محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني
محمد بن علي بن حزام بن أحمد بن سعيد بن إسماعيل بن عبادي بن الهادي بن عمر بن تاج الدين، الفضلي نسبة إلى بني فضل من قبائل آنس، انتقل أجدادي المتقدمون قبل ثلاثة قرون من الزمن، وسكنوا بعدان في ناحية (الحَرَث) منها، في قرية (المِحْيَب) فصارت نسبتنا إلى بعدان لِقِدَمِ مقامنا فيها.
كانت ولادتي في اليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر، من عام ألف وأربعمائة، ومكثت في مهدي في بعدان بضعة أشهر، ثم انتقل بنا والدنا إلى مدينة إب، وسكنتها وترعرعت فيها، فهي منشئي الأول.
بعد بلوغي سن التمييز ألحقني الوالد في (المعهد العلمي) الذي كان يقوم به الأستاذ الفاضل أحمد الراشدي عليه رحمة الله، وكان من خير المدارس الحكومية في ذلك الوقت؛ فقد كان المدير رحمه الله ممن تخرج من الجامعة الإسلامية، وكان له معرفة بشيخنا الإمام مقبل الوادعي رحمه الله، وقد أضاف في هذا المعهد دروسا إضافية فوق المقرر من قبل الوزارة، فتعلمنا القراءة والكتابة، وبعض العلوم الشرعية، وكان مما قرر في هذا المعهد آنذاك حفظ القرآن الكريم، والأربعون النووية، وعمدة الأحكام، وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب، والآجرومية والرحبية ومنظومة العمريطي، ومنظومة البيقوني على مستويات مختلفة.
ومن نعم الله الجليلة علي وله الحمد الأكمل، أن حبب في قلبي الإيمان والعلم النافع، والعمل الصالح، من حداثة سني، فسبحان ربي وبحمده، لا أحصي ثناء على الله، هو كما أثنى على نفسه عز وجل ذو الجلال والإكرام.
وقد نشأت بفضل الله عز وجل بين أسرة على السنة، محافظة على فرائض الله عز وجل؛ فقد منَّ الله علي بوالدين محافظين على فرائض الدين، وأهمها الصلوات الخمس فنشأت بفضل الله عز وجل على هذا الخير؛ فغفر الله لهما، ورحمهما كما ربياني صغيرا.
وكان والِدي غفر الله له يأمرنا بالمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، بل حتى بالمحافظة على الرواتب.
ومن فضل الله عز وجل أن فطرنا على بغض الحزبية والتفرق بين المسلمين؛ فلم نلتحق في أي جماعة من الجماعات المخالفة للسنة.
وكان قد تربص بي وطمع بي وأنا في حداثة سني في نحو الرابعة عشر من عمري بعض الإخوان المفلسين، وأذنابهم ولكن الله عصمني منهم، ومن بدعهم بفضله ومنته.
وكنت أحب مجالس الوعظ وحلقات العلم فأحضر فيها دون تمييز بين أهل السنة وغيرهم في ذلك الزمان.
وبدأت بالتمييز بين الدعوات ومعرفة السنة بفضل الله عز وجل على يد شيخنا الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله، فقد زارنا في مدينة إب في عام (1414) من الهجرة النبوية، وألقى محاضرة في (مسجد النور) في (مدينة إب) من بلاد (اليمن)؛ فاستفدنا منه وعرفنا دعوته، وحضرنا بعض الدروس لبعض طلبة العلم الذين درسوا بعض الأشهر عنده.
ثم يسر الله لنا زيارة لدار الحديث بدماج في عيد الأضحى من عام (1414) مع مجموعة كبيرة من أهل السنة والجماعة من مدينة إب، مكثنا فيها يومين أو ثلاثة، ثم رجعنا إلى مدينتنا ونحن نشعر بحلاوة السنة والحق.
ثم مكثت أشهر في دراسة المدارس الحكومية حتى أتت العطلة الصيفية، فارتحلت وأنا في الخامسة عشر من عمري في أوائل عام (1415) فمكثت هنالك شهرين وبعض شهر عند الإمام الوادعي رحمه الله، ورضي عنه.
مكثنا تلك المدة اليسيرة عند ذلكم الإمام نستفيد منه ونجد للعلم حلاوة لا تقوم لها الدنيا، وحفظت آنذاك شيئا من القرآن؛ حيث لم أكن أحفظ قبل رحلتي سوى جزيئي تبارك، وعم، وفي ذينك الشهرين واصلت الحفظ للقرآن حتى بلغت سورة (يس) بفضل الله عز وجل، وحضرنا بعض الدروس اليسيرة في التوحيد والنحو والمصطلح لبعض طلاب الشيخ رحمه الله.
وفي هذه الآونة التي كنت فيها بدماج نزل الشيخ عبد المصور العرومي رحمه الله من دماج إلى مدينة إب لتدريس طلاب العلم فيها فأقام في مسجد صغير في (المشنة)، وبدأ فيه بالتدريس.
فبعد رجوعي من دماج لازمت الذهاب إلى هذا المسجد لأخذ العلم هنالك، والمواصلة في حفظ القرآن.
أخذنا من الشيخ عبد المصور العرومي رحمه الله بعض الدروس من صحيح البخاري ومن التفسير والعقيدة الواسطية وكان يشجع الطلاب على الحفظ وعلى الإلقاء رحمه الله.
مكثنا سنتين في مسجد المشنة، ثم بني مسجد للشيخ عبد المصور في عام (1417) وسمي مسجد السنة في (شعب المنيل).
وفي هذا العام (1417) زارنا الإمام مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله مرة أخرى إلى مدينة إب، وألقى محاضرة في مصلى العيد حيث لم تسع المساجد للجموع التي حضرت، ثم ألقى كلمة بعد صلاة الفجر في مسجد السنة عند الشيخ عبد المصور رحمه الله.
وفي هذا العام (1417) يسر الله لي زيارة أخرى إلى دار الحديث بدماج مع بعض الأخوة مكثت فيها يومين، ثم انصرفنا.
مكثنا ثلاث سنوات نأخذ بعض الدروس عن الشيخ عبد المصور، ولم نتفرغ للعلم بسبب المدارس الحكومية من جهة، ومن جهة أخرى بعض الأعمال الدنيوية التي كنا نساعد فيها الوالد بالقيام على النفقة.
تيسر لي في هذه المدة أخذ بعض الدروس في التجويد، وفي أصول الفقه، وفي المصطلح، وحفظت فيها عمدة الأحكام، ومنظومة العمريطي في أصول الفقه، ومنظومة البيقوني في مصطلح الحديث، والمنظومة الرحبية في الفرائض.
في هذا العام (1417) يسر الله لي إكمال حفظ عمدة الأحكام. وفي يوم الجمعة الموافق (12) من ذي القعدة من هذا العام (1417) أكملت حفظ القرآن الكريم، الذي حفظته تدريجيا على مدى هذه السنوات، وشرعت فيها بحفظ (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) للحافظ ابن حجر رحمه الله حتى بلغت فيه ما يقارب الثلث.
في أوائل العام (1418) من الهجرة النبوية انتهينا من المدارس الحكومية، وقد ضقنا بها ذرعا، وقد اشتد الشوق للرحلة لطلب العلم في دار الحديث بدماج، فارتحلنا بعدها مباشرة إلى تلكم الدار الطيبة التي نفع الله بها الإسلام والمسلمين.
وصلنا إلى تلك الدار المباركة بنية الاستمرار في طلب العلم والانقطاع عن الدنيا وأهلها، وكان وصولنا إليها في ليلة الجمعة الموافق (29) من شهر صفر، من عام (1418) من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
وصلنا إلى دار الحديث بدماج، ووجدنا حلاوة العلم والإيمان، ووجدنا انشراح الصدور، وطمأنينة النفوس، ووجدنا للعلم لذة لا تقوم لها الدنيا.
وصلنا إلى إمام محدث مجدد عظيم القدر، سخر عمره لخدمة الدين، وسخر أوقاته للعلم والتعليم، لم تر عينيَّ مثله زهدا في الدنيا، وتواضعا وحرصا على طلابه وأبنائه، وتجردا للحق، وصدعًا به مع الحكمة والنصح، والصدق والإخلاص، والغيرة على الحق والسنة، مجالسه العامة والخاصة معمرة بالعلم والتعليم والأسئلة العلمية لاسيما في علم الحديث، وعلم الرجال، وعلم النحو وغيرها من العلوم الشرعية.
مكثت في حلقات هذا الإمام المجدد ثلاث سنوات نستفيد من علمه ومن أخلاقه العالية.
أخذنا عنه في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم وفي الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، وفي تفسير ابن كثير، وفي مستدرك الحاكم، وفي الصحيح المسند من دلائل النبوة وفي الجامع الصحيح في القدر، وقرأ علينا كتابه غارة الفصل، وكتابه ذم المسألة.
استفدنا من الشيخ العلم الكثير في حلقاته المباركة في الحديث والفقه والعقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح، والثبات عليه واستفدنا من أخلاقه العظيمة.
في العام الأول من وصولي إلى تلك الدار المباركة (1418) أقبلت فيها على إتقان القرآن وأكملت فيه حفظ بلوغ المرام بالمزاملة مع بعض إخواني طلاب العلم، ثم انتهيت من حفظ كتاب بلوغ المرام في يوم الجمعة الموافق (3) من جمادى الأولى من عام (1418) من الهجرة النبوية.
في يوم الأربعاء الموافق (22) من جمادى الأولى من عام (1418) شرعت في حفظ (رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين) للإمام النووي رحمه الله، وكنت حريصًا على إكماله في آخر شهر رمضان من العام نفسه؛ فكان ذلك بفضل الله عز وجل وتوفيقه؛ إلا أنه لم يحصل الإتقان الكافي في أواخر الكتاب بسبب التعجل، فحصل إتقانه بعد رمضان أثناء مراجعته بفضل الله المنان الكريم الرحمن.
في هذا العام (1418) أقبلت على الحفظ، واكتفيت بالدروس العامة التي نتلقاها من شيخنا الإمام الوادعي، ولم أحرص على الدروس الخاصة التي تلقى آنذاك، غير أني أخذت بعض الدروس في الدراري المضية في بعض أبواب الطهارة، والصلاة، وقرأت شروح الإمام العثيمين على الأصول الثلاثة، وعلى كشف الشبهات، وكنت أطالع في بعض شروح الأحاديث، كسبل السلام وشروح رياض الصالحين، وأحيانا في شرح مسلم للنووي، وفتح الباري للحافظ ابن حجر رحمهما الله، وقراءة بعض الكتب المتعلقة بالرقائق ككتاب الفوائد لابن القيم، والجواب الكافي له أيضا، وكنت أقرأ أيضًا من كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، للإمام الشنقيطي.
في هذا العام المبارك (1418) أنعم الله على بالتعارف مع أخي الجليل وشيخي النبيل الناصح الكريم الشيخ أبي خالد سرور بن أحمد بن معيض الوادعي الخلالي البوني حفظه الله ورعاه؛ فقذف الله في قلبه الرحمة والرأفة والمحبة العظيمة لي مما جعله يعينني على طلب العلم بكل ما يقدر عليه من النصائح الرشيدة والتوجيهات الحميدة وبذل الأوقات الطويلة في عرض المحفوظات عليه، وإبعاد جلساء السوء من مقاربتي ومواساتي بنفسه وماله؛ فعاملني ونصحني أعظم من معاملة الوالد ونصحه لولده؛ فجزاه الله عني خير ما جزى الناصحين، وأسأل الله أن يحفظه وأن يرعاه وأن يصرف عنه شرور الدنيا والآخرة، وأن يقر عينه في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، وأسأله سبحانه أن يبارك له في أهله وماله وأولاده وفيما رزقه وأعطاه، وأسأله سبحانه أن يقينا وإياه فتنة المحيا والممات، وأن يثبتنا على دينه إلى يوم نلقاه.
في عام (1419) أقبلت على مراجعة رياض الصالحين وبلوغ المرام وعمدة الأحكام وإتقانها.
وأخذت في هذا العام (1419) بعض الدروس في مصطلح الحديث وأصول الفقه، فقرأنا كتاب (نزهة النظر) و(التقييد والإيضاح)، و(ضوابط الجرح والتعديل) مع بعض طلبة العلم الليبيين جزاهم الله خيرًا، وكتاب (المذكرة في أصول الفقه) للشنقيطي مع بعض طلبة العلم اليمنيين.
في عام (1419) حفظت ألفية ابن مالك في النحو والصرف، وألفية العراقي في مصطلح الحديث على يدي أخي الجليل سرور الوادعي حفظه الله وعافاه.
في هذا العام (1419) قرأت كتاب الشريعة للآجري، واقتضاء الصراط المستقيم، وقرأت جُلَّ كتاب الاعتصام للشاطبي، وقرأت في شرح ألفية العراقي للسخاوي، وفي تدريب الراوي للسيوطي رحمة الله عليهم أجمعين.
وفي هذا العام أيضًا حصل لي زيارة إلى مدينة إب فدرَّست في مسجد السنة لامية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العشر الأواخر من رمضان، ثم يسر الله بعد ذلك كتابة الشرح وتهذيبه ثم إخراجه للمسلمين.
في شهر ذي الحجة من عام (1419) بدأت بحفظ (صحيح مسلم) على يدي أخي الجليل سرور بن أحمد الوادعي حفظه الله ورعاه، فاستمررت بحفظه مع مراجعة بلوغ المرام ورياض الصالحين على يديه حتى انتهيت بفضل الله عز وجل من حفظ صحيح مسلم في يوم الثلاثاء، الموافق الثامن والعشرين من شهر رمضان من عام (1420).
في هذا العام (1420) التمست من يدرسني في شرح الطحاوية لابن أبي العز، فلم يتيسر أحد يدرسها فعزمت على قراءة الشرح بنفسي فكان ذلك بفضل الله عز وجل، ثم انتهيت من قراءته في اليوم (29) من شهر شعبان من عام (1420). ثم قرأت الكتاب مرة أخرى في عام (1422) وانتهيت من قراءته في (24) من شهر رجب من هذا العام، بفضل الله عز وجل. وكان ما أشكل علي من شرح ابن أبي العز أراجع كلام أهل العلم عليه في كتب العقيدة ففتح الله عليَّ بفضله ومنته بخير كثير.
وفي عام (1420-1421) قرأت شرح مسلم للإمام النووي رحمه الله، وكان الفراغ من قراءته بفضل الله عز وجل في شهر ربيع الآخر من عام (1421) من الهجرة النبوية.
وفي عام (1421) قرأت تفسير ابن كثير قراءة خاصة بي فمررت على الكتاب كاملا، غير أني كنت أترك قراءة الإسرائيليات، وأترك أيضًا قراءة طرق الأحاديث التي يوردها ابن كثير؛ للتسهيل على نفسي بالمرور على هذا الكتاب المبارك.
وفي هذا العام (1421) في اليوم التاسع من شهر محرم، ابتدأت حفظ (الصحيح المسند من أسباب النزول) على يد أخي الكريم سرور الوادعي عافاه الله، وانتهيت من حفظه بفضل المولى جل وعلا في اليوم الرابع من شهر ربيع الآخر من عام (1421)؛ فالحمد لله على ما ألهم وعلم.
وفي هذا العام (1421) في اليوم السادس عشر من شهر ربيع الآخر ابتدأت بفضل الله عز وجل في حفظ (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين) على يد أخي الجليل الشيخ سرور الوادعي حفظه الله، وانتهيت من حفظ الكتاب بتوفيق الله في (29) من شعبان من عام (1421) من الهجرة فلله الحمد والمنة، لا أحصي ثناء على الله.
وفي هذا العام (1421) فتحت لإخواني طلبة العلم بعض الدروس؛ فدرست كتاب الواسطية بشرح الهراس، وفتحت أيضًا درسًا في اختصار علوم الحديث لابن كثير رحمه الله، ثم في أواخر عام (1421) وأوائل عام (1422) فتحت درسًا في نزهة النظر للحافظ ابن حجر رحمه الله، ثم بعده درسًا في كتاب ضوابط الجرح والتعديل، وتوفي شيخنا رحمه الله ونحن ندرس في هذا الكتاب فعليه رحمة الله الواسعة.
وفي عام (1421-1422) قرأت خمسة مجلدات من كتاب إرواء الغليل ومجلدين من السلسلة الصحيحة، وكان الغرض من ذلك الاستفادة من الإمام الألباني والتعرف على طريقته في جمع الطرق والحكم على الحديث؛ فاستفدت من ذلك استفادة كثيرة؛ فإن الطريقة التطبيقية أنفع بكثير لطالب العلم من الطريقة النظرية فقط، فتعرفت على كتب التخريج والعلل التي ينقل عنها الإمام الألباني ويستفيد منها، وتعرفت على كتب المحدثين، وبدأت أمارس بحث الحديث وجمع طرقه فالحمد لله على ما ألهم وعلم.
في هذا العام (1422) في ليلة الأحد الموافق اليوم الأول من شهر جمادى الأولى بعد غروب شمس يوم السبت، توفي شيخنا الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله بعد فراقه لنا لمدة سنة كاملة، حيث فارقنا رحمه الله من دار الحديث بدماج في فجر يوم الأحد الموافق (15) من شهر ربيع الأول، من عام (1421) من الهجرة النبوية، ظل في هذا العام يتنقل للعلاج إلى السعودية ثم إلى أمريكا، ثم إلى ألمانيا، وتيسر له العمرة في رمضان والحج في هذا العام فعليه رحمة الله الواسعة.
ثم أوصى بكرسيه وداره دار الحديث لشيخنا الجليل الناصح الأمين، والغيور على الدين، فضيلة الشيخ أبي عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري حفظه الله وعافاه، فأحسن القيام على دار الحديث، ونفع الله عز وجل به الإسلام والمسلمين.
وقد لازمنا شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله وعافاه، وتلقينا عنه جميع دروسه التي ألقاها على كرسيه منذ عام (1421) إلى العام الذي أخرجنا فيه من دار الحديث ظلما وعدوانا في يوم الأربعاء الموافق (14) من ربيع الأول من عام (1435)، عامل الله من أخرجنا مظلومين بعدله، وهو أحكم الحاكمين.
فاستفدنا من شيخنا يحيى الحجوري حفظه الله ومن نصائحه وإرشاداته الخير الكثير فشكر الله له وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
ومما درسنا على يديه، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، وتفسير ابن كثير، والسنن الصغرى للبيهقي، والرسالة الوافية للإمام الداني، والعقيدة الواسطية، ومقدمة سنن الدارمي، وأخلاق العلماء للآجري، واقتضاء الصراط المستقيم، ولامية ابن الوردي، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، وغيرها من دروس العلم؛ فجزاه الله خير الجزاء وثبتنا وإياه على الحق والسنة حتى نلقاه.
في هذا العام (1422) في شهر رجب منَّ الله عليَّ بتأليف كتاب (إتحاف الأنام بأحكام ومسائل الصيام)، مع تدريسه لإخواني طلبة العلم؛ وكان ابتداءً شرحا لكتاب الصيام من بلوغ المرام، ثم بعد ذلك هذبته ورتبته ترتيبا متناسبًا، فكان أول كتاب لي يمن الله علي بتأليفه، ثم حصل بعد ذلك تهذيبه وطباعته بفضل الله عز وجل.
في عام (1422) قرأت مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية فمررت عليه كاملا بفضل الله عز وجل غير أني تركت قراءة علم الكلام والمنطق والمناقشة لأقوال الفلاسفة لصعوبتها علي آنذاك ولقلة الفائدة منها.
في هذا العام (1422) عرض شيخنا يحيى على طلبة العلم شرح أبيات السيوطي في منسوخ القرآن، فاخترت هذا البحث، وشرحته في عدد من الأسابيع فيسر الله إكماله، وسميته: (فتح المنان فيما صح من منسوخ القرآن).
وعرض أيضًا شيخنا يحيى حفظه الله على طلبة العلم تحقيق فتح الباري للحافظ ابن حجر، ووزع أجزاءه على طلبة العلم لتحقيقه، فاخترت الجزء التاسع منه فاستعنا بالله على تحقيقه وتخريجه، ثم أكملناه بفضل الله عز وجل، نسأل الله أن ييسر طباعته ونشره.
وفي هذا العام (1422)، والذي يليه (1423) قرأت فتح الباري للحافظ ابن حجر فيسر الله لي قراءته حتى بلغت الجزء السادس، وبعض السابع، ثم شغلت عن إتمامه بأعمال أخرى.
في عام (1423) عزمت على تحقيق، وتخريج أحاديث وآثار كتاب المغني لابن قدامة رحمه الله؛ فبدأت به مستعينا بالله في يوم السبت الموافق (20) من شهر ربيع الأول، والحمد لله الذي هداني لهذا العمل، فمكثت فيه ما شاء الله وشغلت بتحقيق الجزء التاسع من فتح الباري في بعض الوقت، ثم شغلت أيضًا بتدريس بلوغ المرام، مع تأليف فتح العلام، فمضى علي في تحقيق المغني فترة طويلة، وأنا أتقطع عنه بسبب المشاغل الأخرى، فلما كان في عام (1428)، ورأيت تأخري في الكتاب أشركت معي أخوين من طلابي، ثم استعنا بالله على ذلك حتى خلصنا منه بفضل الله في عام (1436)، وكان التأخر فيه بسبب ما مرت عليه البلاد من الفتن والحروب.
في عام (1423) درست إخواني في العقيدة الواسطية بشرح الهراس رحمه الله.
وفي عام (1424) درست إخواني طلاب العلم شرح الطحاوية لابن أبي العز، وهي المرة الأولى لي في تدريس هذا الكتاب، ثم درسته مرة أخرى في عام (1425)، ثم درسته مرة ثالثة في عام (1430)؛ فلله الحمد على ما ألهم وعلم.
في هذا العام (1424) بعد انتهائي من تدريس شرح الطحاوية، منَّ الله علي بفتح درس (بلوغ المرام من أدلة الأحكام) للحافظ ابن حجر رحمه الله؛ فكان منحة إلاهية بفضل الله ومنته؛ فاستمررت في تدريسه أربع سنين؛ حتى أثمر بفضل الله عز وجل بـ( فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام حديثيا وفقهيا)؛ فلله الحمد لا أحصي ثناء عليه، ثم راجعت كتاب فتح العلام أربع سنين أخرى وهذبته وزدت عليه حتى طبع بفضل الله عز وجل أول طبعة في عام (1432). والحمد لله رب العالمين.
من عام (1424) إلى عام (1428) قضيت أوقاتي بتدريس بلوغ المرام من أدلة الأحكام مع مراجعة ما يسره الله من محفوظات في السنة النبوية، ويتخلل ذلك الخروج دعوة إلى الله عز وجل؛ فمرت أيام مباركة جعل الله فيها الخير والبركة العظيمة بفضله ورحمته.
في عام (1425) في شهر محرم بدأت بحفظ أفراد صحيح الإمام البخاري التي انفرد بها عن الإمام مسلم، على يد أخي الجليل الشيخ سرور الوادعي حفظه الله، حتى انتهيت منها بفضل الله عز وجل في رمضان من هذا العام، بسبب انشغالي بأعمالي الأخرى.
وفي عام (1427) يسر الله لي الحج في هذا العام، وتلقينا بعض الدروس في مقامنا بالمدينة النبوية، من الشيخ عبد المحسن العباد، ومن الشيخ صالح السحيمي عافاهما الله، وكانت مدة الإقامة (4) أيام فقط.
في عام (1428) أشركت معي الأخوين خليل العديني ويوسف الشرعبي عافاهما الله في تحقيق وتخريج أحاديث المغني لابن قدامة رحمه الله فأقبلنا على ذلك العمل مستعينين بالله عز وجل حتى تم لنا ذلك في عام (1436)، والسبب في التأخر هو ما مرت عليه دار الحديث بدماج من محنة الرافضة، والحروب والحصار التي جرى عليها لمدة سنوات عديدة حتى أخرجنا منها ظلما وعدوانا في (14) من ربيع الأول من عام (1435).
في عام (1428) إلى عام (1430) فتحنا في هذه المدة دروسًا متعددة، فدرَّسنا في هذه المدة (فتح المجيد)، و(شرح منظومة العمريطي)، و(المذكرة في أصول الفقة) للشنقيطي، و(نزهة النظر)، و(التقييد والإيضاح)، و(شرح الطحاوية لابن أبي العز) مع قيامي بتخريج أحاديث المغني، ومراجعة كتاب فتح العلام، مع الاستمرار في مراجعة المحفوظات، والخروج الدعوي في بعض الأوقات؛ فالحمد لله على جميع نعمه وآلائه.
في عام (1430) يسر الله لي الخروج دعوة إلى بلاد ماليزيا؛ فأقمت فيها أسبوعين، يسر الله فيها بتدريس أبواب كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ويسر الله في مدة مقامي هنالك كتابة رسالة في الدعوة إلى الإسلام، وهي المطبوعة بفضل الله باسم (دين الإسلام هو دين السعادة).
في عام (1430) في أواخر شهر شوال شرعت بجمع كتاب (المختار من أحاديث سيد الأبرار في المعتقد الصحيح)، وكان السبب في ذلك أني رأيت عامة طلبة العلم لا يجدون كتابا يحفظونه في العقيدة غير متون فيها كلام لأهل العلم، فأحببت أن أجمع كتابا فيه أحاديث رسول الله ﷺ في هذا الباب فيسر الله لي ذلك، فكنت أجمع ذلك بتؤدة مع انشغالي بأعمال أخرى، حتى فرغت من تأليف الكتاب بفضل الله عز وجل في شهر جمادى الأولى من عام (1431) من الهجرة النبوية.
في عام (1431) طبع لي كتاب (التوضيح المفيد على كتاب فتح المجيد- تحقيقا وتخريجا وتعليقا) فأعدت تدريس كتاب فتح المجيد مرة أخرى لإخواني طلبة العلم فابتدأت في يوم السبت الموافق (11) من شهر صفر من عام (1432)، وكان الفراغ من تدريسه في يوم الأربعاء الموافق (20) من شهر رجب، من عام (1432)، فجعل الله في ذلك التدريس الخير والبركة، وسجلت الدروس في ملفات صوتية، وهي المنشورة بين طلبة العلم؛ فالحمد الله، لا أحصي ثناء على الله.
في عام (1432) طبع لي كتاب (المختار من أحاديث سيد الأبرار في المعتقد الصحيح)، فقمت بتدريسه في هذا العام فاستمر تدريسه خمسة أشهر، ثم انتهينا منه بفضل الله عز وجل وعونه، وأثمر هذا التدريس كتاب (رياض الأخيار بدراسة أحاديث المختار) بفضل الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، ولم يكن الكتاب كاملا حتى يسر الله لي إكماله وتهذيبه في عام (1437) في مدة مقامي في مدينة إب في مسجد الفاروق حرسه الله ودعوتنا وطلابنا من كل سوء ومكروه.
في نفس العام أيضًا (1432) طبع لي أيضًا كتاب (فتح العلام بدراسة أحاديث بلوغ المرام) ففتحت فيه درسًا، واستمررنا فيه بفضل الله عز وجل حتى انقطعنا عن التدريس في الحرب الذي شنته الرافضة على أهل السنة والجماعة في تلك البلاد في عام (1434-1435)، وكنا قد وصلنا في تدريسه إلى منتصف الكتاب، ثم بعد إخراجنا من دار الحديث بدماج، واصلنا تدريس هذا الكتاب المبارك في شهر شوال من عام (1435) في مسجد الفاروق في مدينة (إب) ففتح الله علينا بإكماله في (29) من شهر شعبان من عام (1437)؛ فاستفدنا من هذا الكتاب الخير الكثير بفضل الله ورحمته ومنته وإحسانه.
عند أن ابتدأت تدريس فتح العلام في عام (1432) فتح الله علي وألهمني بفضله ورحمته أن ابتدئ تأليف كتاب (الجامع الصحيح في الفقه الشرعي)، وهذا الكتاب سلكت فيه مسلك فقهاء المحدثين الذين جمعوا بين الحديث والفقه، على طريقة الإمام البخاري والترمذي وأبي داود وابن خزيمة وأبي عوانة وغيرهم ممن يبوب بالحكم الشرعي، ثم يذكر الأدلة عليه، وقد تحريت فيه جمع الصحيح من الأحاديث وآثار الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد زامن تأليف هذا الكتاب تدريسي لفتح العلام، حتى وصلت إلى باب الجنائز، ثم عجزت عن المواصلة فيه، مع تدريس فتح العلام، فاكتفيت بتدريس فتح العلام، وأسأل الله الكريم المنان أن ييسر لي المواصلة في تأليف الكتاب المذكور، وأن يمن علي بإكماله، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.
وإذا منَّ الله علي بإكمال هذا الكتاب؛ فأنا أعدُّ هذا من أعظم الكرامات التي أكرمني بها ربي عز وجل. أسأل الله العظيم ذا الجلال والإكرام الحي القيوم، الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، أن ييسر لي إكمال هذا السفر العظيم الذي أرجوا أن يكون مرجعا للعلماء ولطلبة العلم ولجميع الأمة، والمتوقع فيه أن يزيد على عشرة مجلدات، فاللهم أكرمني بهذا الخير، ويسر لي سبله برحمتك ومنتك يا أرحم الراحمين.
بعد خروجنا من دماج في يوم الأربعاء (14) من شهر ربيع الأول من عام (1435) إلى عامنا هذا (1437) أقمنا في مسجد الفاروق في حي أبلان من مديرية الظهار، من محافظة إب، وحصل خير كثير في هذه المدة من الدروس النافعة، والدعوة المباركة في هذه البلاد التي لم يحصل للدعوة فيها انتشار وقوة كما حصل في مثل هذه الأيام المباركة بفضل الله عز وجل ومنته، لا بحول منا ولا بقوة، ولا بذكاء ولا بحرص، إنما ذلك بفضل الله عز وجل ورحمته.