أخلاق أهل القرآن


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فإن القرآن الكريم يرشد إلى أسمى الأخلاق وأفضل الصفات، حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم: }إِنَّ هَذَا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا{(الإسراء: 9).

ينبغي للإنسان أن يتقي الله في السر والعلن، وأن يتحلى بالورع في مطعمه ومشربه ومكسبه. ويجب أن يكون فطنًا لزمانه وفساد أهله، حذرًا على دينه، منهمكًا في إصلاح نفسه، محافظًا على لسانه، مدققًا في كلامه؛ فإن تكلم، تكلم بعلم إذا رأى الكلام صوابًا، وإن سكت، سكت بعلم إذا كان السكوت صوابًا، قلّ الخوض فيما لا يعنيه. يخشى من لسانه أكثر مما يخشى من عدوه، فيحبس لسانه كما يحبس عدوه ليأمن شره وسوء عاقبته؛ يقلل من الضحك الذي يضحك منه الناس لسوء عاقبة الضحك، وإذا سر بشيء يوافق الحق تبسم. يكره المزاح خوفًا من اللعب، فإن مزح قال حقًا، لطيف الكلام وبشوش الوجه، لا يمدح نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه. يحذر من نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يغضب مولاه، ولا يغتاب أحدًا ولا يحتقر أحدًا، ولا يشمت بمصيبة، ولا يظلم أحدًا، ولا يحسده، ولا يسيء الظن بأحد إلا بمن يستحق.

الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم:

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يتمتع بأخلاق عظيمة تُجسد القرآن الكريم، حيث روي بإسنادٍ ضعيف عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها عن خُلقِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالت: "كان خُلقُهُ القُرآنَ؛ يَرضى لرِضاهُ، ويَسخَطُ لسَخَطِهِ".

الأخلاق المحمودة والمذمومة:

كل خلق كان في النبي صلى الله عليه وسلم فهو خلق حامل القرآن، وكل خلق ذمه النبي صلى الله عليه وسلم وتركه، فهو خلق الجافي عن القرآن الذي وإن حفظ بعض آياته، إلا أنه ليس من أهله. فخلق النبي صلى الله عليه وسلم كان القرآن، وإذا أراد الإنسان أن يفسر القرآن فعليه أن يتأمل في سيرة النبي وسنته.

روى ابن ماجة (215) وأحمد (11870) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ:"هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ" وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجة).

تفسير القرآن والسنة:

لما قال الله جل وعلا في صفات المؤمنين: }يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ{(البقرة: 121)، فسّر مجاهد بن جبر هذه الآية بأنهم يعملون به حق العمل. إذًا من أعظم صفات المؤمنين هو العمل بالقرآن في كل جوانب حياتهم، سواء في عباداتهم مع الله سبحانه وتعالى أو تعاملهم مع خلق الله.

صفات حامل القرآن:

روى أبو مسعود رضي الله عنه أن حامل القرآن يجب أن يُعرف بليله إذا كان الناس نائمين، وأن يُعرف بصومه إذا كان الناس مفطرين، وبصمته إذا كان الناس يخوضون في الحديث، وبورعه إذا كان الناس يخلطون بين الحلال والحرام، وبالتواضع إذا كان الناس يختارون. هذه الصفات تعكس مدى تعمق حامل القرآن في تدبره والعمل به.

تطبيق الأخلاق القرآنية في الحياة اليومية:

سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان مثالًا حيًا لتطبيق القرآن في حياته اليومية، سواء في بيته أو خارجه. ففي الحديث سُئِلَتْ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعمَلُ في بَيتِه؟ قالَتْ: "كان بَشَرًا مِن البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوبَه، ويَحلُبُ شاتَه، ويَخدُمُ نَفْسَه".

مراجعة النفس ومحاسبتها:

من الأهمية بمكان أن يزن المسلم نفسه وأعماله بميزان القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم. فإن وجد توافقًا بين أعماله وبين تعاليم القرآن، فليحمد الله وليطلب المزيد من الهداية. وإن وجد تعارضًا فعليه أن يراجع نفسه ويحاسبها، فقد قال الحسن البصري رحمه الله: *رحم الله عبدًا عرض نفسه وعمله على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله وسنة رسوله حمد الله وسأله الزيادة، وإن خالف عاتب نفسه*.

التحذير من الابتعاد عن القرآن:

كلما ابتعد الناس عن زمن النبوة وطال الأمد، كلما زاد عدد الذين يقرؤون القرآن دون أن يكونوا من أهله الحقيقيين، الذين يعملون به ويسعون لرضا الله. لذلك يجب على المسلم أن يكون واعيًا بهذا التحدي وأن يسعى دائمًا للتمسك بأخلاق القرآن وتطبيقه في حياته اليومية.

ويجب على المسلم أن يحافظ على جميع جوارحه مما نهي عنه، ويسعى جاهدًا ليكون الناس في أمان من لسانه ويده. لا يظلم أحدًا، وإن ظلم عفا، ولا يبغي على أحد، وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربه ويغيظ عدوه. ويجب أن يكون متواضعًا، يقبل الحق من الصغير والكبير، يطلب الرفعة من الله تعالى لا من المخلوقين.

كما يجب عليه أن يتخذ من النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في أخلاقه وتعاملاته، وأن يسعى لتحقيق الأخلاق القرآنية في كل جوانب حياته، حتى يكون من أهل القرآن الحقيقيين.

ومن كان له ورد يومي من القرآن، فتركه لعذر من سفر أو مرض ونحوه لم يضره ذلك؛ لما رواه البخاري عن أبي مُوسَى رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا".

فلا ينبغي لمن أراد أن يكون من أهل القرآن أن يترك تلاوته يومًا لغير عذر، فصاحب القرآن لا يغفل عنه ولا ينشغل عنه أبدًا.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply