أبو جعفر الطحاوي

مصر

الاسم: أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الطحاوي

 نسبة إلى قرية (طحا) بصعيد مصر، الفقيه الحنفي، صاحب المصنفات المفيدة، والفوائد الغزيرة، وهو أحد الثقات الأثبات، والحفَّاظ الجهابذة. وُلِد الطحاوي - على أصح الأقوال وأرجحها - سنةَ تسعٍ وثلاثين ومائتين.

نشأة الطحاوي

نشأ الطحاوي في أسرة معروفة بالعلم والتُّقى والصلاح، كما كانت ذات نفوذ ومنعة وقوة في صعيد مصر. وكان والده من أهل العلم والأدب والفضل، أما والدته فهي - على الراجح - أخت المُزَنِيِّ صاحب الإمام الشافعي (رحمهم الله تعالى)، وقد كانت معروفة بالعلم والفقه والصلاح، وقد ذكرها السيوطي فيمن كان في مصر من الفقهاء الشافعية. وبذلك هيَّأ الله للطفل الصغير الأسرة الصالحة، والبيت الصالح، ونشأ في بيئة كلها علم وفضل وصلاح.

وتتلمذ الطحاوي على يد والدته الفقيهة العالمة الفاضلة، ثم التحق بحلقة الإمام أبي زكريا يحيى بن محمد بن عمروس، والتي تلقَّى فيها مبادئ القراءة والكتابة، واستظهر القرآن الكريم، ثم جلس في حلقة والده، واستمع منه، وأخذ عنه قسطًا من العلم والأدب، ونهل الطحاوي من معين علم خاله (المُزنيِّ)، فاستمع إلى سنن الإمام الشافعي، وإلى علم الحديث ورجاله.

عصر الطحاوي

عاش الطحاوي في القرن الثالث الهجري في العصر العباسي الثاني، والذي يُعَدُّ بدء عصر انحلال الخلافة العباسية، وسمي ذلك العهد (عهد نفوذ الأتراك)؛ لتولِّي الأتراك مقاليد أمور الدولة.

والعصر العباسي الثاني عصر اضطراب وقلق وفوضى من الناحية السياسية في عاصمة الخلافة العباسية بغداد، مما أدى إلى ذهاب هيبتها وتفككها، حتى إنه لم يبقَ من الخلافة إلا اسمها، ولم يبق في يد الخليفة إلا المظاهر وأبهة الخلافة.

وقد عاصر الطحاوي جميع أمراء الدولة الطولونية، وكانت له لدى بعض أمرائها مكانة مرموقة. ومن هؤلاء الأمراء الذين عاصرهم الطحاوي:

1- أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية (254- 270هـ).

2- خمارويه بن أحمد بن طولون (270- 282هـ).

3- أبو العساكر جيش بن خمارويه (282- 283هـ).

4- هارون بن خمارويه (283- 292هـ).

5- شيبان بن أحمد (292هـ).

الحالة الدينية

عاشت مصر في عهد الدولة الطولونية متنعمة باستقرار ورخاء وهدوء، فقد شهدت البلاد على عهدهم نهضة عمرانية وصناعية وتجارية، كما كانت خزانة الأموال عامرة، وقام الطولونيون ببناء مدينة (القطائع) على طراز مدينة سامراء في العراق، فعمرت القطائع عمارة حسنة، وتفرقت فيها السكك والأزقة، وبنيت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات والأفران.

 

وكان المجتمع المصري المسلم في ذلك الوقت يتمتع بجانب كبير من التدين والصلاح والتقوى، وذلك لقربه من القرون الفاضلة، ولتوفير أسباب الصلاح، فكان يهتم عامة الناس بالعلم، وتقدير العلماء واحترامهم، وقيام العلماء بواجبهم في الإصلاح، والأمر بالمعروف، ونشر العلم، والإنكار على الطرق المنحرفة في الدين تفريطًا وإفراطًا، كما كان لصلاح الأمراء وتشجيعهم للعلماء الدافع الكبير لعجلة الإصلاح والإرشاد في المجتمع آنذاك.

طلب الطحاوي للعلم

شبَّ الطحاوي وترعرع في أسرة علمية؛ فقد تلقى مبادئ الفقه الشافعي على والده (محمد بن سلامة)، ثم أكمل تعليمه الفقهي بين يدي خاله (المزني) صاحب الشافعي، ثم انتقل الطحاوي إلى مذهب أبي حنيفة.

وذكر ابن خَلِّكان في الوفَيَات أن سبب انتقاله إلى مذهب أبي حنيفة، ورجوعه عن مذهب خاله المزني أن خاله قال له يومًا: والله لا يجيء منك شيء. فغضب وتركه، واشتغل على أبي جعفر بن أبي عمران الحنفي حتى برع، وفاق أهل زمانه، وصنَّف كتبًا كثيرة. سمع جماعة، وخرج إلى الشام سنة ثمانٍ وستين، فلقي قاضيها أبا حازم، فتفقه به وبغيره.

شيوخ الطحاوي

عُرف عن الإمام الطحاوي منذ بدء طلبه للعلم الحرص الشديد، والسعي الحثيث للاستفادة من علماء عصره، سواءٌ أكانوا من علماء مصر، أم من العلماء الوافدين عليها من مختلف الأقطار الإسلامية. ومن هؤلاء العلماء:

1- أحمد بن شعيب بن علي النسائي، صاحب السنن، كان إمامًا في الحديث (ت303هـ).

2- أحمد بن أبي عمران القاضي، ثقة مكين في العلم (ت280هـ).

3- إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي (ت304هـ).

4- إسماعيل بن يحيى المزني، خال الطحاوي، ثقة صدوق (ت264هـ).

5- بحر بن نصر بن سابق الخولاني، تلميذ الشافعي، ثقة صدوق فاضل مشهور (ت267هـ).

 

تلامذة الطحاوي

اشتهر الطحاوي بسعة اطِّلاعه في شتى علوم عصره، وذاع صيته بين طلبة العلم في تحقيق المسائل، وتدقيق الدلائل، فتوافد عليه طلاب العلم من شتى أقطار البلاد الإسلامية؛ ليستفيدوا من غزارة علمه، واتِّساع معارفه، وكان موضع إعجابهم وتقديرهم. ومن هؤلاء التلاميذ:

1- أحمد بن إبراهيم بن حماد، قاضي مصر (ت329هـ).

2- عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المؤرخ (ت347هـ).

3- سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، أبو القاسم، صاحب المعاجم (ت360هـ).

4- عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني أبو أحمد، صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل (ت365هـ).

 

مؤلَّفات الطحاوي

له الكثير من المؤلفات النافعة، ومنها:

1- أحكام القرآن الكريم. وهو تفسير لآيات الأحكام، وهو موجود في (مكتبة وزير كبري) تحت رقم (814)، ببلدة وزير كبريس زادة بشمال تركي.

2- اختلاف العلماء .وهو كتاب ضخم، ورد في مائة وثلاثين جزءًا، كما ذكر المترجمون للطحاوي، غير أنه لم يعلم عن وجوده شيء. وقد اختصره أبو بكر الجصاص (ت370هـ). وجزء من هذا المختصر موجود بمكتبة جار الله ولي الدين بإستانبول، وبدار الكتب المصرية.

3- التسوية بين حدثنا وأخبرنا. وهو رسالة صغيرة في مصطلح الحديث.

4- الجامع الكبير في الشروط. وله نسخ مخطوطة في برلين (41/ 42) القاهرة أول 3/ 102، القاهرة ثاني شهيد علي باشا (881/ 882).

5- شرح معاني الآثار. وهو في أحاديث الأحكام.

6- صحيح الآثار. محفوظ بمكتبة (بانته 1، 54، رقم 548).

7- السنن المأثورة. رواية أبي جعفر الطحاوي عن خاله المزني، عن الإمام الشافعي، وطبع حديثًا.

8- العقيدة الطحاوية. وفيه بيان معتقد أهل السنة والجماعة، نشر في قازان وفي حلب (1340هـ)، وفي بيروت (1398هـ)، وعليه شروح كثيرة.

9- مختصر الطحاوي الأوسط.

10- مشكل الآثار في اختلاف الحديث.

أما المفقود من مؤلفات الإمام الطحاوي فهو يصل إلى ثلاثة وعشرين مؤلفًا.

آراء العلماء في الطحاوي

قال معاصره وتلميذه المؤرخ ابن يونس في تاريخ العلماء المصريين: "كان الطحاوي ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلاً، لم يخلف مثله". وقال ابن النديم: "كان من أعلم الناس بسير الكوفيين وأخبارهم وفقههم، مع مشاركته في جميع مذاهب الفقهاء". وقال ابن الأثير في اللباب: "كان إمامًا، فقيهًا من الحنفيين، وكان ثقةً ثبتًا".

وقال ابن كثير: "الفقيه الحنفي، صاحب التصانيف المفيدة، والفوائد الغزيرة، وهو أحد الثقات الأثبات، والحفاظ الجهابذة". وقال ابن تغري بردي: "إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث، واختلاف العلماء والأحكام، واللغة والنحو، وصنَّف المصنفات الحسان".

وفاة الطحاوي:

توفي (رحمه الله) ليلة الخميس في مستهلِّ ذي القعدة سنةَ إحدى وعشرين وثلاثمائة، ودُفِن بالقرافة، وقبره مشهور بها، وله من العمر اثنان وثمانون عامًا، وخلَّف من الذرية ابنًا واحدًا، هو علي بن أحمد بن محمد الطحاوي.