إيهاب بن أحمد فكري
هو الشيخ إيهاب بن أحمد فكري حيدر بن موسى بن إسماعيل، ولد في القاهرة في 6/12/1374هـ الموافق 1955م، وتخرج من كلية طب عين شمس.
وقد بدأ الشيخ حفظه الله طلب العلم منذ سن مبكرة، ومما يدلك على جلد الشيخ وصبره على طلب العلم في سن صغيرة ومما يدل على تجرده أيضا ورجوعه للحق أنه قال لي ذات مرة أنه قرأ تفسير سيد قطب "في ظلال القرآن" كاملا من أوله إلى آخره أثناء فترة دراسته في كلية الطب، ثم قال لي: ولقد كنت أظن أن كل ما في هذا الكتاب صحيح، حتى درست عند الشيخ عبد العزيز ابن باز فعلمت أن الكتاب فيه مسائل فكرية عدة تخالف المنهج الصحيح. ا.هـ.
بعد إتمام الشيخ دراسته في كلية الطب سافر إلى الرياض فقط من أجل أن يحضر دروس العلامة ابن باز ، وكانت الفترة المحددة لإقامة الشيخ في الرياض هي ستة أشهر فقط يطلب فيها العلم ثم يعود إلى مصر مرة أخرى، إلا أنه في أثناء هذه الستة عشر، قتل الرئيس المصري أنور السادات على يد أفراد من الجماعة الإسلامية، مما جعل أجهزة الأمن تشن حملة شعواء على الملتحين والمنتمين للجماعات الإسلامية ومن له أدنى علاقة بالدين والتدين، فلم يتمكن الشيخ من الرجوع إلى مصر، فساعده إخوانه حتى حصل على عمل بالرياض ومكث فيها خمسة عشر سنة، فانظر إلى تقدير الله .
لزم الشيخ إيهاب حفظه الله في هذه الفترة دروس العلامة ابن باز ودرس عليه الكتب الستة وغيرها من كتب السنة والحديث، فقد كان انشغال الشيخ في البداية بعلم الحديث، وحفظ ألفية الحديث ودرس المصطلح والجرح والتعديل وعلوم الحديث، كما أنه درس الأصول وحفظ مراقي السعود، ودرس الفقه الشافعي على الشيخ نجيب المطيعي ، كما أنه درس على فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين وحضر بعض دروسه في القصيم، كما أنه حضر أيضا للشيخ ابن غديان في الفقه والأصول.
ولقد كان لشيخنا حفظه الله مع علم القراءات قصة عجيبة، فقد كان الشيخ لا يعرف عن علم القراءات الكثير، ولم يكن يتخيل أن يتخصص فيه في يوم من الأيام وإنما كان انشغال الشيخ بعلوم الحديث والفقه والأصول والتفسير واللغة، إلا أنه كان يريد أن يحصل على سند في رواية حفص فقط، فعرض الأمر على زميله الشيخ الدكتور أحمد المعصراوي شيخ المقارئ المصرية حاليا، والذي كان مقيما في الرياض في نفس الفترة، فوافق الشيخ المعصراوي على أن يقرأ الشيخ إيهاب بقصر المنفصل نظرًا لضيق وقت الشيخ المعصراوي، وبعد انتهاء الشيخ إيهاب من ختمته قال له الشيخ المعصراوي: إن إجازتي في حفص من طريق الشاطبية وليس فيها القصر فلا أدري هل يجوز أن أجيزك من طريقها بالقصر أم لا فدعنا نسأل، فتوجه شيخنا إيهاب إلى الشيخ محمد عيد عابدين وهو من علماء القراءات الكبار فسأله الشيخ عن ذلك فأجاب الشيخ عابدين بعدم الجواز، فيقول الشيخ إيهاب: فأكبرت هذا العلم لما في من الدقة والمصداقية، ولما طلب الشيخ إيهاب من الشيخ عابدين أن يقرأ عليه ختمة أخرى برواية حفص حتى يحصل على إجازة، وقال له الشيخ إيهاب إني طالب في معهد القراءات من أجل أن يتشجع الشيخ عابدين في إقرائه، وكان الشيخ ينوي دراسة أول سنتين في المعهد فقط، لما علم الشيخ عابدين ذلك قال له ما دمت طالبا في معهد القراءات فلماذا لا تقرأ القراءات، وكانت مفاجأة للشيخ إيهاب فلم يكن يدور في باله أن يدرس هذا العلم من قبل، إلا أن الله جعل له القبول في قلبه في ذلك الوقت فعزم على دراسته.
ومن هنا بدأت قصة شيخنا من علم القراءات وستعجب إذا علمت أن الشيخ إيهاب وقتها كان في الثالثة والثلاثين من عمره، ومع ذلك فقد استطاع أن يخطو في هذا العلم خطوات واسعة جعلت منه في سنوات معدودة عالما يفوق كثيرين ممن درسوا هذا العلم من سنوات طويلة.
بدأ الشيخ بحفظ الشاطبية والدرة وقرأ على الشيخ عابدين ختمة بالعشر الصغرى كاملة، وكان الشيخ عابدين ضريرا، وكان الشيخ إيهاب هو الذي يأتي به من بيته إلى المسجد، وقال لي شيخنا أنه كان أحيانا يذهب إلى الشيخ عابدين في منزله فيصطحبه إلى المسجد من أجل أن يقرأ عليه وبعد أن يصلي الشيخ عابدين في المسجد يقول للشيخ إيهاب إني متعب اليوم، وأريد أن أعود إلى المنزل مرة أخرى فيرجعه الشيخ إيهاب إلى منزله مرة أخرى، يقول الشيخ إيهاب: وما تضجرت يوما من ذلك أو عاتبت الشيخ في شيء من ذلك قط، فانظر إلى خلق الطالب مع شيخه.
بعد ذلك حفظ الشيخ طيبة النشر وقرأ بالقراءات العشر الكبرى على الشيخ مصطفى أبو الحسن والذي كان مقيما بالرياض أيضا، وهو من أقدم تلاميذ العلامة الزيات ، ثم تيسر للشيخ إيهاب أن يقرأ شيئا من القران على الشيخ بكري الطرابيشي وأجازه بالسبعة، كما أنه تشرف بأن يقرأ على العلامة الزيات ختمة برواية حفص من المصباح، ثم قرأ الشيخ حفظه الله على الشيخ محمد بن عبد الحميد شيخ القراء بالإسكندرية بالقراءات العشر الكبرى وقرأ عليه المتون وأجازه بكل ذلك، كما أن الشيخ أكمل دراسته بمعهد القراءات وحصل على شهادة التخصص، ثم التحق بمعهد المخطوطات وهو الآن يحضر فيه رسالة الماجستير، نسأل الله أن يتم له الخير إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وإن من لازم الشيخ أو قرأ عليه أدرك قوة الشيخ العلمية وتبحره في علم القراءات، ومعرفته لغيره من العلوم أيضا، فقد حفظ الشيخ حفظه الله ألفية ابن مالك وألفية الحديث ومراقي السعود وهي ألفية في علم الأصول، كما أنه حفظ عقيلة أتراب القصائد وناظمة الزهر أثناء دراسته في معهد القراءات، بالإضافة إلى حفظه عددا كبيرا من الأحاديث، كما أنه له مؤلفات في علم الحديث، أما عن علم القراءات فقد بلغ فيه الشيخ مبلغا عظيما، فالشيخ مستحضر لأوجه القراءات ومتونها وتوجيهها وتحريراتها.
ولقد كان لعلم التحريرات مع الشيخ إيهاب وفقه الله وقفة خاصة، فعندما قرأ الشيخ إيهاب على شيخه أحمد مصطفى أبو الحسن القراءات العشر الكبرى، قرأها عليه بتحريرات الشيخ الزيات وحفظ التنقيح، إلا أن الشيخ عندما بدأ يقرأ في كتب علم التحريرات ويقارن بينها هاله ما وجد فيها من اختلافات وتناقضات فمكث على دراسة هذا العلم ما يقارب الخمسة عشر عاما، يتأمل في مسائله، ويقارن بين مناهج مؤلفيه، ويرجع إلى أصوله، حتى كانت له فيه آراء واجتهادات وتأملات وانتقادات، ومن قرأ كلام الشيخ وآرائه علم ما آتاه الله من فهم دقيق وفقه عميق.
ومن رأى الشيخ الحبيب إيهاب فكري مجرد الرؤيا رأى شيخا مهيبا ذا سمت حسن واتباع للسنة في الظاهر والباطن، يعلو وجهه الوقار ونور الطاعة، من أحسن الناس خلقا، وأهدئهم طبعا، من أشد الناس تواضعا وحلما ، يعامل طلابه أحسن معاملة، لا يمكن أن يسب أحدا ولا يخرج العيب من فمه قط، لا يتكلم إلا بالخير، شديد الانشغال بالعلم، والشيخ سني سلفي على مذهب أهل السنة والجماعة، كانت له ردود على بعض أفراد من جماعة التكفير والهجرة أرسلها إليهم، وهو الذي رعاني بالعناية والنصح، وعلمني القراءات من الألف، لزمته ملازمة شديدة وكنا نمر عليه أنا ووالدي حفظه الله بسيارتنا عند الصلاة فيركب معنا ونصلي في الحرم الشريف ويرجع معنا وأنا أقرأ عليه، كنا نمر عليه في صلاة الفجر والعصر والمغرب والعشاء وأنا أقرأ عليه في كل ذلك، وكنت أقرأ عليه في الحرم وفي الطريق وفي السوق، وكان يعطيني من وقته الكثير، ولذلك فقد انتهيت من الختمة الأولى بالقراءات السبع في وقت قياسي حيث كان الوقت الفعلي للقراءة تسعة أشهر تقريبا، ثم قرأت عليه ختمة أخرى بالثلاثة المتممة وانتهيت منها في أشهر معدودة، ثم قرأت عليه ختمة برواية حفص من طريق المصباح، والآن أقرأ عليه ختمة رابعة بالعشر الكبرى أسأل الله أن يعينني على إتمامها، واليوم وبعد أن ازدحم الطلاب على الشيخ حفظه الله فهو يعطي لكل طالب فرضا من الفروض يمر عليه فيه بسيارته فيقسم الفروض الأربعة التي يصليها في الحرم بين أربعة من طلابه، وكل ذلك استغلالا للوقت ونظرا لضيق وقته وازدحام الطلاب عليه، هذا غير جلوسه بعد صلاتي الفجر والمغرب للإقراء بالمسجد النبوي، والشيخ حفظه الله يكاد أن يكون أكثر من يقرئ بالطيبة في المسجد النبوي، فالشيخ متفرغ لإقراء القراءات وخاصة الكبرى منها.