حفظ القرآن الكريم


 بسم الله الرحمن الرحيم   

المقدمـــــــــة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: لماذا نحفظ القرآن ؟ سؤال لا يطرحه مسلم جاد إلا من باب الرغبة في التعرف على فضائل هذا العمل وآثاره ليزداد رغبة وحماسةº ذلك أن قضية فضيلة حفظ القرآن مقررة لدى كل مسلم بداهة.

 1-حفظ القرآن هو الأصل في تلقيه: لقد وصف الله تبارك وتعالى هذا القرآن بقوله }بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم { (العنكبوت:49) وقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث القدسي – \"إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرأه نائماً ويقظان\". قال النووي :\"فمعناه: محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الزمان\". ومن لطائف الاستدلال في ذلك ما استدل به أبو الفضل الرازي فقال: \"ومنها أن الله عز وجل لم ينزله جملة كغيره من الكتب، بل نجوماً متفرقة مرتلة ما بين الآية والآيتين والآيات والسورة والقصة، في مدة زادت على عشرين سنة، إلا ليتلقوه حفظاً، ويستوى في تلقفه في هذه الصورة الكليل والفطن، والبليد والذكي، والفارغ والمشغول، والأمي وغير الأمي، فيكون لمن بعدهم فيهم أسوة في نقل كتاب الله حفظاً ولفظاً بعد قرن وخلفاً بعد سلف\".

2-القرآن مصدر التلقي عند الأمة: القرآن الكريم دستور الأمة فإليه الحكم والتحاكم، ومنه الاستمداد والتشريع، وما من صغيره أو كبيرة إلا ونبأها في هذا الكتاب العزيز } {وما كان ربك نسياً }.

3-حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة: وصرح بعض أهل العلم أن حفظ القرآن الكريم واجب على الأمة فإن قام بذلك قوم سقط الإثم عن الباقين. قال بدر الدين الزركشي : \"قال أصحابنا تعلم القرآن فرض كفاية، وكذلك حفظه واجب على الأمة، صرح به الجرجاني في الشافي والعبادي وغيرهما\". وحفظ كتاب الله تبارك وتعالى فيه من التأسي به صلى الله عليه وسلمº إذا كان صلى الله عليه وسلم يحفظه ويديم تلاوته ومعارضة جبريل به. حفظ القرآن في مقتبل العمر ومطلع الشباب تأس بالسلف، وسير على جادتهم، وسلوك لهديهم، فقد كانوا يبدأون بحفظ القرآن قبل سائر العلوم. وقال الإمام النووي: \"كان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن\". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : \"وأما طلب حفظ القرآن: فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً: وهو إما باطل، أو قليل النفع، وهو أيضاً مقدم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن، فإنه أصل علوم الدين ، بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم: من الكلام، أو الجدال والخلاف، أو الفروع النادرة، والتقليد الذي لا يحتاج إليه، أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله\". حفظ القرآن من خصائص هذه الأمة المحمدية، قال ابن الجزري رحمه الله : \"ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة\". ولا يزال حفظ القرآن شعاراً لهذه الأمة، وشوكة في حلوق أعدائها، تقول المستشرقة لورافاغليري: \"إننا اليوم نجد على الرغم من انحسار موجة الإيمان آلافاً من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب، وفي مصر وحدها عدد من الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوربا كلها\". ويعترف أحد من حرموا نور القرآن بهذه الميزة والخاصيةº إذ يقول جميس منشيز: \"لعل القرآن هو أكثر الكتب التي تقرأ في العالم وهو بكل تأكيد أيسرها حفظاً\".

4-حفظه ميسر للناس كلهم: \"والقرآن قد يسر الله تعالى حفظه على الغلمان في المدة القريبة والنسوان، وقد رأينا من حفظه على كبر سنه، وهذا من معجزاته\". { ولقد يسرنا القرآن للذكر} \"وتلكم مدارس تحفيظ القرآن في العالم الإسلامي، نشأت منذ نزول القرآن وما زالت، يلتحق بها في كل بلد الآلاف يتلون القرآن، ويحفظون منه ما شاء الله، أرأيتم لو كان في حفظه مشقة، هل سيلتحق بها أحد أو يلحق ابنه؟\".

 5-حفظ القرآن مشروع لا يعرف الفشل: إن من تمام إكرام الله تبارك وتعالى لحملة كتابه أن جعلهم من أهله وخاصته. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : \"إن لله أهلين من الناس\". قالوا: يا رسول الله، من هم ؟ قال: \"هم أهل القرآن ، أهل الله وخاصته\".

6-تكريم حامل القرآن من إجلال الله: إكرام حافظ القرآن الكريم من إجلال الله سبحانه، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \" إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط\".

 7-حافظ القرآن أولى أن يغبط.

8-حفظه وتعلمه خير من متاع الدنيا.

9-حافظ القرآن هو أولى الناس بالإمامة.

 10-حافظ القرآن هو أولى الناس بالإمارة.

 11-حفظ القرآن مهر للصالحات من المؤمنات.

 12-حافظ القرآن أن يقدم في قبره.

 13-شفاعته لحامله. حين تلم بالمرء حاجة من حوائج الدنيا، فتضيق أمامه السبل وتغلق الأبواب في وجهه، فإنه يبحث ويفتش عن فلان أو فلان من الناس ليكون شفيعاً له في حاجته وقاضياً لها. وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"القرآن شافع مشفع، وما حال مصدق، من جعله أمامه قادة إلى الجنة، وما جعله خلف ظهره ساقه إلى النار\".

14- القرآن حجة لك أو عليك.

 15- استحقاق ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

 16- حفظ القرآن سبب للنجاة من النار.

 17-رفعة الدرجات في الجنة. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \" يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول : يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول يا رب ارض عنه، فيقال: اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة\". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: \"يقال لصاحب القرآن اقرأ وراق ورتل كما كنت ترتل في الدنياº فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها\".

 18- حافظه مع السفرة الكرام البررة.

 19-الحرف بحسنة والحسنة بعشر. فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف\".

 20- حافظ القرآن يقرأ في كل أحواله.

 21-حفظ القرآن شفاء للصدور. { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}

 22-حين يفني المرء شبابه بحفظ كتاب الله. ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقول: \"لا تزول قدم ابن آدم يقوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم\".

 23-حفظ القرآن خير ما تنفق به الأوقات.

 24-حفظ القرآن في مقتبل العمر خطوة نحو الاستقامة.

 25-القرآن كتاب علم وهدى.

 26-حافظ القرآن لا يعوزه الاستشهاد.

 27-حلق القرآن ميدان للصحبة الصالحة.

 28-التعلق به خطوة للتربية الجادة. لئن كان الناس يفتخرون بمجالس تصلهم بقوم ذوي شأن لدى الناس، أو تحقق لهم مطالب يسعون إ ليها، فأولئك الذين يجلسون في مجالس حفظ كتاب الله تبارك وتعالى أولك بذلك وأسعد، ذلك أنهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم : \"… وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه\".

 فهي فضائل أربع يدركها هؤلاء:

 1-نزول السكينة من الله تبارك وتعالى.

 2-غشيان الرحمة.

 3-أن تحفهم الملائكة.

 4-أن يذكرهم الله فيمن عنده. فمنها أن هذه المجالس غالباً ما تكون في بيوت الله تبارك وتعالى، وقد أثنى الله على من يعمرها بالعبادة { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب}. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \" إن الله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون : لا، والله ما رأوك ، قال فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميداً، وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألوني ؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا و الله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها، قال: يقول: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة، قال: يقولون: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم\". وأخيراً أخي الكريم هذا جهد المقل، وهذا ما تيسر تسطيره من قلم عبد ضعيف مقصر في حق كتاب الله تبارك وتعالى. اللهم اجعل هذا الجهد في ميزان حسناتي، وبارك فيه، وارزقني به شفاعة كتابك الكريم، واجعله حجة لي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وصلى الله وسلم على من كان خلقه القرآن.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply