حقيقة الخوف بين الدين والدنيا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إن الخوف قد نشأ عليه كل من وُلد في هذه الحياة؛ فهو في صدور الرجال مُعلّق، وفي قلوب النساء يُحلّق. فيكون أحيانًا أقرب للقوة، وأحيانًا أقرب للضُعف، وقد يُوَلِّد منه الجبن أو الشجاعة. فالخوف بعمومه هو فطرة في الإنسان مثل الحُب والكره والحسد والغيرة... إلخ.

وأما الخوف بخصوصه، فهو يتنوع من شخص لآخر حسب الظروف المحيطة به. فالخوف ينقسم إلى قسمين: قسمٌ متعلق بأمور الدنيا، وقسم متعلق بأمور الآخرة.

أما عن الأمور المتعلقة بالآخرة، فأولها الخوف من عذاب الله وعقابه، والخوف من غضبه وناره، والخوف من الموت وعذاب القبر وفتنة الملكين فيه. فهذا الخوف يجعل من المسلم عبدًا تائبًا إلى الله عز وجل، ويزيد في طاعته لربه سبحانه وتعالى، فيكون هذا الخوف قوة في إيمانه وزيادة في إحسانه وتجديدًا في إخلاصه. ومن ثمار هذا الخوف هو استشعار رقابة الله عز وجل له في كل وقت، والسعي دائمًا للتوبة والهداية، ودعاء الله بالثبات عليهما. كذلك من ثماره الإصلاح، أي إصلاح النفس وصلاح الحال، ولا يكون هذا إلا من باب الاعتذار وإعادة حقوق الناس إن كان هو المخطئ، وهذا هو باب الفلاح وعين النجاة.

وأما عن الخوف المتعلق بأمور الدنيا، فهي كثيرة، ومنها: الخوف من الفقر والمرض، أو الخوف من العدو والحرب، أو الخوف من العين والحسد، أو الخوف من السحر والجن، أو الخوف من الخسارة والبطالة، أو الخوف من الإنس والمواجهة، أو الخوف من المسؤولية والارتفاع، أو الخوف من قول الحق وتبادل الرأي... إلخ. وهناك نوع من الخوف متعلق بالعقدة، وهو مرض نفسي لا غير، مثل من يخاف من الوحدة والعزلة، أو يخاف من الظلام والهدوء... إلخ.

وهناك نوع من الخوف طبيعي، مثل الخوف من الزلزال والرعود، أو الخوف من الكلاب وبعض الحشرات، أو الخوف من الجرذان والزواحف... إلخ. ومراتب هذا الخوف متغايرة من شخص لآخر؛ فهناك من له خوف شديد حتى يحمرَّ وجهه وتدمع عينه، وهناك من لا تظهر علاماته في وجوه أصحابه سوى من بعض دقات القلب التي تزداد بقوة، وهناك من يُصاب بالفشل والرعاش والهلع، وهكذا... فلا يستطيع بعد ذلك المقاومة. فالخوف إما أن يكون إيجابيًا أو ينعكس سلبيًا على صاحبه. أما الإيجابي، فهو مثل السائق عندما يُخفض من السرعة خوفًا من الحوادث، فخوفه هذا ما هو إلا باب للوقاية والأمن. أما الخوف السلبي، فهو مثل الخوف من أشياء قد تُرهقه في نفسه فتزيده غليانًا وحزنًا.

فالخوف في الدنيا له ثلاث تفسيرات: فإما أنه نتيجة ضُعف الشخصية، أو انعدام الثقة، أو أنه مرضٌ يجب أن يُعالج، إما بالرقية الشرعية، أو عند طبيب نفساني، أو بالرياضة وبعض الأعشاب الطبيعية أو الحجامة... إلخ. فالعلاج يكون حسب نوع هذا الخوف بعد التشخيص له. أما عن الخوف عند النساء، فهو أن تخاف المرأة من بقائها دون زواج، ثم بعد زواجها ينتقل خوفها إلى زواج زوجها خفية عليها.

فلا أحد سلِم من الخوف؛ فأكثر الناس يتظاهرون بالشجاعة من أجل كسر الخوف بداخلهم، وهذا أمر مشهود ومُجرب اجتماعيًا، ولا يستطيع أحد أن ينفي الخوف عن نفسه مهما حاول.

أما من يخاف من الفقر، فقد تجده لا يُزكي من ماله ولا يتصدق ولا يبتسم في وجوه الفقراء خشية أن يطلبوا منه شيئًا من ماله.

أما الخوف من المرض، فتجده إذا سمع بمريض لا يذهب إليه خشية الإصابة بنفس المرض، وهذا يكون محقًا في حالة واحدة إلا إن كان هذا المرض معديًا.

أما الخوف من العدو، فهو في عدم مواجهته وتركه يأخذ ما يشاء.

أما الخوف من الحرب، فسواء كان من المجاهدين أو القاعدين، فيكون خوفه هو الفِرار والتراجع، وقد صُنف هذا الفعل من الكبائر وهو من السبع الموبقات، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات"، ثم ذكر منهم وقال: "... والتولي يوم الزحف" (متفق عليه). وقال أهل العلم: *معنى الموبقات أي المهلكات*، وهذا في حق من تقدم للجهاد ثم تراجع، ففي تراجعه هذا يُزعزع قوة أصحابه، وهي نوع من الخيانة.

أما عن الخوف من العين والحسد، فهذه نتيجة ضُعف الإيمان في قلبه؛ فتجده إما يضع عجلة سوداء فوق بيته، أو يُعلق تلك اليد التي تحمل رسم العين عليها، اعتقادًا منه أنها تردُ العين والحسد، وهذا من الشرك والله المستعان.

أما عن الخوف من السحر، فتجده لا يأكل طعام أحد إلا طعام أمه أو زوجته، وكل من يراها مصدر الثقة.

أما عن الخوف من الجن، فتجده يتخيل ويتوهم فيصنع شبحًا في عقله، وهذا خطر على حياته إن دام دون توقف.

أما من يخاف من الخسارة، فتجده لا يُقدم الأسباب، سواء كانت في التجارة أو غيرها.

أما من يخاف من البطالة، فتجده يرضى بكل مبلغ قُدم له ولو أقل من جهده، فهناك من يعمل بنصف الأجرة أو ربعها ولا يطلب الزيادة، وهي من حقه.

أما عن الخوف من الإنس، فالإنس هم الناس، أي هذا المجتمع المليء بالبشر في هذا الكون الذي نحن فيه. فهناك من يخاف من قوم دون قوم، وهذا الخوف يكون من شخص إلى أكثر من ذلك، بسبب أو من دون سبب، وهذه لها خصوصيات كثيرة لا يعلمها إلا صاحبها، وأغلبها تتمثل في الظلم والمخدرات والسرقة... إلخ.

أما عن الخوف من المواجهة، فتجده لا يستطيع أن يقول: *هذا حقي في كذا*، وهناك من يخاف أن يطلب حق ميراثه من إخوته؛ فالخوف يكون هو السد المانع للاستطاعة، وإن كان قادرًا عليها. أما عن الخوف من المسؤولية، فتجده يتهرب من الزواج أو تربية الأبناء... إلخ.

أما من يخاف من الارتفاع، فهؤلاء خوفهم له علاقة بالخلعة وبعض اضطرابات الدماء، فخوفه هذا يتكون من آلام الرأس وصداعٍ ودوران... إلخ.

أما الخوف من قول الحق، كمن يخاف أن ينتقم منه المشهود عليه، أو يخاف من السجن أو التوبيخ من أهله... إلخ.

أما عن الخوف من تبادل الرأي، فهو الخوف من الخطأ واستهزاء الناس به أو الضحك عليه بالسخرية منه، فيترك رأيه له دون قوله.

وخلاصة القول: أن لكل خوف علاجًا خاصًا به، مثل المواجهة وجهًا لوجه، والتصدي للضُعف، والتحدي للجُبن، والصبر على الأذى، والإيمان بالله عز وجل، والاستشعار بمعية الله، واليقين بعونه تعالى، والمواظبة على النجاح... إلخ. فالخوف من الله عبادة، والخوف من أمور الدنيا عادة، وقد تكون في حياة المسلم عادة سيئة، فعلى المسلم أن يتجنب هذه العادة قدر الإمكان؛ فالخوف غالبًا يمنع صاحبه من التحسن والتقدم. فالخوف هو الذي يزرع بذور القلق ويمهد الطريق إلى الوسواس. بل إن الخوف من أمور الدنيا هو منبع اليأس أحيانًا، وأحيانًا أخرى يكون منبعًا للاحتراز. أما الخوف من أمور الآخرة فهو منبع الفطنة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply