نصرة طالبان لكسرهم الأوثان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي

عندما قامت حكومة طالبان الإسلامية بكسر الأوثان الموجودة في أفغانستان قامت قوى الكفر ومن شايعهم وبعض من يدعي الإسلام بالتنديد والاستنكار لهذا الفعل، و ألقى البعض ببعض الشبه وشكك بهذا العمل منها.

نرجوا من فضيلتكم أن تبينوا لنا مدى شرعية هذا الفعل من حكومة طالبان الإسلامية، والرد على بعض الشبه التي قيلت.. نسأل الله لكم التوفيق والتثبيت والإعانة على ما تقومون به.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد فإن الله - سبحانه وتعالى - بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - لكسر الأوثان والأصنام وتحطيمها وأمره بالكفر بالطاغوت والبراءة من الشرك وأهله وألا يعبد إلا هو - سبحانه وتعالى - وحده لا شريك له، بل هذا هو أصل دعوة كل نبي بعثه الله - سبحانه وتعالى -، يقول - عز وجل - (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وإن الدفاع عن التوحيد وأبوابه لمن أفضل ما يتقرب به العبد إلى مولاه - جل وعلا -، ومن أجل ما تقضى به الأوقات وتفنى به الأعمار، وما تقوم به حكومة طالبان الإسلامية من عزمها على تحطيم أوكار الشرك والتعدي على ألوهية الواحد القهار ليعد مفخرة للإسلام و أهله وسَحقا للشرك وأهله، يقول - تعالى -(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ويقول - تبارك وتعالى -(وتعاونوا على البر والتقوى) فعليهم أن يعتصموا بحبل الله - سبحانه - وأن يكملوا الطريق بأن يقضوا على مظاهر الشرك ورموز الطواغيت، وألا يكترثوا بمعارضة المعترضين من كفار، أو استنكار المنهزمين، بل عليهم أن يمضوا قدما في سبيل إقامة توحيد رب العالمين، والله ناصرهم ولن يترهم أعمالهم.

وإن من الكفر بالطاغوت خلع الأنداد والأصنام وبغضها ومعاداتها ومحوها، فهل يُتَصور أن يُحقِق التوحيد من نهى أو خذل عن ذلك؟ جاء في صحيح مسلم - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (من قال لا اله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله) يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - على هذا الحديث: إن الكفر بالطاغوت أعظم ما يبين معنى لا اله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه. إهـ

وقد نقل صاحب تيسير العزيز الحميد إجماع أهل العلم على معنى كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، ذكره في باب تفسير التوحيد.

فهل الدعوة إلى إبقاء الأصنام المعظمة التي يعبدها البوذيون أو الأقباط مما يعد تراثا أو حضارة هل هو من الكفر بالطاغوت أم هو من التساهل؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

وإن من الكفر بما يعبد من دون الله القيام على هذه الطواغيت والتي فتح أهل الكفر باب الدعوة لها باسم العودة إلى التراث والحضارة، وباسم الآثار الثمينة، حتى وصل الحال ببعض الجهلة أن يقول: إن توفير الطعام والكساء والدواء وغيره أهم من القيام على هذه الأصنام!! فجاؤا يهرعون مستنكرين على حكومة طالبان الإسلامية فعلها، فهل يعد هؤلاء الجهلة إبقاء الأصنام التي يعبدها البوذيون أو غيرهم تراثا وحضارة وأن هناك أمورا أهم منها حتى اتفقوا بقولهم هذا مع صناديد الكفر بالله بتلك الحجج الواهية وتلك الشبه التي القوها على عوام المسلمين ليجاروا الكفار متطلبات العصر وضرورات الحضارة زعموا؟.

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن ترك تلك الأصنام (زاد المعاد 3 / 506): لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها شعار الكفر والشرك، وهي أعظم المنكرات، فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبتة، وهذا حكم المشَاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته، وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أو أعظم شركا عندهم وبها، والله المستعان، ولم يكن أحد من أرباب الطواغيت يعتقد أنها تخلق أو ترزق أو تميت وتحيي، و إنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم المشركون اليوم عند طواغيتهم، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، وأخذوا مأخذهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم، فصار المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليها الكبير، وطمست الأعلام واشتد البأس وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ولأهل الشرك مجاهدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين اهـ.

ولا شك أن حكومة طالبان الإسلامية التي أقدمت على تحطيم آثار الشرك والكفر بالطاغوت من هذه العصابة المحمدية التي ذكرها ابن القيم.

يقول النووي الشافعي - رحمه الله تعالى -: فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام اشد من الكفر وأي بلاء بهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك من البين الواضح؟ اهـ (عون المعبود 9/37).

