أحمد بن محمد البنا

مصر

اسمه و نشأته:
شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي، الشهير بالبنا، والمعروف بالدمياطي. فقيه، ومقرىء، ومفتي، ومحدث
ولد أحمد الدمياطي في مدينة دمياط بمصر، ولم يتعرض أحد لتاريخ ميلاده، لكن ظروف حياته وملابساتها تدل على أنه عاش في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري وأوائل القرن الثاني عشر. وقد نشأ وتعلم بدمياط، وتلقى على علمائها مبادىء العلوم المختلفة، وحفظ القرآن الكريم، كما حصل علوم اللغة العربية وآدابها
عاش الدمياطي في عصر تسوده الفوضى والخلافات وعدم الاستقرار، من النواحي السياسية والاجتماعية، توالى فيها سلاطين العثمانيين واحداً تلو الآخر السلطة في البلاد.
ويبدو أن عدم استقرار البلاد في ذلك العصر كان من أهم الأسباب التي دعت الدمياطي إلى طلب الرحلة العديد من البلدان، حباً في الاستزادة من العلم والمعرفة .
مشائخه:
رحل الدمياطي إلى القاهرة، ومكث فترة ينتقل بين علماءها، يأخذ عنهم، ويستفيد منهم. فلازم شيخ الأقراء سلطان بن أحمد بن سلامة المزاحي المصري الشافعي (ت1075هـ)، والفقيه أبو الضياء نور الدين علي بن علي الشبراملسي (ت1087هـ)، فأخذ عنهما علم القراءات، وتفقه عليهما، وسمع عليهما الحديث، والأصول، ولازم الفقيه نور الدين علي بن محمد الأجهوري (ت1066هـ)، أخذ عنه علم الحديث، والشيخ الشمس الشوبري، والشهاب القليوبي، والشمس البابلي، والبرهان الميموني، وجماعة آخرين، واشتغل بالفنون، وبلغ من الدقة والتحقيق غاية قل أن يدركها أحد من أمثاله.
ورحل الدمياطي إلى الديار المقدسة، فأدى فريضة الحج، وأقام هناك في سبيل طلب العلم، وأخذ عن علماء تلك البلاد، ومن بينهم: الشيخ الفقيه إبراهيم بن حسن بن شهاب البرهان الشهرزوري  الكوراني الشافعي (ت1101هـ)، وظل يلازمه، ويتلقى عليه علم الحديث والفقه  والأصول ، حتى وصل إلى درجة عظيمة من العلم، أهلته لتولى منصب التدريس  والإفتاء، وبخاصة في بلد الله الحرام، بمكة المكرمة مدة طويلة، ثم رجع بعد ذلك إلى بلدته دمياط ينشر العلم فيها، ويستفيد منه العامة والخاصة، وبدأ يصنف كتبه
 ورحل الدمياطي إلى الديار المقدسة، فحج مرة ثانية، ثم تابع رحلته قاصداً بلاد اليمن، والتقى هناك بالحافظ الفقيه أبو الوفا أحمد بن محمد بن عجيل اليمني (ت1074هـ)، فأخذ منه حديث المصافحة من المعمرين، وتلقن منه الذكر على الطريقة النقشبندية، وظل ملازماً له، إلى أن بلغ مبلغ الكمل من الرجال، فأجازه ابن عجيل اليمني، وأمره بالرجوع إلى بلده لينتفع الناس به، ويستفيد منه العامة والخاصة، كما أمره بالتصدي للتسليك والإرشاد.
أعماله و مناصبه:
رجع الدمياطي إلى بلاده، وأقام مرابطاً بقرية قريبة من البحر المالح تسمى عزبة البرج (تابعة لدمياط)، فمكث بها، واشتغل بالتدريس، وإقراء القراءات، وتلقين الذكر على الطريقة النقشبندية ونال حب العلماء، وتقديرهم له، ووفد عليه طلاب العلم من النواحي المختلفة يأخذون عنه، ويتلقون عليه أصول الطريقة، وعم النفع به، حتى كثرت تلامذته، وظهرت بركته عليهم، إلى أن صاروا أئمة يقتدى بهم.
وفي ذلك يقول الجبرتي في كتابه عجائب الآثار أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي،    الشهير بالبنا، خاتمة من قام بأعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية، ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية .. وأقام مرابطاً بقرية قريبة من     البحر المالح تسمى بعزبة البرج، واشتغل بالله، وتصدى للإرشاد والتسليك، وقصد للزيارة والتبرك، والأخذ والرواية، وعم النفع به، لاسيما في الطريقة النقشبندية، وكثرت تلامذته، وظهرت بركته عليهم إلى أن صاروا أئمة يقتدى بهم، ويتبرك برؤيتهم
برز الدمياطي في سائر العلوم النقلية والعقلية، وبالأخص منها علوم الحديث، الذي وصل فيه إلى درجة المحدث، وعلم الأصول، الذي وصل فيه إلى درجة المجتهد والمفتي، كما وصل في علم القراءات إلى درجة المقرىء، وأن سنده في القراءة يتصل بسيدنا رسول الله صلى عليه وسلم.
ومن تلامذة الدمياطي البنا الذين أخذوا عنه: منهم: الشيخ محمد بن محمد البديري الحسيني الشافعي (ت1140هـ)، والشيخ أحمد بن عمر الإسقاطي المصري الحنفي (ت1159هـ)، والشيخ محمد بن محمد الحسيني التونسي البليدي المالكي (ت1176هـ) وفي آخر حياته رحل الدمياطي إلى الديار المقدسة، فحج مرة ثالثة، وأقام في المدينة المنورة بجوار الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى وافته المنية بعد ارتحال الحج بثلاثة أيام، لثلاث خلون من المحرم سنة (1117هـ)، ودفع بمقابر البقيع
مؤلفاته:
إن المؤلفات التي تركها الدمياطي، تدل دلالة واضحة على سعة إطلاعه، وعلو منزلته، في سائر العلوم النقلية والعقلية.
كتاب مختصر السيرة الحلبية: في علم الحديث.        
-    كتاب الذخائر والمهمات فيما يجب الإيمان به من المسموعات: في علم التوحيد أو المسمى علم الكلام.
-    التعليقات على شرح الشيخ جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (791ـ864هـ) لكتاب الورقات لإمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (410ـ478هـ): في علم أصول الفقه. وقد أبان الدمياطي في تعليقاته على شرح الورقات أنه عالم فاضل وأصولي مجتهد، يمتاز بدقة العبارة، والفهم الصحيح والدقيق لخبايا علم الأصول. كما أنه يمتاز بالأمانة العلمية، في نقل الآراء ونسبتها إلى أصحابها، ثم يبين رأيه فيها ـ إن كان له رأي فيها
-    كتاب إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر:
كان الدمياطي يسمي هذا الكتاب: منتهى الأماني والمسرات في علوم القراءات. وقد تحدث فيه عن سنده في علم القراءات في مقدمة هذا الكتاب فقال: قرأت القرآن العظيم من أوله إلى آخره بالقراءات العشر، بمضمون طيبة النشر المذكور، بعد حفظها على علامة العصر والأوان،الذي لم يسمح بنظيره ما تقدم من الدهور والأزمان، أبي الضياء النور علي الشبراملسي بمصر المحروسة حتى يصل بسنده في القراءة للرسول العربي عليه الصلاة والسلام
يعتبر هذا الكتاب فريداً من نوعه، إذ جمع الدمياطي فيه شتات علم القراءات في كتاب واحد        
ذكر المؤلف في مقدمته تعريف علم القراءات وأقسامها المختلفة، وأشار إلى علماء القراءات، وهم الأئمة الأربعة عشر، ورواتهم، وطرقهم، وكيف وصلت هذه القراءات إليهم، ثم أعقب ذلك بالحديث عن الرسم العثماني وأحكامه، وبين أنه لابد من كتابة المصاحف على الرسم العثماني، كما ألم بأحكام الرسم.
ثم تحدث الدمياطي عن آداب القرآن الكريم وجمعه وأحكامه الفقهية، وما ينبغي على قارىء القرآن والقراءات، ونقل موقف الإسلام وتحذيره من نسيان القرآن بعد حفظه، وكيف يستطيع طالب العلم جمع القراءات.
واهتم الدمياطي بتوجيه القراءات توجيهاً لغوياً ونحوياً، وفي نهاية كل سورة يذكر اختلاف المصاحف العثمانية في الكلمات التي وقع فيها خلاف، فبين كيفية رسمها في كل مصحف على حدة.