عبدالعزيز عكاشة
اسمه و نشأته:
قال في مقابلة له في جريدة الإتحاد: (("أنا ولدت في أسرة ورثت عنها مهنة القراءة·· فقد كان والدي إمام مسجد بلدتنا وكان جدي أيضا إماما وقارئا بمساجد القرية· وكان طبيعيا ان يلحقني أهلي كُتابْ القرية وعمري لم يبلغ أربع سنوات بعد في نفس الوقت ألحقني أبي بالمدرسة الابتدائية وكنت ارتب يومي بين الكُتابْ والمدرسة ولأننا كنا في قرية فقد كان الوضع في الكُتابْ صعبا جدا خاصة في أيام الشتاء·وكنا نجلس على الأرض ومع ذلك أتممت حفظ القرآن في الكُتابْ وكان عمري تسع سنوات وكان لي صوت جميل لدرجة أن مدرس الدين أرسل في طلب والدي ليقنعه بأن أترك المدرسة لأنها سوف تكون سببا في تعطيلي عن سكة القراءة· واقتنع والدي وسحب أوراقي من المدرسة وكنت ما زلت في السنة السادسة الابتدائية ثم ألحقني بكُتاب شيخ جليل ليعلمني أحكام التلاوة ")).
أعماله و مناصبة:
قال في مقابلة له في جريدة الإتحاد: (("في سن مبكرة صرت أشهر قراء قريتي، وحين كان عمري أحد عشر عاما دعيت لقراءة القرآن في ليلة عزاء في شهر رمضان وظللت اقرأ القرآن في نفس البيت المقام به العزاء لمدة ثلاثين يوما متصلة بعد التراويح طيلة رمضان وحصلت آخر الشهر على مئة وخمسين قرشا فقط وكان ذلك عام 1961 وفي تلك المرحلة كان القراء الكبار سنا في قريتي يغارون مني ويمنعونني بشتى الطرق من إحياء الليالي")).
وفي رمضان التالي من عام 1962 طلب عمدة القرية ان أحيي له ليالي رمضان كله ومنحني آخر الشهر مئتين وخمسين قرشا· وفي رمضان من عام 1965 طلبني شيخ البلد لأحيي ليالي رمضان في منزله ومنحني آخر الشهر مبلغ سبعة جنيهات ونصف الجنيه.
وذات ليلة كنت اقرأ مصاحبا للشيخ محمود منصور في شبين القناطر ونصحني بأن اتجه للقاهرة وأقنعني بأنني لو ظللت مقتصرا على الليالي في قريتي والقرى المجاورة فسوف أتسول وأقنعني بأن المال والمجد والشهرة في القاهرة وليس في أي مكان آخر.
وشددت الرحال وكان عمري ستة عشر عاما وسافرت للقاهرة دون ان يعلم أهلي وأخذت أتجول في حواريها وشوارعها الى ان استقر بي المقام في مسجد صغير بحلمية الزيتون· وفي هذا المسجد بدأت مؤذنا ثم إماما وعرفني أهل الحي وما زلت أعيش في نفس المنطقة التي شهدت بداياتي.
حين خرجت من الجيش صار لي جمهور قاهري يطلبني في لياليه ومناسباته وفي سن صغيرة قرأت في الليالي مصاحبا للشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود علي البنا ومحمود خليل الحصري.
ولي مع الشيخ الحصري حكاية طريفة وكانت اول مرة التقي به وجها لوجه وكان ذلك في ليلة عزاء في حي باب الشعرية عام 1974وكانت للشيخ الحصري رهبة وجلال مما دفعني إلى أن أختم قراءتي مبكرا خوفا ووجلا منه وسألني: لماذا فعلت ذلك؟ قلت له: كيف اقرأ وأنت موجود وأنا أخاف ان أتلعثم أمامك فقال لي: على العكس أنت قارئ جيد وصوتك أعجبني ولو صاحبتني بعد ذلك في ليلة قراءة فعليك ان تقرأ نفس المدة المخصصة لي ولا تخف مني أو من غيري.
لم أكن أفكر مطلقا في مسألة اعتمادي بالإذاعة الا في عام ··1972 لدرجة أنني صرت قارئا شهيرا وعلى صلة قوية بمعظم القراء الكبار لكن الأقدار كانت تخبئ لي شيئا آخر فقد كان أحد أقاربي يعمل في قسم الحسابات بالإذاعة ويعيش في القاهرة وكتب من تلقاء نفسه طلبا باسمي لدخول امتحان القراء الجدد عام 1982 وفوجئت بخطاب بأن المدعو ''عبد العزيز عكاشة السيد نصار'' عليه التوجه لمبني الإذاعة لإجراء اختبارات القبول وذهبت في الموعد المحدد وكنت خائفا وحاولت الادعاء بأنني مصاب بالتهاب ''اللوز'' حتى يؤجلوا امتحاني لكنهم رفضوا وحين عرفت ان رئيسة اللجنة هي الإذاعية ''فوزية المولد'' ازداد تمسكي بعدم دخولي الامتحان لأن التي ستشرف على امتحاني امرأة وليس رجلا·· ودخلت الامتحان في التجويد وعلم النغم وكنت قد تعلمت العود في معهد الموسيقي العربية وحين طلب مني احد الممتحنين ان اقرأ ما تيسر من آيات الذكر الحكيم قرأت آخر سورة ''الأنبياء'' وقرأت خلال عشر دقائق اثني عشر مقاما موسيقيا ونجحت.
أول دولة سافرت إليها كانت تنزانيا في شهر رمضان وعشت هناك مدعوا على الإفطار والسحور لمدة ثلاثين يوما في بيوت المصريين وأهل تنزانيا كانوا يعيشون على تناول ''الباباي'' وهي فاكهة تشبه المانجو ولا يتناولون اللحوم لدرجة أنني ذهبت لشراء دجاجة ورأيت أناسا يتبارون في خطف أحشاء الدجاج التي يلقيها البائع وكنا لا نسير الا ومعنا عصا بداخلها سيف حتى لا يعتدي علينا احد ولكن شعب تنزانيا طيب والأصوات هناك شديدة الجمال في قراءة القرآن لكن لا يجدون من يهتم بهم.
وفي عام 1990 سافرت الى السويد في شهر رمضان وأقمت اثنتي عشر يوما في السفارة المصرية لعدم وجود مكان للإقامة أو مسجد للقراءة وظلوا يبحثون لي عن مسجد أتولى أمره في شهر رمضان حتى وجدوا مسجدا في ستوكهولم ولأنهم لم يجدوا لي مكانا للمبيت كنت أبيت بالمسجد لكنني أعلنت احتجاجي لدى السفارة المصرية بسبب مبيتي في المسجد وطلبت مكانا للإقامة ووجدوا لي مكانا في بلده اسمها ''اتوبوري'' تبعد عن العاصمة أربع ساعات بالقطار وذهبت الى هناك واستضافني احد المصريين ووجدوا لي مسجدا بجوار محل الإقامة.
وكان هناك جدار صغير يفصل بين المسجد وبار ملحق به ديسكو والأغرب ان رواد الديسكو لم يكونوا يرقصون أو يشربون أثناء إقامة الصلاة لكن بعد الصلاة كانوا يفعلون ما يريدون لدرجة ان رجلا وامرأة من رواد البار الذين كانوا يسمعون الصلاة وأذانها وقرآنها جاءا يطلبان ان يسلما ويتزوجا وعقدت قرانهما وأشهرت اسلامهما.
وفي عام آخر وفي شهر رمضان أيضا تلقيت دعوة من سلطان بروناي لكي أقوم بالتحكيم في مسابقة للقرآن الكريم وكانت أصوات الفتيات والشباب جميلة وظللنا أربعة عشر يوما نختار أفضل القارئات والقارئين وفي يوم توزيع الجوائز سلمني السلطان حسن بلقيه جائزة عبارة عن قطعة قماش صوف وألف دولار.
ومرة أخرى ذهبت ضمن لجنة تحكيم في مسابقة للقرآن بباكستان وطفنا بكل الولايات لنقيم بها الحفلات وأصبت بالتسمم من كثرة البهارات التي في الطعام وتم نقلي للمستشفى وكانت المرة الأولى التي ادخل فيها المستشفى مريضا.
في احد الأعوام وصلتني دعوة من إيران لحضور مسابقة عامة أشبه بمحفل دولي في قراءة القرآن وكان معي الشيخ أبو العينين شعيشع كأعضاء في لجنة التحكيم وكنت مسؤولا عن لجنة التقييم ووضعت للمتسابقين برنامجا عبارة عن صورة وصوت حول كيفية قراءة المقامات والإيرانيون يتمتعون أيضا بأصوات جميلة ويحبون تقليد البنا ومصطفى إسماعيل· وحين كنا نترك الفندق الذي نقيم فيه لنتوجه الى مقر لجنة التحكيم كان المضيفون يأخذوننا في الشوارع نسير عكس اتجاه المسير حتى لا يلحق بنا الناس ولا السيارات فقد كان الشعب والحكومة الإيرانية يتعاملون مع مشايخنا وكأنهم رؤساء دول من أمامنا حرس ومن خلفنا حرس.
لي رحلات كثيرة صعبة اذكر منها رحلة الى البرازيل والطائرة التي أقلتنا أنا والشيخ عثمان الشبراوي وصلت الى المطار قبل موعدها بأربع ساعات ولم نجد أحدا في استقبالنا ولا نجيد لغتهم ولا يفهمون إشاراتنا الى ان مر بالصدفة رجل لبناني سمعناه يتحدث العربية وقام بتوصيلنا الى المركز الإسلامي بعد ساعات من الجلوس على ارض المطار.
والى أميركا سافرت مرتين في الأولى أخذوني الى المركز الإسلامي وكان عبارة عن بيت تم استئجاره من رجل درزي ويبعد عن لوس انجلوس بحوالي 250 كيلو مترا وعبارة عن ثلاث حجرات وصالة والصالة هي المسجد وكان عليّ ان اسكن في إحدى الحجرات التي تطل على الصالة ورفضت وطلبت مكانا آخر للمبيت.
في المرة الثانية سافرت الى أميركا بدعوة من باكستاني للقراءة في رمضان في مسجد ''التقوى'' بلوس انجلوس وهذه الرحلة كانت اكثر راحة من السابقة فقد اسكنني رجل ماليزي في فندق كان يمتلكه.
قرأت في ليلة وفاة الملحن احمد صدقي وكان ذلك بعد التحاقي بالإذاعة بعام وأقاموا سرادق العزاء في مسجد عمر مكرم وكنا عدد كبيرا من القراء وكان المفروض ان يفتتح القراءة الشيخ صلاح يوسف لكن الشيخ علي محمود فرج طلب مني ان ابدأ أنا وفعلت وسمعني الإذاعي المعروف فهمي عمر وسأل الشيخ عتريس القوصي وكان يجلس بجواري ان كنت قد التحقت بالإذاعة فأجابه بنعم وسألني ان كنت اقرأ القرآن على الهواء في صلاة الفجر فقلت له لا فقال بإذن الله هذا الأسبوع سوف تقرأ قرآن الفجر على الهواء، وكانت هذه الواقعة في نهاية شهر شعبان وأخبرتني لجنة التخطيط الديني بأنني سوف اقرأ الجمعة في بلدة ''قها'' اول رمضان وفوجئت يوم الخميس بأنني لن اقرأ في ''قها'' بل في جامع سيدي ابراهيم الدسوقي وهذا تكريم كبير لي بالطبع، وفي تلك الصلاة حضر عدد كبير من الوزراء والمشاهير منهم وزير الأوقاف السابق د· محمد علي محجوب وبعد القراءة سألني ان كنت سافرت خارج مصر فأجبته بأنني سافرت الى تنزانيا فقال سوف تذهب الى بروناي وكنت أجهز نفسي للسفر الى السويد وحين وصلت تأشيرة بروناي رفضت وسافرت للسويد وكانت أسوأ أسفاري لان الجالية المصرية هناك قليلة جدا.