وإن الإنسان لا يعجب من تكالب الكفار وما يقومون به من حملة مسعورة على حكومة طالبان الإسلامية لقيامها بهذا العمل الجليل مع أننا لم نر مثل هذه الوقفة منهم لما هدم المسجد البابري في الهند و إنما المستغرب من بعض المنتسبين إلى الإسلام المتطفلين على العلم الشرعي أن يوافقوا الكفار على هذا التنديد لهذا العمل الشريف الذي هو محو للطاغوتية، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الكفر ملة واحدة، وأنهم مهما حاولوا تشويه فعل حكومة طالبان الإسلامية هذا أو غيره فإنما هي مخادعة واستغفال مهما طبل لها مطبل (ليميز الله الخبث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون.. ) ولا يشك عاقل أن هذه الأصنام التي تريد حكومة طالبان الإسلامية تكسيرها أُوجدت لعبادة غير الله - سبحانه -.

وما صيحات البوذيين وغيرهم من طوائف الكفر في مشارق الأرض ومغاربها إلا اكبر شاهد على ما نقول (إلا تنصروه فقد نصره الله..)



الأدلة من كتاب الله على وجوب كسر الأصنام:

قوله - تعالى -(وإذ قال إبراهيم لأبيه أزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين.. )

وقوله - تعالى -: (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) وقال في موضع أخر (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون * مالكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضربا باليمين * فأقبلوا إليه يزفون* قال أتعبدون ما تنحتون *.. ) الآية

وقوله - تعالى -حكاية عن موسى - عليه الصلاة والسلام - في قصته مع السامري: (وانظر إلى الهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا)

وقوله - سبحانه وتعالى - بعد تكسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأصنام التي حول الكعبة (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد).



ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

ما رواه مسلم - رحمه الله تعالى -في صحيحه عن عمرو بن عبَسة قال: قلت يا رسول الله: بأي شيء أرسلك الله؟ قال: بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيئا.

وفي الصحيح عن أبي الهياج - رضي الله عنه - قال: قال لي علي - رضي الله عنه -: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته) وعند أحمد (وأن أطمس كل صنم) وفي رواية أخرى أيضا عنده (وأن تلطخ كل صنم).

وما رواه أحمد - رحمه الله - وغيره عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني ربي - عز وجل - بمحق الأوثان)

وثبت من فعله - صلى الله عليه وسلم - وبيده الكريمة كما جاء في صحيح البخاري ومسلم لما فتح الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكة كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعُنها بالقوس ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد) والأصنام تتساقط على وجهها.

وجاء عند البخاري أن النبي - عليه الصلاة والسلام - جذب نمطا فيه تصاوير حتى هتكه.

وروى الترمذي عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: ما هذا يا عدي؟ أطرح عنك الوثن.



سراياه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك:

1 - أرسل سرية بقيادة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لتحطيم العزى وكان صنما تعظمه قريش فكسرها وحطمها.

2 وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية لكسر مناة.

3 وأرسل سرية عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فاتح مصر إلى سواع صنم لهذيل فكسره عمرو بيده.

4 - وأرسل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى صنم طيء يدعى الفلس، وكان صنما منحوتا على جبل من جبالهم.

5 - وأرسل سرية لتحطيم اللات يأتي ذكرها بعد قليل.

وهذه الأصنام الثلاث: العزى واللات ومناة الثالثة الأخرى هي أعظم أصنام العرب، قال - تعالى -(أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) الآية. ومع ذلك لم يكترث بأن تجتمع عليه العرب بأجمعها فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جذاذا كلها ولم يدع شيئا.

6 وأرسل سرية جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - كما رواها البخاري في مغازيه، قال جرير: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا تريحني من ذي الخلَصة؟ قال: فنفرت في مائة وخمسين راكبا فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده.

7 - قصة ثقيف لما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدع لهم الطاغية صنمهم اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى، فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم، حتى سألوه شهرا واحدا فأبى أن يدعها فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهما - يهدمانها فهدماها في مشهد عظيم، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - في زاد المعاد (3/600-601) في فقه قصة وفد ثقيف، قال:

ومنها هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير، وهذا حال المَشَاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ويُشرَك بأربابها مع الله، لا يحل إبقاؤها في الإسلام ويجب هدمها.. ).

8 - وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه - إلى صنم دوس يقال له ذو الكفين فحرقه.

9 - وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - من غزوة تبوك لهدم ودا وقاتلهم حتى هدمه وكسره.

هذا هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام الموحدين ومحطم أصنام الملحدين.



فعل السلف و من بعدهم والملوك والمجاهدين:

1 - فقد جاء في معجم البلدان 2/434: لما غلب عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب على ناحية سجستان في أيام عثمان - رضي الله عنه - سار إلى الدوار فحصرهم في جبل الزون، و على الزون صنم من ذهب فقطع يديه وقطعه المسلمون وكسروه.

2 - القائد محمود الغزنوي (360-421) في نهاية القرن الرابع قال عنه ابن كثير - رحمه الله -: الملك الكبير المجاهد الغازي، وكان يحب العلماء والمحدثين ويحب أهل الخير والدين (البداية والنهاية 12/32)، حينما غزا الهند كسر صنمهم الأكبر واسمه سومنات سنة 416.

وذكر بن الجوزي - رحمه الله - في (تلبيس إبليس 1/77) أن أهل بلخ كان لهم صنم بناه بنو شهر فلما ظهر الإسلام خرّبه أهل بلخ.

3 - وكذا ما فعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تحطيم الأصنام والأوثان في عصره وهو أمر معروف مشهور.

هذا هدي كتاب الله وهذا هدي رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا هدي صحابته رضوان الله عليهم وهذا هدي سلف الأمة من ملوك و غيرهم، أفيجيء بعدهم من الجهلة من يشكك بهذه السنة الربانية بحجج واهية أملتها عليهم ضرورة مجاراة العصر والحضارات الكافرة؟ ونسوا أو تناسوا أنهم وافقوا الكفار، وما هذه الشبه التي تلقى على المسلمين والأقاويل التي يتناولها هؤلاء إلا تخذيل لإتمام رسالة محمد عليه الصلاة والسلام علم هؤلاء أو جهلوا، والله - سبحانه وتعالى - يقول (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) ويقول - سبحانه وتعالى - (ولا تكن للخائنين خصيما) ويقول- تبارك وتعالى -(ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) ويقول- تبارك وتعالى -(ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)

وقد جاء الوعيد الشديد لمن نصب الأصنام والأوثان كما حدث للطاغية عمرو بن لحي الخزاعي إمام الشرك والوثنية في قريش، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري في المناقب في باب قصة خزاعة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رأيت عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب. قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -في سورة المائدة: عمرو بن لحي أحد رؤوس خزاعة وكان أول من غير دين إبراهيم فأدخل الأصنام إلى الحجاز. اهـ.

قال ابن حجر - رحمه الله تعالى - في الفتح على هذا الحديث: إن لفظ الحديث أورده ابن إسحاق في السير بأتم من هذا ولفظه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار لأنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان اهـ.



وأما الإجماع:

فمنعقد على وجوب كسر هذه الأصنام والأوثان ولم يخالف في ذلك أحد ممن يعتد بقوله، حتى إن الشافعي - رحمه الله تعالى - نقل عن أئمة مكة أنهم كانوا يأمرون بهدم ما بني على القبور (شرح النووي لمسلم الجنائز باب تسوية القبر)، ونقل في تيسير العزيز الحميد (ص 332) إجماع أهل العلم على النهي عن البناء على القبور وتحريمه ووجوب هدمه، فكيف بالأصنام والأوثان والتي لم توضع إلا لعبادة غير الله.

ونقل الملا علي القارئ الحنفي - رحمه الله تعالى -في المرقاة (4/177) قول العلماء في وجوب محو الصور، وهذا الذي قاله الملا - رحمه الله - يقول به عامة علماء الأحناف وغيرهم، ويقول أبو يحيى الأنصاري الشافعي - رحمه الله - في أسنى المطالب في (كتاب الغصب باب الضمان): ويلزم المكلف القادر كسر الأصنام، ثم نقل عن صاحب الإحياء أنه قال: ليس لأحد أن يمنع أحدا من كسرها، وأن الصبي غير المكلف مأجور على كسرها، أما ابن العربي المالكي - رحمه الله - فقد أوجب كسر الأصنام كما ذكره في تفسيره، وجاء في مجمع الأنهار شرح ملتقى الأبحر قوله: وفي الشريعة قتل الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم وغيره.. والمراد الاجتهاد في تقوية الدين اهـ. وتقدم رأي الحنابلة كما نُقل رأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى -وابن القيم - رحمه الله -.

ثم يقال لهؤلاء المشككين: إن الأدلة التي تدل على تحطيم الأصنام عامة فأين التخصيص للأصنام المعدة للتراث أو النفع الاقتصادي أو المعدة للسياحة أو غيره كما يزعمون، وهل هناك نفع فيما وصفه الله- تبارك وتعالى -أنه رجس؟ يقول - عز وجل -: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه.. ) الآية.

