محمد المبارك

سوريا

اسمه و نشأته:

هو العالم الوزير، والمفكر الداعية: محمد بن عبدالقادر بن محمد المبارك الحسني

ولد في دمشق سنة 1331ه - 1912م، نشأ في أسرة معروفة بالعلم والتقوى والصلاح، فجده محمد المبارك كان من علماء اللغة العربية، له نثر وشعر وله آثار مروية تدل على فضله وملكته.

ووالده الشيخ عبد القادر المبارك علامة دمشق في اللغة والأدب، كان من أعضاء اللجنة التي ألفت في عهد الملك فيصل الأول لتعريب المصطلحات العسكرية، كما اختير عضواً في المجمع العربي بدمشق حين تأسيسه، وكان كذلك عالماً بالسيرة ووقائعها وبتراجم الرجال ومشاركاً في العلوم الإسلامية ومتقناً للغة التركية وعارفاً بالإنجليزية.

المؤهلات العلمية:

درس محمد المبارك المرحلة الابتدائية ثم الثانوية في مدارس دمشق، وكان متفوقاً في دراسته خاصة في اللغة العربية والرياضيات، وكان له ميل واضح إلى العلوم العربية والعلوم الإسلامية. ثم تابع الدراسة الجامعية في دمشق في كلية الحقوق وفي الآداب، وأنهى الدراستين معاً في سنة  1935

بعد أن تخرج محمد المبارك من الجامعة السورية، أوفدته الدولة مع من أوفدتهم إلى جامعة السوربون في باريس ليدرس في كلية الآداب وفي معهد الدراسات الإسلامية التابع لها ثلاث سنوات. درس في السنة الأولى الأدب العربي والثقافة الإسلامية، وعرف المستشرقين عن كثب، وكثيراً ما كان يصحح لهم معلوماتهم.

وخصص السنة الثانية من دراسته لدراسة الأدب الفرنسي وعصوره وفنونه وأعلامه، وكان من أبرز أساتذته الأستاذان المستشرقان المشهوران: مارسيه وماسينيون.

أما السنة الثالثة فخصصها لدراسة علم الاجتماع وكان أساتذته من كبار علماء الاجتماع الفرنسيين. وقد استفاد المبارك من فرعي الأدب الفرنسي وعلم الاجتماع استفادة كبيرة جداً مكنته من الولوج في صميم الثقافة الغربية والتفكير الغربي ومذاهبه الفكرية والأدبية من منابعها الأصيلة وعن طريق الاختصاص من أهلها.

ولم يكن يقتصر المبارك على محاضرات الجامعة، بل كان يحضر المنتديات والمحاضرات العامة ويتردد على مختلف المعاهد العلمية والنوادي على تعدد اتجاهاتها وألوانها.

عاد محمد المبارك من باريس مجازاً في الأدب العربي وفي علم الاجتماع، وتم تعيينه عام 1938 أستاذاً للأدب العربي في المدرسة الثانوية بمدينة حلب، وخلال وجوده في هذه المرحلة من حياته في حلب تزوج زوجته الحلبية من عائلة آل البيانوني المعروفة بالعلم والصلاح، وهي أم أولاده.

وظل في حلب سنتين، ثم نقل إلى دمشق وتابع فيها مهمته، حيث درس في ثانويتها الكبرى الأدب العربي والأخلاق والمنطق والنصوص الفلسفية، ودرس كذلك في دار المعلمين العليا وكان له نشاط ملحوظ في المحاضرات العامة في مختلف نوادي العاصمة في شتى الموضوعات في اللغة والأدب والقضايا الاجتماعية والإسلام.

أعماله و مناصبه:

وفي سنة 1946 أقصي الأستاذ المبارك عن التفتيش واقتصر عمله على عضوية اللجنة الفنية وذلك بسبب ما قام به من نشاط إسلامي في المحافظات التي كان يزورها للتفتيش، وذلك بإلقاء المحاضرات العامة في أهم الموضوعات المتعلقة بالإسلام والتعريف بدعوته أو بالقضايا الإسلامية المعاصرة.

وفي عام 1947 قدم استقالته من وزارة التربية ليتمكن من ترشيح نفسه للانتخابات النيابية عن مدينة دمشق تلبية لرغبة رابطة العلماء والجمعيات الإسلامية، وقد انتخب ثلاث مرات عن مدينة دمشق خلال الفترة من 1947 ـ 1958.

كما عين المبارك خلال الفترة 1949 ـ 1952 وزيراً للأشغال العامة ثم وزيراً للمواصلات ثم وزيراً للزراعة.

واستمر نشاطه الإسلامي السياسي حتى عام 1958 الذي تمت فيه الوحدة بين مصر وسورية وحينئذ انصرف إلى العمل الجامعي العلمي، وفضل التدريس والكتابة وإلقاء المحاضرات ليرفع مستوى الوعي الإسلامي العام عند الجماهير الإسلامية.

لم يمنع نشاط الأستاذ محمد مبارك السياسي منذ أواخر عام 1947 عن استمراره في التدريس، فقد كلف في أوائل عام 1948 بتدريس مادة فقه اللغة ثم الدراسات القرآنية في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة دمشق، واستمر في تدريس هذه المواد نحواً من عشر سنوات.

وانقطع فترة ثم عاد لتدريس فقه اللغة حتى عام 1966. كما عين أستاذاً في كلية الشريعة في جامعة دمشق منذ تأسيسها سنة 1954، وشارك مشاركة أساسية في وضع خطتها ومناهجها.

وحين أنشئت الأقسام في الكلية كان رئيس قسم العقائد والأديان. كما تولى عمادة كلية الشريعة في جامعة دمشق (1958 ـ 1963) وذلك بعد عميدها الأول الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي.

وكان مجلس جامعة دمشق قد اختاره عام 1960 ممثلاً له في المجلس الأعلى للتخطيط الجامعي للجمهورية العربية المتحدة في القاهرة لذلك العام.

وتم انتدابه من جامعة دمشق إلى جامعة أم درمان الإسلامية في السودان تلبية لطلب مديرها، فعمل فيها من 1966 ـ 1969 أستاذاً ومشاركاً في التخطيط ورئيساً لقسم الدراسات الإسلامية، وفي خلال هذه المدة عام 1968 قدم استقالته من جامعة دمشق.

كما أنه درّس في كلية الحقوق بجامعة الخرطوم مادة السياسة الشرعية.

وفي عام 1969 اقترح عليه وزير المعارف في المملكة العربية السعودية العمل فيها، فقبل واختار الإقامة في مكة المكرمة، وعُين أستاذاً ورئيساً لقسم الشريعة والدراسات الإسلامية في كلية الشريعة بمكة المكرمة، وكان عارفاً بوضعها لأنه كان قد اشترك في وضع خطتها وبعض مناهجها في عام 1964، وبقي في هذا العمل أربع سنوات ثم عُين أستاذاً باحثاً ومستشاراً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وفي أثناء تلك الفترة عمل أستاذاً زائراً في الجامعة الأردنية خلال الفصل الدراسي الثاني لعام 1977 وفي فصول دراسية أخرى.

وبقي يمارس التدريس في الجامعات حتى وفاته.

كان الأستاذ المبارك عضواً في مجمع اللغة العربية (المجمع العلمي) بدمشق، وعضواً في المجلس الأعلى الاستشاري في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

الأستاذ محمد المبارك عالم متمكن وداعية مفكر، عمل في حقل الدعوة الإسلامية منذ ريعان شبابه، ووهب نفسه لها، وجعلها هدف حياته، وقد اختار مهنة التدريس ليشارك في إعداد الأجيال، وكان خلال فترة تدريسه إذا توسم في فتىً خيراً اتصل به ورعاه وغذاه بالنصائح، وكانت له حلقات يعالج فيها موضوعات إسلامية عملية ومشكلات اجتماعية مع طلاب ومدرسين وعمال، كما كان له نشاط متواصل في إلقاء محاضرات عامة في مختلف المستويات.

ولم يقتصر نشاطه على المدن بل كثيراً ما كان يخرج مع فريق من الشبان إلى القرى للدعوة والتوعية.

وكان للأستاذ محمد المبارك مشاركة في نشاط وتأسيس عدد من الجمعيات الإسلامية فعندما تأسست جمعية الشبان المسلمين في دمشق كان هو رئيسها، ولما أسس الدكتور مصطفى السباعي مدرسة الدعوة في دمشق سنة 1947/1948 كان المبارك يحاضر فيها هو والسباعي وثلة من الأساتذة المرموقين.

والأستاذ المبارك من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وكان يمثلهم في البرلمان السوري، وكان الساعد الأيمن للسباعي ومستشاره السياسي والتنظيمي والاجتماعي. وكان دائماً عضواً في إدارة مركز دمشق أو رئيساً للإدارة، وكان يتناوب مع السباعي في إلقاء المحاضرات في المركز العام للإخوان في حي الشهداء بدمشق، أو في باب الجابية، وكان يصحب السباعي في رحلاته وزياراته لمراكز الجماعة.

وبعد أن غادر سورية بقي المبارك على صلات طيبة مع الإخوان حتى آخر لحظة من حياته... كان مع الإخوان السوريين حيث يوجد إخوان سوريون، وكان مع الإخوان في سائر الأقطار التي يزورها أو يقيم فيها، يقدم لهم إرشاداته ونصائحه، ويعطيهم تجاربه العلمية التي اكتسبها طوال عمره السياسي والتنظيمي. وكان له دور في ترشيد الحركة الإسلامية، وتقديم النصح والمساعدة المادية والمعنوية من خلال عمله في ميدان الدعوة الإسلامية على الصعيدين الشعبي والثقافي..

وله عشرات البحوث والمقالات المنشورة عن موسوعة الفقه الإسلامي، وعن تاريخ الرياضيات عند المسلمين، والتجارب العلمية عند المسلمين، ومذكرات في التشريع الإسلامي مع مقارنته بالتشريع الغربي... إلخ، فضلاً عن الكثير من المحاضرات في مكة المكرمة والجزائر ولاهور ودمشق والرياض، والخرطوم، وأمريكا، وقطر، وباريس، والرباط، وجدة، وإسطنبول، وأبوظبي، وعمَّان وغيرها، بالإضافة لزياراته المتعددة للمدن السورية، وإلقاء المحاضرات والدروس، وعقد المؤتمرات والندوات، لشرح الفكرة الإسلامية، وبيان منهج الإسلام الحق.

مؤلفاته:

    من منهل الأدب الخالد.
    عبقرية اللغة العربية.
    فقه اللغة وخصائص العربية.
    الأمة العربية في معركة تحقيق الذات.
    المجتمع الإسلامي المعاصر.
    الأمة والعوامل المكوِّنة لها.
    جذور الأزمة في المجتمع الإسلامي.
    نحو صياغة إسلامية لعلم الاجتماع.
    نحو إنسانية سعيدة.
    العقيدة في القرآن الكريم.
    نظام الإسلام.. العقيدة والعبادة.
    نظام الإسلام.. الحكم والدولة.
    نظام الإسلام.. الاقتصاد.
    نظام الإسلام العقائدي في العصر الحديث.
    ذاتية الإسلام أمام المذاهب والعقائد.
    الدولة ونظام الحسبة عند ابن تيمية.
    نظرة الإسلام العامة إلى الوجود وأثرها في الحضارة.
    الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية.
    القرآن عربي الخطاب.
    نحو وعي إسلامي جديد.
    المشكلة الثقافية في العالم الإسلامي.
    مذكرات في الثقافة الإسلامية.
    الإسلام والفكر العلمي.
    بين الثقافتين: الغربية والإسلامية