محمد آل رمضان الأحسائي
اسمه و نشأته:
هو العلامة الأديب الشاعر الشيخ محمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن بن الشيخ علي آل رمضان الأحسائي الخزاعي البحراني.
لا يعرف بالضبط المكان والزمان اللذان ولد فيهما الشيخ محمد آل رمضان ، ولكن على الأرجح أن ولادته كانت بحي الكوت في مدينة الهفوف عاصمة الأحساء مقر آبائه وأجداده ، أما بالنسبة لتاريخ مولده فإنه بإمكاننا أن نستشف تاريخاً مقارباً لمولده من خلال شعره ومن بعض الوثائق والحجج الشرعية التي كتبها بخطه الشريف .
فبالنسبة لشعره فقد عبر الشيخ في قصيدته المسماة "خير الوصية" عن تقدمه في السن بقوله :
بُــنــــي بُــنــــي أراني كـبرت ولاح المشيب وعظمي وهـن
وأخشى مفاجأة صرف الحمام وأنت من الجهل لم تخرجن
فهذه العبارات ( كبرت ، لاح المشيب ، عظمي وهن ، أخشى مفاجآت صرف الحمام ) لا تصور إلا رجلاً قد تقدمت به السن ، فهو يعيش في مرحلة ما بين الكهولة والشيب أي على أقل تقدير بلغ 55 عاماً ، وإذا علمنا أن القصيدة السالفة الذكر نظمها الشيخ بالأحساء قبل هجرته إلى البحرين بنحو عشر سنين تقريباً ، فيكون له من العمر عند هجرته 65 عاماً ، وإذا أضفنا مدة إقامته في البحرين والبالغة 30 عاماً ( 1210 - 1240 ) فإنه يكون عمر الشيخ عند وفاته قد قارب المائة عاماً، ومما يثبت ذلك حجة شرعية كتبها الشيخ عام 1176هـ أي قبل وفاته بـ 64عاماً ، فإذا فرضنا أن عمره عند كتابتها 30 عاماً على أقل تقدير فإنه يكون الشيخ قد عاش قرابة القرن من الزمن كما أوردنا سالفاً ، وتكون ولادته في الأربعينات من القرن الثاني عشر الهجري ، وذلك عام 1145هـ تقريباً ، أو قبل هذا التاريخ بقليل .
تولد الشيخ محمد رحمه الله من أبوين كريمين غرسا في قلبه حب المكارم ونبل الأخلاق وسقياه من معين عشق محمد وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام ، ونشأ وترعرع في كنف والده الشيخ عبدالله آل رمضان أحد علماء الأحساء في عصره ، الذي عني بتربيته وحرص على تنشأته التنشأة الدينية الصالحة فقرأ عليه القرآن الكريم وبعض المأثور من أحاديث الرسول وأهل بيته عليهم السلام ، ولم تفرس فيه علامات الذكاء والنجابة ، ولمس عنده الإستعداد والرغبة لتلقي العلم ، علمه بعض مباديء الفقه والأصول والعقائد بالإضافة إلى علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وبيان وبديع ، فكانت نشأة الشيخ في أجواء دينية في ظل أسرة أشتهرت بالعلم والفكر والأدب مما كان له أبلغ الأثر في تكوين شخصيته وتوجهه العلمي والأدبي.
المؤهلات العلمية:
بدأ الشيخ محمد تحصيله العلمي في وطنه الأحساء فأكمل فيها المقدمات والسطوح على يد والده الشيخ عبدالله بن حسن آل رمضان وغيره من علماء الأحساء في تلك الفترة ، ومن ثم رحل إلى العراق لطلب العلم ، فحضر عند جملة من علماء النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ينهل على يديهم من معين العلم والمعرفة وقد كان من بينهم ، العلامة الشيخ الجليل المولى محمد مهدي بن أبي ذر النارقي الذي يعتبر من أبرز مشائخ الشيخ محمد وأقربهم إلى نفسه ، وقد كان الشيخ محمد متأثراً بشخصية أستاذه النارقي إلى حدٍ بعيد ، ومحباً ومعظماً له ولا عجب فهو القائل :-
وشيخك فـي العلـم عـظـم له وكن مثل عبدٍ شري بالثمن
وقدم له الخف واطلب رضاه أبو الروح هذا له فخضعــن
هذا ولم يكتفي الشيخ محمد بالأخذ عن هذا العالم الجليل فحسب ، بل ها هو ذا لم يفته أن يشير على ابنه وفلذة كبده الشيخ علي وأخوانه في قصيدته "خير الوصية" بالإستفادة من علم هذا الشيخ الجليل ، وذلك من خلال الإطلاع على مصنفاته القيمة التي لم يسبقه فيها سابق ولم يلحقه بعدها لاحق ، وخاصة ما تعلق منها بالصلاة وآدابها وأسرارها ويتضح ذلك في قوله :
وإن شئـت إحـصـاء آدابــهـا وأسرارها جملة فأطلبن
لها في حقائق شيخ الشيـوخ مشرف كاشان لما سكـن
فقد جاء فيها بأقصى المـراد إلى مثله قط لا يسـبـقـن
مؤلفاته:
وصف الشيخ محمد رحمه الله من قبل أحد معاصريه كما سيأتي بيانه لاحقاً بـ"الشيخ الفاضل المحقق المدقق" ، ولا يخفى على القاريء الكريم إرتباط التحقيق والتدقيق بالكتابة والتصنيف والبحث والتأليف ، فمن هاتين العبارتين نستنتج أنه كان للشيخ محمد عدد من المؤلفات والتصنيفات ، ولكن لم يصل إلينا منها شيء ، فهي على الأرجح قد ضاعت مع الأسف الشديد ، كما ضاع الأغلب من تراث وآثار علمائنا في هذه المنطقة.
وفاته:
بعد عمر مديد ناهز القرن من الزمن قضاه مترجمنا في طاعة الله سبحانه وتعالى ومرضاته وفي خدمة العلم والدين، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبينما هو محاطاً بأهله وأبنائه وذويه ومن غير تأثر بمرض أو شكاية من علة ، اللهم إلا ما يصاحب كبر السن والشيخوخة من ضعف ووهن ، أسلم الشيخ محمد قدس سره الروح إلى بارئها وذلك في محل إقامته بقرية سلماباد بالبحرين وذلك سنة 1240هـ "البدر غاب" ، فعم لوفاته الحزن والأسى وهرع أهالي القرية بمختلف طبقاتهم يبكون ويندبون على فقد شيخهم وإمامهم الذي غمرهم بعطفه وفضله ، وقد جسد لنا هذا الحادث الجلل المتمثل في وفاة الشيخ رحمه الله ابنه الشيخ علي في رسالته التي بعثها إلى أستاذه السيد حسين البحراني ينعى فيها والده ، وفيما يلي نص كامل لتلك الرسالة ، قال الشيخ علي :- ((الحمد لله الذي خط الموت على رقاب عباده مخط القلادة على جيد الفتاة ، وجعله حائلاً بين المرء وبلوغ مناه ، وأحمده على ما إبتلانا به من فقد الآباء ، وأشكره على السراء والضراء ، والنعمة واللأوى وأصلي على نبيه محمد الذي فجعت بفقده الأرض والسماء ، محمد وآله الذين بكت عليهم السماء والأرض بالدماء ، وبعد .. فإن أخاك قد أصيب بفقد الشيبة الطاهرة والنعمة الظاهرة والدي الأسعد وسيدي الأمجد فأصبحت بفقده مجذوذ الأصل مقطوع الوصل مكسور الصلب موتور القلب ، وقد صدر عليه ما صدر من غير أن يتأثر بمرض أو نسمع منه شكاية قبل وفاته ، غير إنا أنكرنا منه بعض التغيير في ذاته والإختلال في صفاته فإستخبرنا حاله بالكتاب فأعياه رد الجواب فناديته يا أبتي أنا ابنك الذي أنت به رؤوف وهذه نساؤك التي أنت عليها عطوف كلمنا قبل أن تنقد منا الأكباد ، وتنهد منا الأجساد ، وهذا وهو بنفسه مشغول ، ولسان حاله يخاطبني ويقول :
خذ في البكاء إن الخليط مقوض فمصرع بـفـراقـهـم ومـعـرض
وأذب فؤادك فالنصير على النـوى دمع يسيل ومهجة تتفضفض
فإستصرخنا له أهل القرية والهين فأصرخون موجفين ، فلما رأوه جعلوا يرجمون في حاله بالظنون ويقولون من الطب ما لا يعلمون ، فعالجوه على جهل بدائه ، وعلم علم بدوائه ، فلم يجلب له ذلك نفعاً ، ولا لدائه دفعاً على أن الحال كما نطقت به الأمثال :-
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
فلم يكن بأسرع من أن دعاه ربه إلى جواره ليريحه من الدهر وأكداره ، فأجاب غريباً سعيداً كريماً ، فأنقلبت عند ذلك القرية بأهلها على فقد إمامها وإضطربت بنسائها ورجالها ، على إنجذاذ سنامها ، وملؤا العجاج بكاءاً وصراخاً وولوالاً ، فعموا البقاع ضجيجاً وعجيجاً وإعوالاً ، فلا ترى رجلاً إلا وبه ذهل ، ولا ترى إمرأة إلا وبها ثكل ، ولا تجد صبية ولا وصبياً إلا وقد صدر من هذا الكرب ونهل :-
مصاب لم يدع قلباً ظنيناً بـغـلـتـه ولا عـيــنــاً جمــاداً
فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فرحمة الله على والدي فإن كان إنتقل فلعمري إنه إنتقل غير ملوم ولا مذموم قد مضى طاهر الذيل نقي القلب ، صالح النية محمود السرير ، مذكور بالتقوى معروف بالصلاح موصوف بالورع الصادق على لسان كل ناطق :-
أودا وما أودة مناقبه ومن الرجال معمر الذكر
فليت شعري كيف أنسى علومه التي يمتاز منها الطالبون وأعماله التي يقتدي بها الصالحون وكيف أسلو لياليه يحييها بالتهجد والقيام ، وأيامه التي يطويها بالذكر والصيام ، لا والله بل أسكب عليه ماء الشجون ، حتى يقال ما هذا بكاء هذا جنون ، وأكون في أودية الحزن عليه من السالكين حتى أكون من الهالكين فالله أسأل له أن يلبسه حلل رحمته ويبوئه دار كرامته مع النبي وعترته ، وأن يهب لنا على جليل رزيتنا أفضل ما وهب للبرية على جليل الرزية ، إنه جواد كريم والسلام ))... وبعد أن تم تشييعه بحفاوة وتكريم يليقان بمقامه دفن في نفس القرية في الحجرة التي تضم قبر العلامة الشيخ مفلح الصيميري وقبره معروف يزار بعد الشيخ مفلح .
أخذت من:
http://www.alramadhan.net/adabshaur00/buhoth/alshekh_moh'd/alshekh_moh'd.htm