ابن فندق البيهقي

أفغانستان

أبوالحسن علي بن زيد البيهقي الأوسي الأنصاري من بيت عرفوا باسم الحاكميين والفندقيين نسبة إلى الحاكم فندق بن أيوب والذين ينتهي نسبهم إلى الصحابي خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وكانوا مقيمين في قصبة سيوار من نواحي بالشتان من توابع بست، وهي بلدة من بلاد كابل. ثم هاجر جدّ جدّه الحاكم فندق من تلك البلاد إلى نيسابور، وعيّن قاضيًا مفتيًا بأمر من السلطان محمود الغزنوي. وقد اشترى هذا الجدّ ضياعًا من بيهق وأقام فيها، وقد تولّى أولاده وأحفاده، ومنهم علي بن زيد الذي نترجم له، منصب القضاء بمدينة بيهق(1).
كان هذا المؤرخ أحد الذين شملهم بحث لي بعنوان (المؤرخون والمعرفة الطبية)(2)، وكان من جملة المصادر التي رجعت إليها "تاريخ بيهق" من تأليفه ولم يكن مترجمًا حيث يتخلل أسطره كلام فارسي، وأحببت أن أعود إليه لدراسته وبيان أهميته، وهكذا كتبت عنه بحثًا وركنته وشغلت بغيره من البحوث، ثم وجدت الكتاب "تاريخ بيهق" معرّبًا محقّقًا من قِبَل الباحث المحقق يوسف الهادي، مطبوعًا بدمشق سنة 1425هـ/2004م. فرجعت إلى بحثي، وكان لزامًا عليّ أن أحذف منه ما وجدته مطبوعًا في هذه الطبعة، مثل سرد مؤلفات البيهقي الذي عدّدت فيه 72 كتابًا من كتبه، في حين أنّ الأستاذ يوسف الهادي أورد 83 كتابًا، وكذلك أسماء الكتب الواردة في المتن التي رتّبها الأستاذ الهادي مع جملة الفهارس المفصّلة في آخر الكتاب.
البيهقي من العلماء الذين أرّخوا لأنفسهم، وبذلك أراح الباحثين من عناء التنقير والبحث عن حياته، ونشأته، ودراسته، حتى استوى شيخًا مؤلفًا.
فمما كتبه عن نفسه في كتابه "مشارب التجارب" الذي لم يظهر بعد، والذي نقل عنه ياقوت الحموي(3)، سيرته، وأسماء كتبه. ومن الغريب أن يقول بارتولد في التعريف به في دائرة المعارف الإسلامية أنه لا يستطيع أن يستخرج من مصنّفاته أو مصنّفات غيره شيئًا عن سيرته(4).
ولد البيهقي سنة 499هـ في قصبة السابزوار من ناحية بيهق، ودرس في الكتّاب. ثم انتقل مع عائلته إلى ضيعة لهم في ششتمذ، وفيها واصل دراسته وقراءته، فقرأ كتاب "الهادي للشادي" تصنيف الميداني (516هـ)، وكتاب "السامي في الأسامي" له أيضًا، وكتاب "إصلاح المنطق" لابن السكّيت (244هـ)، وكتاب "المنتحل" للميكالي، وأشعار المتنبي، والحماسة، والسبعيات، وكتاب "التلخيص في النحو". ثم بعد ذلك حفظ "المجمل في اللغة".
وفي شهور سنة 514هـ حضر دروس إمام الجامع القديم بنيسابور أبي جعفر المقرئ (أحمد بن علي المتوفى سنة 544هـ) صاحب كتاب "ينابيع اللغة". وفي مجالسه حفظ كتابه "تاج المصادر" وقرأ عليه نحو ابن فضال (علي بن فضال الفرزدقي)، وفصلاً من كتاب "المقتصد" لعبدالقاهر الجرجاني المتوفى سنة 471هـ وكتاب "الأمثال" لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ وكتاب "الأمثال" للأمير أبي الفضل الميكالي.
ثم درس على الإمام صدر الأفاضل أحمد بن محمد الميداني في محرم سنة 516هـ، وصحح عليه كتاب "السامي في الأسامي" وكتاب "المصادر" للقاضي الزوزني، وكتاب "المنتحل" وكتاب "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام وكتاب "إصلاح المنطق" لابن السكِّيت، و"مجمع الأمثال"من تصنيفه، وكتاب "صحاح اللغة" للجوهري المتوفى سنة 393هـ.
وكان خلال ذلك يختلف إلى الإمام إبراهيم الخزاز المتكلم وقد اقتبس منه أنوار علوم الكلام، وإلى الإمام محمد الفراوي المتوفى سنة 530هـ(5)، وسمع منه "غريب الحديث" للخطابي المتوفى سنة 388هـ وغيرهم.
ومات والده سنة 517هـ، فانتقل إلى مدينة مرو وهناك قرأ على تاج القضاء أبي سعد يحيى بن عبدالملك بن عبيد الله بن صاعد، وقد وصف شيخه هذا أنه كان ملكًا في صورة إنسان. وقد كتب من لفظه "كتاب الزكاة" والمسائل الخلافية ثم سائر المسائل على غير ترتيب. وخاض البيهقي في المناظرات والمجادلات -كما قال- سنة كاملة حتى رضي عنه أستاذه، وكان يعقد مجلس وعظ في تلك المدرسة التي يجلس فيها أستاذه تاج القضاء. كما كان يعقد مجالسه في الجامع. وخلال وجوده في مدينة مرو تزوّج إلا أنه شعر بعد ذلك بأنّ الزواج قد أخّره عن الاستزادة من طلب العلم. فغادر مرو عام 521هـ عائدًا إلى نيسابور، ثم إلى مسقط رأسه لزيارة والدته ببيهق حيث أقام ثلاثة أشهر، ثم رجع بعدها إلى نيسابور. ولم يذكر مدة بقائه بها أو ما أنجزه خلال إقامته إلا أنه ذكر عودته منها إلى بيهق مرة أخرى.
وحصل ارتباط مصاهرة بينه وبين والي الري شهاب الدين محمد بن مسعود بن المختار، فصار مشدود الوثائق بالأهل والأولاد سنين متوالية، حتى فوضت إليه ولاية قضاء بيهق سنة 526هـ، فقد شعر بأنّ هذه المهمة التي نيطت به وثاق آخر سيشدّه، ويحول دون حركته من أجل العلم، فضاق ذرعًا بها، فانتقل إلى الري سنة 526هـ، وكان واليها شهاب الدين صهره فخفّ إلى لقائه، ومعه أكابر أهلها وقضاتها، فأقام بالري إلى 27 جمادى الأولى سنة 527هـ، وكان خلال تلك المدة ينظر في الحساب والجبر والمقابلة، وطرف من الحكمة. ثم عاد إلى خراسان -ولم يذكر اسم المدينة- ليتم دراسة الرياضيات والفلسفة(6). على الحكيم الذي وصفه بأنه "أستاذ خراسان في وقته" عثمان بن جاذوكار. ويبدو أنه قرأ عليه كتبًا في الفلسفة أو انتسخها عنه، كما يفهم من قوله: "وحصلت كتبًا في الحكمة" وأنه -كما يقول عن نفسه- صار في تلك الصناعة مشارًا إليه بالبنان، أي في معرفة الفلسفة.

انتقل البيهقي إلى نيسابور في غرة ربيع الآخر سنة 529هـ وعلم الحكمة ما يزال يشغل باله، ويرى بأنّ الموضوع لم ينضج بعد، وأنّ هناك نقصًا في معرفته الفلسفية. فعاد إلى بيهق سنة 530هـ من دون أن يذكر سببًا لهذا العود. ويحدثنا أنه في بيهق رأى في المنام قائلاً يقول له: عليك بقطب الدين محمد المروزي الملقّب بالطبسي النصري، وكان هذا في مدينة سرخس، فذهب إليه، وأقام عنده لكي يكمل عليه درس الفلسفة حتى نفدت دنانيره ودراهمه فعاد إلى نيسابور في 27 شوال سنة 532هـ وقد أقام بها حتى عام 536هـ ليعود إلى بيهق التي لم يمض فيها غير شهر واحد؛ لأنه شعر بحسد الأقارب الذي أزعجه، فتركها خائفًا مترقبًا إلى نيسابور التي لقي بها الإكرام من أكابرها.
واستأنف عقد المجالس في أيام الجمعة بجامع نيسابور القديم، وأيام الأربعاء في مسجد المربع، وأيام الاثنين في مسجد الحاج، وهناك كانت تفد عليه وفود إكرام الوزير طاهر بن فخر الملك وإكرام أكابر نيسابور، فأقام بها حتى غرة رجب في سنة 549هـ حيث ارتحل عنها لزيارة والدته قبل وفاتها في تلك السنة والتي وصفها بأنها كانت حافظة للقرآن عالمة بوجوه تفسيره.
ويبدو أنه خلال إقامته الأخيرة في نيسابور قام بزيارة للسلطان سنجر، حيث استدعي في صفر سنة 543هـ/748هم ليقرأ للسلطان رسالة وردت من الملك ديمتريوس الكرجي، أي ملك جورجيا، مكتوبة باللغتين العربية والسريانية، يستفتي فيها عن بعض الأمور الدينية، فقرأها للسلطان ثم طلب منه السلطان أن يجيب على الرسالة باللغتين المذكورتين. وكان توفيقه في ذلك عظيمًا(7).
مادة كتاب "تاريخ بيهق"
إنه تاريخ لمدينة المؤلف وعائلته بيهق التابعة لنيسابور في خراسان(8)، تناول فيه تحديد موقع مدينته بالنسبة للأقاليم الإسلامية، ثم تناول تراجم علمائها وأبنائها وساداتها وشعرائها وحكمائها والعوائل التي سكنتها. كما أشار إلى محاسنها من حيث ذكر مناخها وحاصلاتها الحيوانية والنباتية، وقد رتّب مادته في الكتاب على الشكل الآتي:
مقدمة عامة استشهد فيها بالآيات والأحاديث والأمثال وعيون الشعر العربي، ثم بدأ بفصل عن علم التاريخ مبيّنًا أنّ المقصود بالحديث "العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان"(9). إنّ التاريخ هو علم الأبدان لأنه تناول الأنبياء والرسل والأئمة والخلفاء، والشعوب والنِّحَل والمذاهب.
ثم تكلم عن فوائد علم التاريخ، وانتقل بعده إلى الجغرافية لبيان أقاليم العالم المعروف في زمانه، وعرج بعد ذلك إلى ذكر أشهر المؤلفات التاريخية مثل "مغازي ابن إسحق" و"تاريخ الطبري" و"تاريخ نيسابور" للحاكم النيسابوري، وكتاب "الفتوح" لابن أعثم الكوفي، وكتاب "تهذيب التاريخ وتجارب الأمم" لمسكويه، و"تاريخ اليميني" للعتبي الذي أكمله ابن فندق بكتابه "مشارب التجارب وغوارب الغوارب"، ثم ذكر أسماء أشهر المؤلفات عن المدن مثل "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، و"تاريخ مرو" للعباس بن مصعب، و"تاريخ هراة"، وغيرها من مدن فارس وخراسان، و"تاريخ بيهق"(10).
ثم أورد العنوان الآتي: باب فضائل بيهق، ومن توفي به من الصحابة، ثم تناول ذكر تاريخ فتحها(11). وانتقل بعدها إلى ذكر محاسن بيهق(12) مثل هواء بيهق وفضل ما ينسب إليها(13).
تم ذكر ما حصل من آفات وأمراض بها، وأحوال الطقس فيها، وفق تغير فصول السنة(14).
ثم باب اشتقاق اسم بيهق وذكر حدودها وتوابعها، وذكر خراجها، وبدأ بالكلام مفصّلاً عن توابعها ورساتيقها وهي اثنا عشر ربعًا(15).
أفرد بعد ذلك بابًا لقصبة بيهق (سبزوار) فتكلم عن بناء سورها، وما وقع بها من وقائع(16).
بعد هذه المقدمات المتتالية عن بيهق التي استغرقت حوالي 54 صفحة، بدأ بذكر سادات بيهق وأشرافها والعوائل التي حكمتها أو سكنت فيها بادئًا بالطاهرين ثم الصفارين، فالسامانيين، والغزنويين (المحمودين)، وهنا أشار إلى أنه فصّل أمرهم في كتابه "مشارب التجارب" وذكر السلاجقة بعدهم(17).
وأفرد للوزير السلجوقي المشهور نظام الملك الذي سمّاه سيّد الوزراء ولأبنائه ولأحفاده فصلاً(18).
وخصص فصلاً للمهلّب بن أبي صفرة وأبنائه وأحفاده(19). وبعد أن انتهى من ذكر العوائل الحاكمة لبيهق تناول البيهقيين ممن تولى القضاء، وفي هذا الفصل ذكر أجداده، وآباءه وإخوته(20)، ثم ألحق بهم بعد ذلك العلماء البيهقيين المشهورين المؤسسين للعوائل العلمية فيها(21).
ثم أفرد فصلاً للعلماء والأئمة والأفاضل ممن روى الحديث من أهل بيهق(22). وخلال كلامه المفصّل عن هؤلاء العلماء نراه يقطع السلسلة بإيراد حكاية عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، ثم يتلوها بمسألة فقهية، ثم أعقبها بفائدة(23)، ليستأنف بعدها سلسلة أهل الحديث. ثم يقطع السلسلة أيضًا بحكاية عن خلافة المطيع لله(24).
وحكاية أخرى عن رسالة أرسلها ملك الأبخاز (جورجيا) وهو ديمطريوس ابن داوود بن يعقوب الملقّب بحسام المسيح يسأل السلطان سنجر بن ملكشاه (السلجوقي) في سنة 543هـ عن بعض الأمور الدينية كما مر بنا.
ثم رجع البيهقي إلى ذكر علماء الحديث مرة أخرى، ليتوقف قليلاً على الشيخ أبي الفضل محمد بن الحسين الكاتب البيهقي المتوفى سنة 470هـ صاحب "تاريخ بيهق"، فيترجم له، فيذكر أنه كان كاتب السلطان محمود الغزنوي، وأبي نصر بن مشكان، والسلطان محمد بن محمود، والسلطان مسعود، والسلطان مودود، والسلطان فخرزاد، فكان مجموع ما خصص لهم من الصفحات ثلاثًا ما بين 175و178.
ثم رجع إلى ذكر المحدثين حتى انتهى إلى فصل جعله في ذكر بيوتات بيهق(25)، وانتهى إلى ذكر نقباء السادات(26)، ثم فصل في ذكر شعراء الفارسية(27).
وعاد بعدها إلى ذكر بعض نواحي بيهق مثل (بزركان) و(انتادة)، وذكر بعض حوادثها من دون ترتيب على السنين، فكان يقدم سنة متأخرة ويؤخر سنة متقدمة، هكذا سنة 444، 378هـ، 421هـ، 429هـ، 532هـ، 489هـ، 488هـ، 531هـ، 548هـ، 495هـ، 526هـ، 488هـ، 489هـ.
وبعد ذكره لهذه التواريخ، رجع إلى عصر نصر بن سيار(28)، ثم ذكر أحداثًا من القرن الثالث الهجري، ثم قفز إلى القرن السادس، ليقطع سلسلة الحوادث بحكاية(29)، ثم عاد إلى ذكر الوقائع وانتهى بذكر فصل عن غرائب بيهق. ثم ذكر فضلاء بيهق، وأدباءها، والخطاطين والنساخين بها(30).

وجعل في جملة غرائب بيهق أنواع الأشجار مثل الفستق، كما ذكر الدجاج فيها وعرض لوصف صلاة الجمعة والخطبة فيها حسب مدنها (سيزوار، خسرو جرد، كسكن، سدير، كراب، ياشتين، نامن، يوره، جشم، خسرو أباد، مزينان، بهمنا باد، فريذمد، ده بيشين). ووصف ماء بيهق، وجمال فتيانها وفتياتها، وجوزها، وزيتها وأعنابها، وأنواع معادنها، وأقلامها، وحريرها، وعسلها(31).
ومن جملة الغرائب التي وقعت ببيهق سقوط مطر عام 536هـ صيفًا (في حزيران) كانت القطرة تسقط بقدر الجوزة(32).
ورجع إلى ذكر حوادث التاريخ مرة أخرى ليذكر وقائع وقعت في سنة 562هـ في عصر خوارزمشاة إيل أرسلان(33). وقبل ختام الكتاب وهي خاتمة استغرقت ما بين 286-292 أرّخ في نهايتها تاريخ نسخه لهذا الكتاب (الرابع من شوال سنة ثلاث وستين وخمسمائة بقرية ششتمد).
مصادر كتاب "تاريخ بيهق"
إنّ ابن فندق البيهقي مؤلف مكثر كما عرفناه، ومن الموسوعيين الذي يؤلّفون في شتى المعارف، وكتابه الذي نحن بصدده قد تناول بيهق منذ زمن فتحها حتى عصر المؤلف؛ لهذا تنوّعت مصادره، واختلفت باختلاف ذلك التاريخ، ويمكن حصرها بما يأتي:
1- المعلومات عن أفراد عائلته
وهي معلومات لم يذكر لها مصدرًا مؤلّفًا تتعلق بأجداده، ومن انحدر منهم، ثم جدّه القريب (باستثناء أبيه كما سيأتي بيانه).
وذكر أعمامه وإخوته الأربعة ومدد أعمارهم القصيرة، ومن عاش ولم يعقب منهم. ولم ينس جدّه لأمّه أبا القاسم المتوفى سنة 483هـ وأخواله من كان له عقب ومن ليس له عقب(34)، ذاكرًا لكل واحد من أخواله ما امتاز به كأبي منصور المظفر الرئيس المكرّم المتوفى سنة 517هـ. وأمّا خاله الثاني وجيه العلماء أحمد صاحب "الأدب الجزل والقول الفصل" وحافظ كتاب الله والعالم بالقرآن المتوفى سنة 521هـ، ومثّل لبعض ما كان ينظمه لاسيما مرثيته لأخيه.
وممن ذكرهم حفيد خالته علي بن محمد الواعظ المقيم ببغداد، وأنّ له صيتًا وذِكرًا جميلاً في الشام وبغداد. وكان يختلف إلى (ابن فندق البيهقي) مدة طويلة كما قال(35).
وممن ذكرهم أيضًا جدّ جدّته من قِبَل الأب أبا الحسن علي بن إبراهيم الذي يرجع نسبه الأعلى إلى بديل بن ورقاء الخزاعي(36).
وفي أثناء ترجمته لبعض أفراد عائلة البديلي نسبة لبديل بن ورقاء الخزاعي قال: "...وأمّهما بنت عمّ أبي وهو الإمام السديد القاضي أبو الحسن علي بن الحسين بن فندق"(37).
ويبدو أنّ مصدريه الوحيدين اللذين ذكرهما يتعلقان بترجمة أبيه وهما:
أ- "سياق التاريخ" لأبي الحسن عبدالغافر الفارسي (ت 529هـ).
ب- "تاريخ بيهق" لعلي بن أبي صالح الخواري البيهقي (كان حيًّا سنة 526هـ) ويبدو أنه أخذ عنهما فضلاً عن المعلومات المتعلقة بأبيه ذكر من كان يعيش في زمنه من العلماء والمشهورين، وذكر من لحق بأواخر حياته من المشهورين(38).
أمّا مصادره التارخية عن المعلومات التي ذكرناها والتي أشار إلى رجوعه إليها فهي كالآتي، مرّتبة وفق حروف المعجم:
1- "تاريخ بغداد"، للخطيب البغدادي، المتوفى سنة 463هـ(39).
2- "تاريخ بيهق"، لأبي الفضل محمد بن الحسين الكاتب البيهقي، المتوفى سنة 470هـ(40).
3- "تاريخ الطبري"، لمحمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310هـ(41).
4- "تاريخ العتبي"، لعبدالجبار العتبي، المسمّى تاريخ اليميني(42).
5- "تاريخ محمود الغزنوي"، لأبي الفضل البيهقي(43).
6- "تاريخ ناصري"، لعله تاريخ بلخ الذي ألّفه ناصر الدين أبو القاسم محمد بن يوسف المدني الحنفي السمرقندي(44).
7- "سياق التاريخ"، لأبي الحسن عبد الغافر الفارسي، المتوفى سنة 529هـ(45).
8- "السيرة المسعودية"، لأبي يعلى البيهقي الحنيفي(46).
9- "مزيد التاريخ في أخبار خراسان"، لأبي الحسن محمد بن سليمان الخراساني(47).
10- "لباب الأنساب وألقاب الأعقاب"، لابن فندق نفسه(48).
11- "مفاخر خراسان"، لأبي القاسم الكعبي البلخي (ت 319هـ)(49).
12- "مفاخر نيسابور"، لأبي القاسم الكعبي البلخي(50).
13- "المذهب في أئمة المذهب"، لمحمد بن شعيب البيهقي (ت324هـ)(51).
أمّا مصادره الأدبية التي نقل منها بعض التراجم أو ما كان للمترجمين من أدب وشعر مما تمثّل به لهم فكما يأتي:
1. "تتمة اليتيمة"، للثعالبي عبدالملك بن محمد (ت429هـ)(52).
2. "ثمار القلوب"، للثعالبي(53).
3. "دمية القصر"، للباخرزي علي بن الحسن (ت467هـ)(54).
4. "زينة الكتاب"، لأبي الفضل محمد بن الحسين الكاتب البيهقي (ت470هـ)(55).
5. "نهاية الصناعة في الحسن والبلاغة"، لأبي المظفر إبراهيم بن محمد البيهقي(56).
6. "وشاح الدمية"، لابن فندق نفسه(57).
7. "يتيمة الدهر"، للثعالبي(58).
2- منهج "تاريخ بيهق"
من استعراض محتوى "تاريخ بيهق" يتجلى منهج المؤلف في ترتيب كتابه؛ فهو منهج مخالف لمناهج كتب تواريخ المدن المشهورة مثل "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (463هـ) الذي بدأه بالكلام عن خطط بغداد عند بنائها وتوسعها، ثم مرتبة على الرجال بادئًا بمن اسمه محمد، ثم الأسماء بعده على ترتيب الحروف، وتابعه من غير إعادة للمقدمة الخططية المؤلفون الذي ذيّلوا على تاريخ الخطيب(59).
وكذلك فعل ابن عساكر (571هـ) في "تاريخ دمشق"، ثم إنّ البيهقي لم يلتزم بترتيب رجاله على الطبقات أو الوفيات كما فعل السبكي (771هـ) في "طبقات الشافعية"، أو الصفدي (764هـ) في "الوافي بالوفيات". لقد وزّع ابن بيهق الرجال على العوائل التي حكمت خراسان، ثم البيوتات التي اشتهر رجالها بتوالي القضاء أو ممارسة التدريس والوعظ أو العلم بشكل عامّ، ثم أهل الحديث.
ولم تتجانس المساحة المخصصة لكل ترجمة، بل تفاوتت حسب شهرة المترجم أو صلة القربى. وكان يقطع سلسلة التراجم ليذكر حكايات أو فوائد.
وبعد انتهاء ابن بيهق من المترجمين عاد إلى ذكر نواحي بيهق ليشير إلى الحوادث والوقائع التي حدثت فيها، وهنا أيضًا نراه لا يلتزم بتسلسل الحوادث وفق مسيرة التاريخ كما ذكرنا سلفًا.
ثم ذكر بعد هذه الحوادث ما امتازت به بيهق من غرائب الأمور؛ فالكتاب له حسنة تميّزه عن غيره تتمثل في أنه لم يكن جافًّا جامدًا مثل بعض كتب تواريخ المدن التي لا نجد فيها شيئًا من ملامح المؤلفين إلا ما تناثر بين السطور، وما ورد عرضًا. فالبيهقي ذكر أفراد عائلته بتفصيل واسع، كما أنه أحال على كتبه في مواطن الاختصار التي لم يرد الإطالة فيها، وإعادة المعلومات التي سبق له كتابتها مثل كتابه "مشارب التجارب" أو كتاب "وشاح الدمية".
أهمية "تاريخ بيهق"
إنه من الكتب التي جمعت بين ذكر المحاسن وتراجم الرجال، وقد أفاد مؤلفه من جملة واسعة من المؤلفات السابقة لعصره أو المعاصرة له؛ وبذلك قدّم معلومات طيّبة عن بلده بيهق بشكل خاصّ، وعن بلاد خراسان بشكل عامّ، وهو حلقة في سلسلة تواريخ مدن خراسان والمشرق التي ضاع الكثير منها. كما أنه فضلاً عن تراجمه الكثيرة ذكر مؤلفات هؤلاء المترجمين في فروع المعرفة، ففي مجال الأدب العربي شعرًا ونثرًا ذكر من كتب أهل المشرق فيهما. وكذلك من ألّف في مسائل اللغة والنحو أو ما كان يتداوله العلماء من مؤلفات من سبقهم أو عاصرهم من علماء الوطن العربي.
وقد وفّق البيهقي في اختيار عيون الشعر العربي التي تمثّل بها في ثنايا الكتاب بشكل واسع لا نجده في تواريخ المدن الأخرى.
وقد حفل تاريخ بيهق بذكر الحياة الثقافية كالمساجد والمدارس(60)، فضلاً عمن ذكرنا من العلماء والمؤلفين، وكذلك ذكر المقابر والمزارات.
وقد اعتمد البيهقي ونقل من مؤلفاته من القدماء جملة من المؤلفين مثل ياقوت الحموي، وابن الأثير، وابن أبي أصيبعة، وابن خلّكان، وعلاء الدين عطا ملك جويني، وحمد المستوفي، وحاجي خليفة.
وممن استفاد من البيهقي ورجع إليه من المحدثين وخاصة المستشرقين، المستشرق دوزي (الهولندي)، وسخاو (الألماني)، وزير (الإنجليزي)، وبرج (الألماني)، وأهلورد (الألماني)، وبارتولد (الروسي)(61).
الهوامش:
* كلية الهندسة، جامعة فيلادلفيا، عمّان، المملكة الأردنية الهاشمية.
(1) البيهقي، تاريخ بيهق، 18.
(2) مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، سنة 2000م.
(3) ياقوت الحموي، معجم الأدباء، 208-218.
(4) بارتولد: بيهق، دائرة المعارف الإسلامية، 4/431.
(5) ورد في الأصل القراوي وهو تصحيف، انظر: السمعاني: التحبير في المعجم الكبير، 1/607.
(6) وردت كلمة (الأحكام) في موضعين معجم الأدباء، وهو تصحيف لكلمة الحكمة؛ إذ تنسجم وما ورد عن أستاذ خراسان.
(7) بارتولد: مادة بيهق، دائرة المعارف الإسلامية، 4/431 نقلاً عن فهرست المخطوطات الشرقية بالمتحف البريطاني رقم 3587.
(8) اعتمدت في هذا البحث على طبعة طهران بتحقيق أحمد بهمنيار، 1317هـ/1973م.
(9) تاريخ بيهق، 20. (10) نفسه، 20. (11) نفسه، 25.
(12) نفسه، 26. (13) نفسه، 28. (14) نفسه، 29-32.
(15) نفسه، 33-39. (16) نفسه، 39-54. (17) نفسه، 45-72.
(18) نفسه، 73-83. (19) نفسه، 83-93. (20) نفسه، 93-107.
(21) نفسه، 107-136. (22) نفسه، 137-147، 149-162.
(23) نفسه، 147. (24) نفسه، 163. (25) نفسه، 190.
(26) نفسه، 253. (27) نفسه، 255-266. (28) نفسه، 270.
(29) نفسه، 274. (30) نفسه، 276. (31) نفسه، 277-281.
(32) نفسه، 283. (33) نفسه، 284. (34) نفسه، 102، 105، 106.
(35) نفسه، 118. (36) نفسه، 135. (37) نفسه، 224.
(38) نفسه، 106. (39) نفسه، 227. (40) نفسه، 109، 177.
(41) نفسه، 108. (42) نفسه، 176. (43) نفسه، 122.
(44) نفسه، 175. (45) نفسه، 107. (46) نفسه، 180.
(47) ص132، 133 وعنه اقتبس ياقوت الحموي بعض المعلومات، معجم الأدباء 2/60، 4/192.
(48) تاريخ بيهق، 101، 168، 191، 204، 209، 230، 253.
(49) نفسه، 138، 154، 255. (50) نفسه، 156. (51) نفسه، 158.
(52) نفسه، 191. (53) نفسه، 84، 281.
(54) نفسه، 136، 198، 196، 178، 199، 211، 221، 222، 224، 228.
(55) نفسه، 175. (56) نفسه، 175.
(57) نفسه، 84، 98، 186، 208، 223، 224، 228.
(58) نفسه، 154، 178.
(59) انظر كتابنا: المؤرخ ابن النجار البغدادي.
(60) انظر ص189، 194، 205، 207، 221، 242، 265.
(61) انظر مقدمة أحمد بهمينار للكتاب.
المصادر والمراجع
1. ابن الأثير: أبوالحسن علي بن محمد الشيباني (630هـ/1233م) الكامل في التاريخ، مصر، 1290هـ.
2. ابن أبي أصيبعة: أبوالعباس أحمد بن القاسم الخزرجي (668هـ/1270م) عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
3. بارتولد: مادة بيهق، دائرة المعارف الإسلامية.
4. بارتولد: تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي.
5. البيهقي: علي بن زيد المعروف بابن فندق (565هـ/1170م) تاريخ بيهق، بالفارسية، تحقيق أحمد بهمنيار، طهران.
6. تاريخ حكماء الإسلام، تحقيق محمد كرد علي، دمشق، 1946م.
7. السمعاني: أبو سعد عبدالكريم التميمي (562هـ/1166م) التحبير في المعجم الكبير، تحقيق منيرة ناجي سالم، بغداد، 1395هـ/1975م.
8. عبدالجبار عبدالرحمن: ذخائر التراث العربي الإسلامي، 1401هـ/1981م.