وجاء في الصحيح من حديث جابر - رضي الله عنه - مرفوعا: إن الله ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام اهـ. فحرم الله ورسوله بيع الأصنام ولم تجعل بابا من أبواب الاتجار والنفع الاقتصادي، وهل أصنام العرب إلا من الآثار القديمة التي هي إرث حضاري فاسد؟ فهل تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حطمها؟ ولماذا لم يأمر - عليه الصلاة والسلام - بإبقائها لكونها حضارة أو تاريخا أو نفعا اقتصاديا للمسلمين وهو أحرص الناس عليهم؟ فهل تركها - عليه الصلاة والسلام - أو احترمها؟ أم حطمها وقضى عليها؟ ولماذا لم يتركها للتذكير بأنعم الله كما يزعم بعض الجهلة، قال - تعالى -(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)..

ثم من يقول من هؤلاء الجهلة إن المحرم من التماثيل هو ما صنعه المسلمون:

نقول له إن المسلمين لا يصنعون الأصنام، ومن زعم ذلك فهو جاهل ببدهيات الشريعة، وإن الأصنام التي حطمها الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه ومن تبعهم لم يكن منها واحد من صنع المسلمين بل هي من وضع الجاهلية، ثم نقول أين المخصص لهذا القول والأحاديث عامة؟

أما ما يقال من أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ترك أصنام مصر كأبي الهول أو غيره فنقول لو ثبت أنها لم تطمرها الأتربة و أصلحت في الزمن الذي تلى زمن عمرو - رضي الله عنه - فإن تلك الأصنام عظيمة كبيرة فلا يُقدر على تحطيمها، ولهم في هذا عذر، ونحن نرى الآن حكومة طالبان الإسلامية لا تقدر على تحطيم ما عندها من أصنام إلا بالمتفجرات والصواريخ كما يعلم الجميع فكيف بعصرٍ, السلاح فيه القوس والرمح وما شابهه؟ وقد سبق أن نقلنا أن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أمّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سرية لكسر بعض أصنام العرب، فكيف يقال إنه ترك أصنام مصر لجواز تركها.. ؟ ولو قيل ما قيل فالقدوة في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف بمن خالفه؟

وأما ما يقال إنها لا تشكل خطرا على المسلمين فلو كانت كذلك لم يتفق الرسل عليهم الصلاة والسلام على تحطيمها وعدم إبقائها، إذ الأصنام وكل ما يعبد من دون الله خطر على التوحيد الذي أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده أن يقيموه، ومن المعلوم أنه لا يتفق وجود الإسلام ووجود عبادة الأوثان.

ومن زعم أنه لا يجوز هدمها وأنه يجب تركها للمنافع المذكورة فهذه جرأة على شهادة ألا اله إلا الله وجرأة على التشريع، يقول - عز وجل - (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ويقول - تبارك وتعالى -(ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب.. ) الآية. والرسول - عليه الصلاة والسلام - لما كسرها كان يتلوا قوله - تعالى -(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فعد بقاء الأصنام باطلا، وهؤلاء بقولهم يزعمون أن بقاء الأوثان والطواغيت والمعبودات لغير الله حق وكسرها باطل فحرموه وجعلوه إهدارا وتضييعا لتراث الأمم السابقة.

وأما قياس هؤلاء الجهلة إبقائها على قصص القران بجامع العبرة فقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بتحطيمها وعدم تركها بل دل ذلك بفعله هو - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان فيها عبرة أو ما شابه ذلك لأذن بإبقائها - عليه الصلاة والسلام -.

ثم نقول لمن أثار هذه الشبه على المسلمين:

هذه الشبه التي أثيرت هل علمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أم جهلها؟ فإن كان علمها ومع ذلك حطم الأصنام فما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، والله - سبحانه وتعالى - يقول: (قل أأنتم اعلم أم الله.. )؟ وإن كان جهلها فكيف جهل الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئا فيه خير للأمة ثم علمتموه أنتم.

فعلى حكومة طالبان الإسلامية ألا تكترث بهذا الهجوم من أعداء الله وغيرهم مهما استمرت التنديدات والتهديدات والسب (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فالله ناصرهم، وعليهم أن يتمسكوا بما هم عليه من الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونبذ الشركيات، وأما هذا التكالب من الكفار عليهم فهذا طريق الأنبياء والرسل.

وكما أن قوى الكفر تقف صفا واحدا ضد هذا العمل الذي هو من صميم التوحيد والذي وفقت حكومة طالبان الإسلامية بالقيام به فإننا نهيب بعلماء المسلمين أن يهبوا إلى تأييد طالبان أن تسير في طريق إقامة شعيرة التوحيد وان يقفوا صفا واحدا في ذلك.

نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يثبّتهم وأن يأجرهم على إحياء سنن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

أملاه فضيلة الشيخ أ. حمود بن عقلاء الشعيبي .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply