِه وعِبَادَاتِه .. وَكُلَّمَا كَانَ يَخبِطُ في حَيَاتِهِ خَبطَ عَشوَاءَ، فَلا يَأتي مِنَ الأَمرِ إِلاَّ مَا تشتَهَته نَفسُهُ، وما يوافقُ هواه، وَلا يتركُ مِنَ المحرماتِ إِلاَّ مَا لا رغبةَ لَه فِيهِ، وَلا يَفِي من حقوق الناسِ إلا بقدر ما يحققُ مصلحته .. فَتِلكَ هِيَ مَسَاحَةُ نَقصِ الإِيمَانِ والتَّقوى لَدَيهِ، وَعَلامَةٌ على عَدَمِ انتِفَاعِهِ بعباداته عياذًا بالله، إِذْ أنَّ مِنَ المُتَقَرِّرِ شَرعًا وَعَقلًا، وما أكدتهُ تجاربُ الصَّالحين، أَنَّ لِلعِبَادَةِ الخَالِصَةِ أَثَرٌ حَمِيدٌ عَلَى صَاحِبِهَا، في سُلُوكِهِ وَتَعَامُلِهِ، وَفي خُلُقِهِ وَأَدَبِهِ، فَلا تَكَادُ تَجِدُ مُسلمًا حريصًا عَلَى أداء الفرائضِ والعبادات، كما يريدُ اللهُ منهُ، إِلاَّ وَتجدهُ صَادِقٌ في قَولِهِ، وَافٍ بِوَعدِهِ، محافظٌ عَلَى عَهدِهِ، مُستديمٌ على وِدِّهِ، بَارٌّ بوَالِدَيهِ، وَاصِلٌ لِرَحِمِهِ، حسنُ الخلق، لَيِّنُ التَّعَامُلِ، مَرضِيُّ السَّيرَةِ، مَحمُودُ الطَّرِيقَةِ، هَيِّنٌ في قَضَائِهِ وَاقتِضَائِهِ، سَمحٌ في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ .. فَحَذَارِ يا عِبَادَ اللهِ وَقَد وَدَّعنَا رَمَضَانَ، أَن يكون ذلكَ هُوَ آخِرَ العَهدِ بِأَثَرِ الشَّهرِ الحَمِيدِ، لَقَد فعلنا ما فعلناه طَاعَةً للهِ، وامتِثَالًا لأَمرِهِ، وَتركنا ما تَرَكنَاهَ وُقُوفًا عِندَ حُدُودِهِ، فَلْيَكُنْ هَذَا هُوَ شَأنَنَا في سَائِرِ أزَمَانِنَا، وَلْيَكُنْ ذلك هُوَ دَيدَنَنَا طوال حياتِنَا .. لِنَصُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ ورسوله في كُلِّ حِينٍ، وَلْنَحفَظْ لأَصحَابِ الحُقُوقِ حُقُوقَهُم في كُلِّ حَالٍ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ رَبَّ الشُّهُورِ وَاحِدٌ، وَهُوَ لأَعمَالِنَا رَقِيبٌ مُشَاهِدٌ، وَالكِرَامُ الكَاتِبُونَ مَعَنَا عَلَى الدَّوَامِ، يَحفَظُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ، وَالحَيَاةُ رِحلَةٌ قَصِيرَةٌ مَحدُودَةٌ، وَالأَيَّامُ فِيهَا قَلِيلَةٌ مَعدُودَةٌ، وَنَحنُ عَن هَذِهِ الدُّنيَا عمَّا قليلٍ رَاحِلُونَ، وَعَلَى اللهِ عَمَّا قَرِيبٍ وافدونَ، وَبَينَ يَدَيهِ تعالى مَوقُوفُونَ، وَعَلَى كلِّ مَا عَمِلنَاهُ مُحَاسَبُونَ وَمُساءلُونَ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} ..
أَجَل أَيُّهَا المباركونَ، إِنَّ سائرَ العِبَادَاتِ مِن صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحوِهَا، لم تُشرَعْ لِتَكُونَ تَكلِيفًا يُرهق جَسَدَ المسلم، وَلا جِبَايَةً لِمَالِهِ، وَلا إِبعَادًا لَهُ عَن زوجتهِ، دُونَ أَن يَكُونَ لِكُلٍّ عبادةٍ مِنهَا مَعنًى سَامٍ، وَأَثَرٌ مَحمُودٌ في حَيَاتِهِ وَسُلُوكِهِ، وأخلاقهِ وتعامُله، فللصَّلاةِ أَثَرٌ عظيمٌ أَوسَعُ مِن أَن يُحصَرَ في تلك الحركات والأقوال المخصوصة التي تُؤَدَّى في المَسجِدِ، وللصِّيَامِ ثَمَرَاتٌ مباركةٌ أَعظمُ مِن مسألةِ الإمساكِ عن الطعامِ والشرابِ لساعاتٍ محدَّدةٍ، وَلِلزَّكَاةٍ مَعَانٍ جليلةٍ تَتَجَاوَزُ أَخذَ نِسبَةٍ ضَئِيلَةٍ مِن مَالِ الغَنِيّ وَإعَطائها للِفَقِير، وَلِلحَجِّ لتلك الأودية القاحِلةِ مَعَانِيٍ وأسرارٍ تَفُوقُ أَيَّ سِيَاحَةٍ لأجملِ مناطق الدنيا، وَأَنتُم تَقرَؤُونَ قَولَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ}، وَقَولَ الحقِّ جَلَّ وَعَلا: {خُذْ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتَزكِيهِم بِهَا}، وَقَولَهُ تَعَالى: {الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ يَعلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى}، وَقَولَهُ جَلَّ وَعَلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ}، وَقَولَ النَّبيِّ ﷺ: " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهلَ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ "، والحَدِيثِ في البُخَارِيِّ ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، من المعلوم الذي لا يخفى: أنَّ الدِّينَ مَنهَجٌ شَامِلٌ لجميع مناحي الحَيَاة، وأنَّ المسلمَ محكومٌ بالدين في كل أحواله، وفي كل أحيانه، وبالتالي فلا انفَصالَ بَينَ الدِّينِ وَالدُّنيَا، وَلا بَينَ حَيَاةِ العَبدِ في المَسجِدِ وَبين حَيَاتِهِ في بَيتِهِ أَو في سُوقِهِ أَو في عَمَلِهِ، وَلا فرق بَينَ أَيَّامِهِ في رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَبين أَيَّامِهِ في سَائِرِ العَامِ وَهُوَ مُفطِرٌ، إِذِ المُسلِمُ هُوَ المُسلِمُ في كُلِّ مَكَانٍ وَفي كُلِّ حِينٍ وَفي كُلِّ حال، هُوَ اليَومَ كَمَا هُوَ أَمسِ، وَهُوَ في غَدٍ كَمَا هُوَ عَلَيهِ اليَومَ، سواءٌ أَحدثَ في العَالَمِ تَغَيُّرٌ سَرِيعٌ، أَو حصلَ فِيهِ اضطرابٌ كبير، أَو مرَّت بِه آفَاتٌ أثرت به مِن شَرقِهِ إِلى غَربِهِ، أَو اكتَسِحتهُ فِتَنٌ فماج مِن شِمَالِهِ إِلى جَنُوبِهِ، أَو اجتَمعت فِيهِ المُتَنَاقِضَاتُ أَو تَآلَفت فيه المُتَنَافِرَاتُ، أُو اختَلِطت المُرَغِّبَاتُ بالمُرَهِّبَات، أو تكاثرت عليه الشبهات والشهوات، أو انحرف المستَقِيمُونَ، أو تَفَلَّت المتمَسِّكُونَ، أو تَرَاجَع المتَقَدِّمُونَ، أو فتُرَ المجتَهِدُونَ، أو غير ذلك من أسباب التغير والانحراف .. وما ذلك إِلاَّ لأَنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ يَعلَمُ أَنَّهُ يَعبُدُ رَبًّا وَاحِدًا لا شريك له، وَيَسِيرُ إِلى هَدَفٍ وَاحِدٍ لا يحيد عنه، ويحتكمُ إلى دستورٍ واحدًا معصوم، لا يجدُ في نفسه حرجٌ من الاستقامةِ عليه، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ مُستَسلِمٌ للهِ، مُنقَادٌ لِمَولاهُ، مخلصٌ لَهُ في الطاعة والعبادة، مُستقيمٌ لا يروغ، صادقٌ لا يتلون، ثابتٌ لا يَتَغَيَّرُ، لا يغترُ بشبهةٍ؛ ولا ينجرُ لشهوة، لأَنَّهُ لا يُرِيدُ إِلاَّ مَا عِندَ اللهِ، وَاللهُ تَعَالى بَاقٍ لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ ولا يتغير، تأمَّل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .. ويقول جلَّ وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَلِمَ الموفقونَ من عباد الله أَنَّ رَأسِ المَالِ في هَذِهِ الحَيَاةِ هُوَ الدِّينُ، وَأَنَّه قَد بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَأَنَّه كَانَ لَهُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ فتراتٌ تطولُ وتقصرُ، يُبتلى فيها أَتبَاعَهُ بالضَعف وَالفُتُور وَالتَرَاجُعِ وَالقُصُور، وَيَكثُرُ فِيهِمُ الانصِرَافُ، وَيَشتدُّ بهم الانحِرَافُ، ثم لا يَلبَثُ أَن يَعُودَ قَوِيًّا فَتِيًّا، تَتَوَقَّدُ جَذوَتُهُ في القُلُوبِ، وَيَصحُو النَّاسُ فِيهِ بَعدَ غَفوَةٍ، وَيَنتَبِهُونَ بَعدَ رَقدَةٍ، وَيَستَقِيمُونَ عَلَيهِ بَعدَ اعوِجَاجٍ، بَل وحَتَّى في أَوقَاتُ الغُربَةِ الشديدة، لا تَخلُو تلك الفترات العصيبة مِن رِجَالٍ رجال، صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ، فَهُم صَابِرُونَ مُصَابِرُونَ، ثَابِتُونَ مُرَابِطُونَ، صَاحِبُ الصَّلاةِ مِنهُم في مَسجِدِهِ، وَمُحِبُّ العِلمِ في مكتبتهِ، وَعَاشِقُ الدَّعوَةِ في مَيدَانِهِ، وَمَمدُودُ اليَدِ بِالعَطَاءِ وَالإِحسَانِ يداوم عَلَى عَطَائِهِ وَإِحسَانِهِ، وَحَسَنُ الأَخلاقِ صابرٌ عَلَى طِيبِ تَعَامُلِهِ وَمَحمُودِ طِبَاعِهِ، مُكتَفِينَ بِأَنَّهُم في نِعمَةٍ لَيسَت كَالنِّعَمِ، وَأَنَّهُّم مَوعُودُونَ بِأَوفَى الجَزَاءِ وَأَعظَمِهِ، كما قَالَ قدوتهم ﷺ: "بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلغُرَبَاءِ" والحديث في مُسلِم .. وفي روايةٍ صحيحة، قيل يا رسولَ اللهِ: مَن الغرباءُ؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناسُ ..
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} ..
اعملوا يا عباد الله أن في استدامة الطاعة وامتداد زمانها نعيمٌ للصالحين، وقرةُ عينٍ للمؤمنين، يستثمرون بها الزمان، ويثقِّلون بها الميزان، ويتقربون بها من الملك الدَّيان، وفي مداومة المسلم على الطاعة دليلٌ على التوفيق، ففي الحديث: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله".. ورمضان إنما هو مدرسة، صقلَ القلوبَ، وأيقظَ الضمائرَ، وطهّرَ النفوسَ .. ومن ثمَّ فإن ما اكتسبته النفوس في رمضان، ينبغي أن يكونَ حافزًا للاستمرار والزيادة، لا أن يكونَ مدعاةً للتقاعس والكسل، ومن وفقهُ الله فاستفادَ من رمضان فإنَّ حالهُ بعد رمضان سيكونُ خيرًا له من حاله قبلَ رمضان .. ومن ذاقَ حلاوةَ الصيامِ في رمضان، فليعلم أنَّ البابَ مفتوحٌ للمواصلة بعد رمضان، فقد سنَّ لنا رسول الله ﷺ صيام ستَ أيامٍ من شوال، وصيامَ الأيامِ البيض من كل شهر، وصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع .. وكذلك فمن استشعر حلاوة المناجاة في صلاته وسجوده في رمضان، وأبصر الأثر الجميل في الدعاء والمناجاة .. فليعلم أن له ربًا عظيمًا قريبًا يجيبُ دعوة الداعي إذا دعاه، وينزلُ في الثلث الأخير من كل ليلة نزولًا يليقُ بجلاله فينادي عباده هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له .. بل وينادي عباده في كل وقت: (ادعوني أستجب لكم)، بل وجاء في الحديث الصحيح: "ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، فقال رجل من القوم: إذا نكثر؟ قال: "الله أكثر" .. وكذلك يا عباد الله من تعطر فمه بتلاوة كلام ربه وأمضى الساعات الطويلة خلال رمضان يتلو كتابه .. فليكن له وردٌ يومي من القرآن الكريم، فقد كان هذا هو هدي السلف رحمهم الله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} .. وكذلك من حافظ على صلاة التراويح والقيام طوال رمضان فليواصل ولو بثلاث ركعات، فالحق تبارك وتعالى يقول: {وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}، والمصطفى ﷺ يقول: "أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكرُ الله في تلك الساعة فكن" ..
وفي بذل المال أجرٌ وطهرٌ وسعةٌ في الرزق، ووعدٌ من الكريم سبحانه بعوضٍ مُضاعفٍ، فلنستمر في هذا العمل الجليل ولو بأقل القليل، تأمل: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}، {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ..
فاجعل أخيّ المبارك من نسمات رمضان المشرقة، ونفحاته المباركة، مفتاحَ خيرٍ لسائر العام، ومنهجَ حياةٍ على الدوام، فاحبُّ الاعمالِ إلى الله أدومُها وإن قلَّ .. أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد