حلقة 659: استعمال الجلباب وكشف الشعر بين النساء - هل من تغيير المنكر السكوت وعدم الخوض في الكلام الباطل - الاحتجاب على المرأة حكمه - كلام المرأة مع غير المحارم في وجود الأهل - هل يؤثر مرض الناصور على الحج

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

9 / 50 محاضرة

حلقة 659: استعمال الجلباب وكشف الشعر بين النساء - هل من تغيير المنكر السكوت وعدم الخوض في الكلام الباطل - الاحتجاب على المرأة حكمه - كلام المرأة مع غير المحارم في وجود الأهل - هل يؤثر مرض الناصور على الحج

1-   نرجو الإفادة حول لباس المرأة المسلمة، وما معنى الجلباب، إذ أن هناك بعض النساء في مناسبات الأفراح عندما يدخلن المكان الذي تكون فيه المناسبة يقمن بكشف شعرهن، فهل يجوز هذا، مع العلم بأنه لا يوجد رجال في هذه الأماكن، وماذا عن الغناء والرقص في الأفراح بين النساء؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعــد: فإن استعمال الجلباب أمر مطلوب بين الرجال الأجانب، والجلباب يشبه العباءة، وما أشبه مما تغطي به المرأة بدنها كله، رأسها وبدنها فوق ثيابها، قال الله - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [(59) سورة الأحزاب]. الآية.. وفي الصحيح عن أم عطية - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر النساء بحضور العيد، بحضور صلاة العيد قال بعض النساء : إن إحدانا ليس لها جلباب ، فقال عليه الصلاة والسلام: (لتلبسها أختها من جلبابها). فالمقصود أن الجلباب شيء يستر البدن كله، وهو يشبه العباءة من بعض الوجوه. والواجب على النساء التحجب عن الأجانب ، وعدم إظهار شيء من الزينة لهم، كأخ الزوج ،وزوج الأخت ، وغيره ممن ليس محرماً، ولا بأس بالغناء المعتاد في العرس بين النساء وضرب الدف الذي هو الطار، والدف له وجه واحد يضرب في مناسبة العرس لإعلان النكاح ، وإظهاره ، وقد جاءت السنة في ذلك، وكان يستعمل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا بأس به لإظهار النكاح ، وإعلانه في وقتٍ مناسب من الليل من دون سهر، ولا بأس أيضاً بالرقص ولا حرج في ذلك بين النساء، ولا بأس بالغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ، ولا تزيين للفواحش، ولكنه مدح للزوج أو الزوجة، أو أهل الزوج، أو أهل الزوجة ، ونحو ذلك مما جرت به العادة، كان النساء يغنين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في العرس ، ويضربن بالدف ، ولا حرج في ذلك بشرط أن لا يكون ذلك ليس فيه اختلاط بين الرجال والنساء ، بل يكون خاص بالنساء في ليلة العرس لإظهار النكاح وإعلانه، والله ولي التوفيق. 
 
2-   كيف يكون النهي عن المنكر، وعندما يكون في مجلس يغتاب فيه إنسان هل يكتفى بالسكوت وعدم المشاركة في الحديث، أم يجب عليه ترك هذا المجلس، خصوصاً إذا كان يصعب ترك هذا المكان؟
الواجب على من حضر المنكر من الرجال والنساء أن ينكر المنكر، لقول الله – سبحانه - : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [(71) سورة التوبة]. ويقول سبحانه وتعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [(110) سورة آل عمران]. ويقول عز وجل: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [(104) سورة آل عمران]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطيع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان). رواه مسلم في الصحيح. وهذا يعم الرجال والنساء جميعاً، وإنكار المنكر يقال هذا منكر، هذا لا يجوز، اتق الله يا فلان، اتقوا الله أيها الناس، دعوا هذا، هذا لا يجوز لكم، باللسان إذا كان لا يستطيع باليد، أما إذا كان له قدرة باليد كالحسبة التي أمرت بذلك ، وسمح لها بذلك ، وكالأمير الذي يستطيع ذلك، وكصاحب البيت ينكر على أهل بيته، وعلى أولاده بيده، مثل إراقة الخمر، كسر المزمار، كسر الصورة، هذا إنكار المنكر باليد، إراقة الخمر، تفريق الناس الذين اجتمعوا على باطل، على منكر، يفرقهم ويأمروهم بالتفرق حتى لا يقع المنكر، وإذا كانت غيبة يقال : هذا حرام، ما يجوز لكم أن تغتابوا أخاكم ، ولا أختكم في الله، الغيبة محرمة، الله - سبحانه - يقول: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا [(12) سورة الحجرات]. فإذا حضرت المرأة ، أو الرجل مجلساً فيه غيبة وجب الإنكار مع الاستطاعة، يقال: هذا لا يجوز، هذا حرام، اتقوا الله يا ناس، توبوا إلى الله، ارجعوا إلى الله، دعوا عرض إخوانكم، عرض أخواتكم. وإذا كان لا يستطيع يقوم لا يجلس مع أهل المنكر، يقوم عنهم ، ويغادر المجلس الذي فيه المنكر الذي لا يستطيع تغييره ، فإن استطاع تكلم ، وأنكر المنكر بكلامه ، فإن أجابوا وامتثلوا فالحمد لله، وإلا غادر المكان وابتعد عن محل المنكر، وليس له أن يغير بيده على وجهٍ يحصل فيه فساد ، وما هو أنكر، بل يكون هذا لغيره ممن أذن له بذلك من جهة الدولة ، ومن جهة المسؤولين عن هذا الأمر. أما من لم يؤذن له فإنه ينكر باللسان ويقول: قال الله كذا، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - كذا، إذا كان عنده علم، إذا كان على بصيرة، لا ينكر إلا على بصيرة، أما الجاهل الذي ما يعرف الحكم فلا يتكلم، ولكن ما دام يعلم الحكم الشرعي فينكر بالكلام الطيب ، والأسلوب الحسن ، وإقامة الأدلة ، لعلّ الله يهدي به من فعل المنكر حتى يدع المنكـر. 
 
3-   سمعت أنه يجب على المرأة عدم كشف وجهها أمام الأجانب، هل يعتبر هذا فرضاً أم سنة؟ وهل على من تركت هذا الأمر إثم، وهل تكون تغطية الوجه في جميع الأماكن، ثم إن هناك كثيراً من الظروف تستدعي أن تكشف المرأة وجهها، مثلاً: عند أخذ صورة خاصة بجواز السفر والبطاقة الشخصية، وتكون المرأة مغطاة الوجه ثم تبرز وجهها لأخذ الصورة، وكذلك تبرز جواز السفر أو البطاقة التي تحمل صورتها للرجال للمطابقة؟
الاحتجاب مثل ما تقدم، يجب على المرأة أن تحتجب عن الرجل الأجنبي بنص القرآن الكريم لقول الله – تعالى -: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [(53) سورة الأحزاب]. وهذا عام ما قال إلا الوجه؟ أو الوجه واليدين ، بل عمم - جل وعلا -، وهذا يعم أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم - ويعم غيرهن، والعلة التي بينها الرب - جل وعلا - كله في حاجة إليها ، كل الناس في حاجة إليها : ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن. وهكذا قوله سبحانه في سورة النور:وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ [(31) سورة النــور]. والوجه والكفان من أظهر الزينة ومن أعظم الزينة الخلقية بالنسبة إلى الخلقة ، والكحل والحلي والملابس الجميلة من أعظم الزينة المكتسبة. فالمؤمنة تبتعد عن هذا المنكر ، وتستر نفسها ، وتحتجب ابتعاداً عن الفتنة، وحذراً من أن تفتن غيرها ، أو تفتن هي في ذلك. لكن كشف الوجه للضرورة في المسائل التي ذكرتها السائل عند الحاجة إلى أخذ صورة الوجه، وعند إبراز الصورة للتطبيق إذا دعت الضرورة إلى ذلك فلا حرج في ذلك؛ لأن هذا للضرورة. وهكذا إظهار وجهها للخاطب إذا أراد الخاطب أن ينظر إليها لا بأس أن تكشف وجهها له حتى ينظر إليها ، ينظر إلى وجهها إلى رأسها ، إلى قدمها ، إلى يدها ، لا بأس، النبي - صلى الله عليه وسلم- أذن في هذا، أذن للخاطب أن ينظر فلا حرج في ذلك ؛ لأن هذا من أسباب الوئام بينهما إذا تزوجها بعد النظر.  
 
4-   هل يحق للمرآة التحدث مع أجنبي مثل أقاربها من غير المحارم، أو أقارب الزوجة وغيرهم في حضور الأهل، أو غيرهم من الناس، وإلقاء السلام عليهم عند المرور من أمامهم؟ ثم يقلن في السؤال الأخير: عند السلام على النساء هل يكتفى بإلقاء السلام فقط، أم يجب المصافحة، خاصة إذا كانت امرأة أكرهها ولا أحب مصافحتها؟
التحدث مع الرجال بالسلام وغير السلام لا بأس به على وجهٍ ليس فيه خضوع بل الكلام العادي من غير خضوع ومن غير جفاء وكلام سيء، ولكن بكلام وسط، ليس فيه خضوع، قال الله - تعالى - في كتابه العظيم: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ – يعني مرض الشهوة - وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا [(32) سورة الأحزاب]. فأذن سبحانه بالقول بالمعروف ونهى عن الخضوع بالقول، فالمرآة إذا كلمت الرجل كأخي زوجها ، أو أبناء عمها ، أو جيرانها ، أو أزواج أخواتها يكون بالكلام المعروف الطيب الذي ليس فيه خضوع ، وليس فيه جفاء وخشونة، تبدأ بالسلام ، وترد السلام مع البعد عن أسباب الفتنة، مع الاحتجاب والبعد عن أسباب الفتنة، أما المصافحة فلا، ليس للمرآة أن تصافح الرجل الذي ليس بمحرم لها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إني لا أصافح النساء). وتقول عائشة - رضي الله عنها -: والله ما مست يد رسول الله يد امرأةٍ قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. هكذا قالت عائشة - رضي الله عنها -. فدل ذلك على أن الرجل لا يصافح المرأة، والمرآة لا تصافح الرجل، إذا كان ليس من محارمها، أما محرمها كأخيها وعمها وخالها فلا بأس، أو مع النساء لا بأس أن تصافح النساء، فالواجب على المؤمن والمؤمنة تقوى الله في كل شيء - سبحانه وتعالى -، والحذر مما حرم الله من جميع الوجوه لا من الكلام ولا من غير الكلام، المؤمن يتقيد بالشريعة في قوله وفعله، والمؤمنة كذلك، تتقيد بالشريعة في قولها وفعلها. 
 
5-  ذهبت للحج مع أحد الأقارب وكان بي مرض يسمى الناصور، وهو يقع في أسفل الظهر ويخرج دماً وقيحاً، وهو مرض مزمن، هل ذلك يؤثر على الحج؟
ليس ذلك يؤثر على الحج، ولكن أنت تجتهد في الشيء الذي يقي ثيابك وبدنك من الصديد والدم ، تفعل ما تستطيع ، ولا يمنع صلاة ولا حجا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [(16) سورة التغابن]. وهذا يكون في الدبر ، والإنسان يعالجه بما يستطيع من جهة المختصين ، ويتحفظ مما يخرج ، وإذا كان الخارج يستمر توضأ لكل صلاة ، تسمح بشيء من مناديل ونحوها بعد دخول الوقت ثم يتوضأ ، يتمسح ثلاث مرات أو أكثر عن الخارج من داخل الدبر ، أو يستنجي بالماء إن كان لا يضره الماء، وإلا فيكفي التمسح بالمناديل الطاهرة ثلاث مرات فأكثر حتى ينقي المحل، حسب الطاقة بعد دخول الوقت ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ويتحفظ في بقية الأوقات بما يصوله من آثار الدم والصديد الذي يخرج، ولا يضر ذلك حجه ، ولا يضر صلاته ، والحمد لله. 
 
6-   في أثناء ذلكم الحج كان في جيبي خمسمائة ريال وقلت لقريبي ذلك: ليس معي نقود على أن يدفع عني قيمة الهدي، وحاجتي لها بعد مناسك الحج، واشترى لي الهدي وصرف علي طوال أيام الحج، وقمت بتسديده بعد ذلك، هل فعلت خطيئة؟
عليك التوبة والاستغفار من الكذب؛ لأنك كذبت تقول ما معي دارهم، لو بينت الحقيقة أن معك دراهم قليلة تحتاجها كان هذا هو الواجب، ولست بحاجة إلى الكذب، وتقول له : أقرضني وأعني وأنا إن شاء الله أسدد لك حقك بعد ذلك ، كما فعل ، فقد أحسن إليك ، وقضى حاجتك والحمد لله، والمسلمون هكذا يعين بعضهم بعضا، ولكن الكذب لا حاجة إليه، لو بينت ذلك ، وقلت: نعم عندي شيء قليل، ما يكفيني ، وأنا أريد أن تقرضني وأن تساعدني فلا بأس بهذا، أما قولك ليس معك شيء، هذه كذبة ، وعليك التوبة إلى الله منها. 
 
7-   في رمي الجمرات حصل بعض المخالفات، إذ أنني رميت الجمرة الوسطى يوم العيد من الخلف، أي في الخرسانة دون الجمرة نفسها، وذلك لرؤيتي الحجاج وهم يفعلون ذلك، كما حصل أنني شككت في عدد الحصيات التي رميت بها إحدى الجمرات، إما في يوم العيد أو في آخر أيام التشريق؟
أما رمي الجمرة الوسطى يوم العيد فهذا غير مشروع، وإنما ترمى جمرة العقبة فقط ، وهي التي تلي مكة، ....... من القصوى من جهة مكة هذه ترمى يوم العيد بسبع حصيات، أما رمي الوسطى فهذا وجوده كعدمه ليس عليك فيه شيء؛ لأنها لا ترمي يوم العيد الوسطى، ولا البعيدة التي من جهة منى ، من جهة مسجد الخيف لا ترمى، إنما يرمى يوم العيد رمية العقبة فقط ، وهي القصوى التي تلي مكة، ترمى يوم العيد بسبع حصيات ، فإذا كنت ما رميتها ، أو شككت في رميها ، ولم ترمها بعد ذلك فعليك دم يذبح في مكة للفقراء. وأما الجمرات الأخرى فهي ترمى يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، الثلاث كلها ترمى جمرة العقبة والوسطى والبعيدة، لكن يبدأ بالبعيدة التي من جهة مسجد الخيف، يبدأ بها يوم الحادي عشر ثم الوسطى ثم جمرة العقبة التي تلي مكة، وهي الأخيرة، وهذا في اليوم الثاني عشر، وهكذا في الثالث عشر للذي لم يتعجل، يرمي الثلاث كلها، يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف التي في وسط منى، ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة التي في آخر منى من جهة مكة، تكون هي الأخيرة ، في الأيام الثلاث: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر. وإذا كنت شككت في رمي واحدة من هذه الثلاث في الحادية عشر أو الثانية عشر إذا كنت تعجلت فعليك أن تذبح دماً شاةً لها سنة إن كانت من المعز ، أو ستة أشهر إن كانت من الضأن ، يعني ستة أشهر فأكثر، تذبح في مكة للفقراء، وهذا إذا كان الشك حين الرمي، وأما إن كان الشك طرأ بعد ذلك و إلا فأنت حين الرمي ما عندك شك، إنما جاء الشك بعد ذلك فليس عليك شيء، الشك بعد العبادة لا يؤثر، أما إن كان الشك وقت الرمي، شككت ولم تكمل ، فعليك أن تذبح شاةً في مكة، يعني جذع ضان قد بلغ ستة أشهر فأكثر ، أو ثني معز فأكثر، ويذبح بمكة للفقراء على الجمرة التي شككت في رميها، فإن كان الشك في حصاة واحدة لم يضر ذلك، بل تغتفر إن شاء الله. وإن كنت لم تتعجل وبقيت إلى الثالث عشر ولم ترم بعض الجمرات في الثالث عشر ، أو شكك في رميها حال الرمي ، ولم تقم بالواجب ، بل تساهلت، فعليك كما تقدم ذبيحة تذبح في مكة للفقراء، أما إن كان الشك بعد ذلك، بعدما انتهيت من الحج طرأ عليك الشك بعد ذلك ، فهذا لا يعول عليه، ولا يعتبر به، بل هو شك لاغي، لا قيمة له ، وليس عليك عنه شيء. 
 
8- صليت في بعض المساجد فوجدت لهم طريقة عجيبة في التسليم، حيث يسلم الإمام التسليمة الأولى ويسلم المصلون خلفه، ثم يسلم الثانية ويسلمون، فهل ذلك صحيح؟
السنة أن يسلم الإمام التسليمتين جميعاً ، ثم يسلم المأموم بعد ذلك، هذا هو السنة، ولكن الذي فعله هؤلاء صحيح، صلاتهم صحيحة، إذا سلموا الأولى بعد الأولى ، والثانية بعد الثانية فلا حرج في ذلك، لكنه خلاف السنة، خلاف الأفضل، بل السنة أن ينتظروا حتى يسلم إمامهم التسليمتين ثم يسلموا بعده ، هذا هو السنة ، وهذا هو المعروف من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- والصحابة فيما بلغنا ، لكن إذا كان سلموا بعد التسليمة الأولى ثم سلموا بعد التسليمة الثانية صحت الصلاة ولا شيء عليهم ؛ لأنهم لم يسابقوه، ما سبقوه بشيء.  
 
9-  حدث شجار بيني وبين عمي، فقلت: لحمكم عليّ حرام، ثم ندمت، فما الحكم في ذلك، وهل هنالك كفارة؟
نعم عليك كفارة يمين إذا أكلت من لحمهم، وهي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم، عشرة ، فقراء ، تعطي كل واحد نصف صاع من تمر أو رز أو غيره من قوت البلد، ومقدار ذلك كيلو ونصف تقريباً تدفع للفقير الواحد، الجميع خمسة عشر كيلو، لكل واحد كيلو ونصف ، وذلك نصف صاع من قوت البلد من رزٍ أو تمرٍ أو حنطةٍ أو شعيرٍ أو ذرةٍ ، ونحو ذلك، حسب قوت البلد، أو كسوتهم ، إذا كسوت كل واحد إزاراً ورداء أو قميصاً فلا بأس، يكفي عن الطعام، أو عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تستطع هذا كله، لا إطعام ولا كسوة ولا عتق ، فعليك أن تصوم ثلاثة أيام ، هذا في حق الفقير العاجز. 
 
10-   ما حكم قراءة القرآن ولاسيما الفاتحة ويس على أرواح الموتى، وما حكم ما يفعله بعض الناس من إحضار للقراء ليقرءوا القرآن على أرواح الموتى بمبالغ باهظة، وما صحة الحديث : (اقرءوا يس على موتاكم)؟
هذا العمل لا يجوز، كونه يستؤجر من يقرأ القرآن للموتى هذا لا يجوز، والذي يقرأ بالأجرة ما له ثواب حتى يهديه للموتى، ما قرأ لله، ما قرأ إلا للأجرة ، فليس له ثواب حتى يُهدى. ثم السنة عدم إهداء القراءة للموتى لا منك ولا من غيرك، لعدم الدليل على ذلك، لأنه لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، لكن بعض أهل العلم رأى جواز ذلك من غير أن يستأجر بالأجرة، بل من باب التبرع إذا تبرع وقرأ وثوّب لميته أو لإنسان حي ذكر بعض أهل العلم أنه جائز ولا حرج في ذلك وقاسوه على الصدقة والدعاء. ولكن ظاهر الأدلة الشرعية أن ذلك لا ينبغي، وأنه يخشى أن يكون بدعة لعدل الدليل عليه، فالأولى بالمؤمن والأحوط له أن لا يفعل ذلك، بل يحسن لموتاه بالدعاء، بالصدقة عنهم، بالحج عنهم، بالعمرة، هذا لا بأس، كله مشروع، أما كونه يقرأ ويثوّب لهم ، أو يسبح ويثوب لهم هذا لا دليل عليه، فالأولى بالمؤمن ترك ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). أما كونه يستأجر من يقرأ هذا لا ، لا يجوز؛ لأن كونه يقرأ بالأجرة فهذا ليس له ثواب فكيف يُهدى؟! ما له شيء يُهدى، وقد أجمع العلماء على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن، ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية - رحمه الله - قال : إنه لا نزاع بين أهل العلم في تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن. فالواجب الحذر من هذا العمل - وفق الله الجميع -.    
 
11-   في بعض المساجد يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر في وقت صلاة الظهر، ويزعمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما أربعين يوماً في المدينة تخفيفا على أمته ، نرجو التوجيه في ذلك جزاكم الله خيرا؟
نعم صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلَّى الظهر والعصر جميعاً في المدينة، والمغرب والعشاء جميعاً في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر ولا سفر، لكن لم يحفظ هذا عنه إلا مرةً واحدة - عليه الصلاة والسلام - لا أربعين، القول أنه فعله أربعين هذا باطل لا أساس له من الصحة، وإنما المحفوظ أنه فعل هذا مرةً واحدة. قال بعض أهل العلم : لعله كان لوجود دحض في الأسواق من آثار المطر أو وجود مرضٍ عام ووباء عام ، أو لأسبابٍ أخرى. قال ابن عباس : لئلا يحرّج أمته. يعني لدفع المشقة عنهم، فإذا حصل ما يشق عليهم من مرض أو دحض وآثار المطر في الأسواق أو ما أشبه ذلك مما فيه مشقة جاز هذا الجمع. أما من غير عذر فالواجب أن لا يفعل؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقّت المواقيت في المدينة للناس، ووقتها جبرائيل له في مكة - عليه الصلاة والسلام - ، وقال صلى الله عليه وسلم : (الصلاة بين هذين الوقتين). وكان يصلي الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، والمغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، هذا هو المحفوظ عنه في المدينة - عليه الصلاة والسلام - . فالواجب على المسلمين أن يصلوا كل صلاة في وقتها، وأن لا يجمعوا إلا من عذرٍ شرعي، وهذه المرة التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - محمولة على أنه كان لعذرٍ شرعي أراد به دفع الحرج أمته - عليه الصلاة والسلام -، بسبب ذلك العذر الذي لم يذكر في الحديث. والواجب على الأمة أن تأخذ بالأمور المحكمة الواضحة وأن تدع المشتبهات ، يقول الله - جل وعلا - في كتابه العظيم: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [(7) سورة آل عمران]. فلا يجوز للمؤمن أن يأخذ بالمتشابه الذي ليس فيه وضوح ويدع المحكم الواضح البيّن الذي هو صلاته ، كل صلاة في وقتها في حياته - صلى الله عليه وسلم - في المدينة مدة عشر سنين- عليه الصلاة والسلام- وقد وضح للأمة ذلك ، وقال: (الصلاة بين هذين الوقتين). وقال : (صلوا كما رأيتموني أصلي). فلا يجوز أن نأخذ بشيء لم يتضح سببه يخالف الأحاديث الصحيحة ، والعمل المستمر في حياته - صلى الله عليه وسلم- بل هذا من اتباع المتشابه الذي للإمام، فإذا وجدت علة تسوغ الجمع فلا بأس؛ كالمرض والمطر والسفر ، ونحو ذلك، فلا بأس بذلك؛ كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسفاره ، ورخص للمستحاضة أن تجمع لعذرها ، والمريض كذلك المعذور، فلا بأس بذلك .... العذر الشرعي.  

614 مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply