قصة أصحاب الرَّسِّ


الفرقان {وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَينَ ذَلِكَ كَثِيراً، وَكُلا ضَرَبنَا لَهُ الأَمثَالَ وَكُلّاً تَبَّرنَا تَتبِيراً} وقال الله تعالى في صورة ق: {كَذَّبَت قَبلَهُم قَومُ نُوحٍ, وَأَصحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ، وَعَادٌ وَفِرعَونُ وَإِخوَانُ لُوطٍ,، وَأَصحَابُ الأَيكَةِ وَقَومُ تُبَّعٍ, كُلُّ كَذَّبَ الرٌّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}.

 

وهذا السياق والذي قبله يدل على أنهم أهلكوا ودمروا، وتبرّوا وهو الهلاك.

وهذا يرد اختيار ابن جرير من أنهم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج، لأنّ أولئك عند بن إسحاق وجماعة كانوا بعد المسيح عليه السلام وفيه نظر أيضاً.

وروى ابن جرير قال: قال ابن عبَّاس: أصحاب الرس أهل قرية من قرى ثمود.

وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في أول تاريخه عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن جرداد وغيره أن أصحاب الرس كانوا بِحَضَوَّر، فبعث الله إليهم نبيّاً يقال له: حنظلة بن صفوان، فكذبوه وقتلوه، فسار عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح بولده من الرس، فنزل الأحقاف، وأهلك الله أصحاب الرَّس، وانتشروا في اليمن كلها، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها، حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح دمشق، وبنى مدينتها، وسماها جيرون، وهي ارم ذات العماد، وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الحلود بن عاد إلى عاد، يعني أولاد عاد بالأحقاف، فكذبوه فأهلكم الله عز وجل.

فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم.

وروى ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي عاصم عن أبيه عن شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: الرس بئر بأذربيجان. وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال: الرس بئر رسّوا فيها نبيَّهم، أي دفنوه فيها.

قال ابن جُرَيج قال عكرمة: أصحاب الرَّسِّ بفلج، وهم أصحاب يس. وقال قتادة: فلج من قرى اليمامة.

قلت: فإن كانوا أصحاب ياسين كما زعمه عكرمة فقد أهلكوا بعامة، قال الله تعالى في قصتهم: \"إن أول الناس يدخل الجنَّة يوم القيامة العبد الأسود\" وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود. ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر أصم، قال: فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاماً وشراباً، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة ويعينه الله عليها ويدلى إليه طعامه وشرابه ثم يردها، كما كانت.

قال: فكان كذلك ما شاء الله أن يكون. ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحتملها وجد سَنَةً، فاضطجع ينام فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً، ثم إنه هب فتمطّى، وتحوّل لشقه الآخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هب واحتمل حزمته، ولا يحسب أنه نام إلا ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع. ثم إنه ذهب إلى الحفيرة إلى موضعها الذي كانت فيه فالتمسه فلم يجده، وقد كان بدا لقومه فيه بداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه.

 

قال فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون له: ما ندري حتى قبض الله النبي عليه السلام، وهبَّ الأسود من نومته بعد ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم <span style="\&quot;FONT-SIZE:" 10pt;="" font-family:="" tahoma\"="" lang="AR-SA">ثم قد رده ابن جرير نفسه وقال: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس المذكورون في القرآن، قال: لأنَّ الله أخبر عن أصحاب الرَّسِّ انه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم. اللهم إلا أن يكون حدثت لهم أحداث، آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم والله أعلم. ثم اختار أنهم أصحاب الأخدود، وهو ضعيف لما تقدم ولما ذكر في قصة أصحاب الأخدود حيث توعّدوا بالعذاب في الآخرة إن لم يتوبوا ولم يذكر هلاكهم، وقد صرح بهلاك أصحاب الرَّسِّ والله تعالى أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply