بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تٌعلمنا سورة الكهف أنّ التّمكين لا بُدّ أن يَمُرّ بكَهفٍ مُظلمٍ، ومرحلةٍ صعبةٍ، ووحدةٍ في الطّريق، بأكتافٍ قليلةٍ، وقلوبٍ معدودةٍ؛ لكنّها صادقة، تواجه باطلًا يَظُنّه الجَمع حَقًّا. لن تُغني عنك الجُموع إن كُنتَ هَشًّا تتبع كَثرة، ضَعيفًا تُسقطه عَثرة، اختبارُك أن تنجو بدينك، ولو هاجَرتَ، وابتَعَدتَ، ورَفَضتَ واقعًا، ورُفِضتَ مجتمعًا، ووجدت ما لا يشبه إيمانك، ولا يُريح وجدانك، فاصبِر عَمَلًا، ولو بوَسط كهفٍ يَمنَع عنك ريحًا عاتية.
ثُمّ لا بُدّ من لقاءِ من لا يُشبِهُكَ قلبًا، ولا يُشاركك دربًا، بل كأنّه لا يراك، ينظُرُ لقُوّته كأنّها منه، ويرىٰ مُلكَه لا يَهرَم عُمرًا ولا يُهزَم جُندًا، تأخذه العِزّة بالإثم، حتّى يقلب الله الموازين، ويثبت الإيمانُ مرّةً أخرىٰ، فتَصير القُوّة خاويةً، يُقلّب صاحبها كَفّيه حين لا ينفع النّدم صاحبه! جَنّة الصَّدر إذا نَضَجت، أثمَرَت جَنّة الأرض تمرًا، ورُطَبًا، وثَمَرًا يُغذّي قلبَ مؤمِنٍّ مُحاول، وإن قَلَّ ما ذَلّ، وانتبه لساعة تَنسب فيها مُلكًا آتاكَ الله إيّاه لِنَفسِك، تُحرَم نَفسَك!
ثُمّ لا بُدّ من مرحلة عِلمٍ وعَمَل، تخترق فيها الجُدُر وتخوض غمار البحر وتَقَلّبات أمواجه، ورسائل تراها، وتنساها، ومعركة شيطانٍ لا يتركك، ثُمّ تُختَبَرُ بعِلمك، وإيمانك، واتّباعك الحَقّ مهما كَلّف الثَّمَن، فيُعَلّمك الله بجدارٍ وسفينةٍ وغلام، حتّى تنظر في التّفاصيل، وتُدرك أنّ العِلم منه وله، وما أوتيت منه إلّا قليلًا، واعلم أنّ سَيرُ الصّادق في سبيل العِلم مَنجاة، كأنّما يُثبّت الله بالحركة قلبه والبحث لُبّه وبالسؤال وجدانه.
ثُمّ تخطو خطوةً نحو قوّةٍ وفتحٍ ومساحةٍ لم تكن تدرك عُشرها لولا الله! يأتيكَ بتمكينٍ ورسوخ لم يسبق لك معه عهد، لكنّه وعد الله بتمكين الصّادقين، يبعث الله في نفوس عباده رحمةً بعد تعب، حتّى يأخذ المحاول بالسّبب، ويذكر مع الحركة والنَّفس، ولا ينسىٰ فضل ربّه، تَتّسع خُطاه على قدر إخلاصه، ويُمَدّ له العطاء بقدر اتّصاله بالسّماء، فيكون فتحًا كما لم تتخيّل، وقوّة كما لم تَرَ سابقًا.
هكذا هي السورة تَقرؤها فتَراكَ في تفاصيلها، تأخُذك آية وتُعيدك أخرىٰ، تُربّيك وتُعلّمك وتؤدّبك، في كُلّ جمعة، وسط فتن الحياة وظُلمة ما فيها، كأنّها رسائل تُحمَلُ لك مرّةً أخرىٰ، فَهَلّا مَدَدتَ للآيات يدك، وقلبك..؟.