محمد أحمد شبيب

مصر

اسمه و نشأته:

ولد القارئ الشيخ محمد أحمد شبيب يوم 25-8-1934م بقرية دنديط مركز ميت غمر دقهلية حيث الكتاتيب المتعددة بالقرية التي يهتم أهلها بالقرآن حفظاً وتجويداً.

تعد عائلة "شبيب" من العائلات الكبري بالقرية مما جعل الحاج أحمد شبيب يفكر ليل نهار في صياغة مجد لهذه العائلة يرفع شأنها بين العائلات التي تتنافس فيما بينها في كثير من الجوانب التي تميّزها. كان الإهتمام بالمآتم واستقدام مشاهير القراء نوعاً من أنواع التنافس. ولذلك شهدت هذه القرية مواقع قرآنية شهيرة بين مشاهير القراء أمثال الشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ عبدالعظيم زاهر وكان الحاج أحمد شبيب والد الشيخ محمد أكثر المهتمين المتيّمين بسماع هذه الكوكبة من مشاهير القراء فتمني أن يكون له ولد محب للقرآن ليهبه لحفظه وتجويده.

لم ينتظر الحاج أحمد إتمام ابنه محمد حفظ القرآن كاملاً حتي يطلق عليه الشيخ محمد، ولكنه أعطاه اللقب قبل أن يحفظ جزءاً واحداً من القرآن فكان ينتظر حضوره من الكتّاب إلي البيت فيسأله عما حفظه في يومه ويطلب منه أن يتلوه عليه مجوداً ليتدرب علي التلاوة بصوته لجميل و الطفل الموهوب محمد يطلب من شيخه أن يخصص له كل يوم بعض الوقت ليسمعه ما تيسر من القرآن علي طريقة المشاهير من القراء. رحّب الشيخ برغبة تلميذه وسعد أقرانه بجمال صوته وحسن تلاوته فعرف بينهم بأنه قارئ مجيد للقرآن فذاع صيته في القرية وهو في التاسعة من عمره فلم يمر علي أحد أو جماعة يجلسون إلا نودي من قبلهم ليقرأ عليهم ما تيسر من القرآن حباً في طريقة أدائه وموهبته التي ظهرت واضحة من خلال أدائه المتمكن لما يتلو من الذكر الحكيم. في هذه المرحلة كان قد وصل مع شيخه في الحفظ إلي 17 جزءاً، بعدها رحل الشيخ توفيق إلي جوار ربه فانتقل الفتي القرآني الموهوب محمد أحمد شبيب إلي كتّاب الشيخ محمد إسماعيل بنفس قريته(دنديط) ليستكمل ما تبقي من القرآن ولكن الشيخ محمد رأي أن يبدأ معه القرآن من بدايته فكانت هذه فرصة للتمكن من حفظ القرآن وطريقة تلاوته. وبعد أن أتم القرآن حفظاً لم يغادر الكتّاب ليراجع القرآن فكان الحفظ حليفه عندما حضر مع أكثر من مجموعة من الحفظة الذين حضروا لتجويد القرآن علي الشيخ محمد إسماعيل أحد المتخصصين المشهود لهم بالتمكن في علوم القرآن. وكان الشيخ محمد إسماعيل سبباً في تمكين تلميذه محمد من تلاوة القرآن في المناسبات المختلفة بإتقان قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره، فعرف بدنديط وما حولها وأصبح يدعي في بعض الاحتفالات التي لم يحصل فيها علي مقابل لقراءته.

بعد تجويده القرآن ومعرفة أحكامه أراد والده أن يلحقه بمعهد القراءات بالقاهرة حتي يكون قارئاً وصييتا كبيراً عن علم ودراية بعلوم القرآن، ولكن الشيخ محمد تعلق بقريته وأهلها وأصدقائه من الزملاء المقربين إليه مما جعله يرفض حياة الغربة ولكن الرفض كان بمشورة الوالد حتي لا يغضب. نقل الابن رغبته إلي والده في أن يسمح له بالإلتحاق بمعهد الزقازيق الديني الذي يهتم بعلوم القرآن إلي جانب المواد الأزهرية مع صديق عمره الحاج محمد سلامة. وافق الوالد مادام هذا لن يبعد ابنه عن تلقي علوم القرآن وقراءاته. وفي عام 1951م التحق الشيخ محمد بمعهد الزقازيق فاشتهر هناك بأنه يتلو القرآن بصوت عذب شجي فتمسك به مشايخ المعهد وطلبوا منه أن يفتح لهم اليوم الدراسي بالقرآن، بالإضافة إلي المشاركة في جميع الاحتفالات التي تقام بالشرقية عن طريق الأزهر الشريف ليصبح الطالب محمد أحمد شبيب محل ثقة كل الناس وعرف بمنطقة الشرقية الأزهرية وامتدت شهرته إلي البلاد المجاورة التابعة لمحافظة القليوبية بالإضافة إلي منطقة ميت غمر.

وفي أحد الاحتفالات بمولد الشيخ جودة بمنيا القمح والتي كان الشيخ مصطفي اسماعيل يحضرها كل عام ذهب إلي السرادق الخاص بالشيخ مصطفي وبعد انتهاء الشيخ مصطفي من التلاوة انفض الناس ولم يتبق في السرادق إلا عدد قليل وصعد ليقرأ ما تيسر من القرآن وإذا بالسرادق يمتليء مع مرور الوقت حتي وصل عدد الحاضرين إلي نفس العدد الذي كان يستمع إلي الشيخ مصطفي وكانت هذه الليلة بمثابة ميلاد حقيقي لشهرتي".

وفي عام 1961م أصيب الشيخ شبيب بالتهاب في الحنجرة كاد يمنعه عن القراءة ولكن عناية الله أنقذته علي يد الدكتور علي المفتي الذي أزال حبة كانت هي السبب في الإلتهاب بالحنجرة. يقول الشيخ شبيب: "وبعد الشفاء عدت بحمد الله وقدرته إلي تلاوة القرآن بقوة وكفاءة أشعرتني بأن الله أراد لي الخير بعد هذا المرض، وتدفّقت عليّ الدعوات من كل محافظات مصر وأعطاني رب العزة جمالاً في الأداء وجودة في التلاوة وابتكارا في التلوين النغمي وليد اللحظة فأسعد هذا الأداء الناس وشجّعني علي الإبداع بفضل الله وتوفيقه".

وفي عام 1973م الذي لم ينسه مسلم ولا عربي عبر الزمان حتي تقوم الساعة وبالتحديد يوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر كان الشيخ محمد أحمد شبيب هو قارئ فجر السبت السادس من أكتوبر يقول: "أثناء تلاوتي لقرآن الفجر في يوم العبور كنت أشعر بأهمية هذا الفجر بالنسبة لي كقارئ وأديت أداءً من القلب وتجاوب معي الموجودون بمسجد الإمام الحسين (ع) وتلوت أروع وأقوي التلاوات في حياتي بإحساس وشعور غريب وبعد انتهاء شعائر صلاة الفجر ذهبت إلي شقتي بالقاهرة لأستريح وأنام فاستيقظت ظهراً علي خبر سعيد جداً وهو نبأ عبور قواتنا المسلحة قناة السويس وتفوق قواتنا المسلحة فدعوت الله أن يتم علينا نوره ونصره حتي يعود الحق إلي أهله. وكنت أنا الذي سأقرأ السهرة بسرادق عابدين في نفس يوم 6 أكتوبر 10 رمضان ففوجئت بالسرادق مليئا عن آخره بالناس ولم يكن هناك موضع لقدم وكأن الناس يريدون أن يهرعوا إلي هذا المكان الذي يتلي فيه القرآن والذي تحفه الملائكة لشعورهم بأن السماء قريبة جداً من هذا المكان حتي يقبل الله منهم الدعاء.

كان لا بد لهذا القارئ الذي حقق شهرة امتدت إلي جميع أقطار الدنيا عبر الزمان والمكان أن يطلب لإحياء ليالي شهر رمضان بكثير من دول العالم فكانت له زيارات متعددة منها السفر إلي قطر عام 1982م بدعوة خاصة ثم إلي أبوظبي عام 1986م وسافر إلي الجابون عام 1987م.

في عام 1994م قررت وزارة الأوقاف إيفاد الشيخ شبيب إلي إيطاليا لإحياء ليالي شهر رمضان بالمركز الإسلامي بروما ولكنه اعتذر، مفضلاً البقاء بمصر بين أهله وعشاق صوته وتلاوته. وقبل حلول شهر رمضان بيوم واحد أخبره الأستاذ جمال الشناوي وكيل أول وزارة الأوقاف بأن هناك دعوة باسمه من قبل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لإحياء ليالي شهر رمضان بالمسجد الأقصي بالقدس فلم يتردد في قبول هذه الدعوة ليشارك الأشقاء الفلسطينيين فرحتهم واحتفاءهم بأول رمضان بعد إقامة دولتهم. وعند وصوله وجد حفاوة واهتماماً وتكريماً بأن وجه إليه الرئيس عرفات الدعوة للإفطار معه بمقر الرئاسة. وكانت سعادته لا توصف عندما تلا قرآن الجمعة اليتيمة بالمسجد الأقصي بين ما يقرب من نصف مليون فلسطيني يتقدمهم الرئيس عرفات وقرأ نفس التلاوة التي قرأها في سرادق عابدين يوم العبور عام 1973م من سورة آل عمران، وظل يكرر قول الله تعالي "إن ينصركم الله فلا غالب لكم". (آل عمران: 160) أكثر من عشرين مرة بناء علي رغبتهم وبعد انتهاء الرحلة كرّمه الرئيس عرفات بمنحه شهادة تقدير ونيشان السلطة الفلسطينية تقديراً لدوره كأول قارئ يتلو القرآن بالمسجد الأقصي بعد العودة.