ومن يشرك فكأنما خر من السماء ....


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



لم يُعص الله بذنب أعظم وأقبح من الإشراك به، ولذا أطبقت رسالاتُ الأنبياء على التحذير منه والتنفير عنه وبيان سوء عاقبته وأنَّه يُوجب خلود صاحبه في النَّار.

والشركُ: أَن تجعل لله ندَّاً ونظيراً ومثيلاً في الخلق أو الصِّفة، أو العبادة.



• والشرك نوعان:

أكبر: كدعاء الأموات والاستغاثة بهم والذبح لغير الله والسجود للأوثان والأصنام، وهو مخرجٌ من الملَّة.

وأصغر: كالرياء، وطلب السُمعة والمحمدة، ونحو ذلك.

وبينهما مراتبُ ودَركاتٌº ومن أشدها شرك الطواغيت الأرضيِّين الذين استبدلوا شريعة الله بقوانينَ وضعيّةٍ, مستوردةٍ, مستحلين ذلك رغبة فيها وزهداً ورغبة عن شريعة الله.

والشرك الأكبر إذا مات صاحبه عليه خسر الدنيا والآخرة وحبط عمله ولم تنفعه قربة ولا طاعة.

والقرآن الكريم لا يكاد يخلو منه آية أو سورة لم تحذر من الشرك، والآيات التي تحذر من الشرك بأنواعه كثيرةٌ جدّاً.

منها قوله - تعالى -: {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويَغفر ما دونَ ذلك لمن يشاء} [النساء: 48].

ومنها قوله: {إنه من يشرك بالله فقد حرََّمَ الله عليه الجنَّة ومأواه النَّار وما للظالمين من أنصار} [المائدة: 72].

ومنها قوله: {وَلو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام: 88].

ومنها قوله: {ولقد أُوحي إليكَ وإلى الَّذِينَ من قَبلك لَئن أشركتَ ليَحبطنَّ عَملُكَ ولَتَكونَنَّ مِنَ الخاسرين بَل الله فاعبُد وَكُن مِن الشاكرين} [الزمر: 65]. وكان من دعاء إبراهيم ربَّه: {واجنُبني وبَنيَّ أن نَعبُدَ الأصنام} [إبراهيم: 35].

ولقمان في وصاياه لأبنه يحذره في وصيته الأولى من الشرك كما حكى الله عنه: {يا بُنيَّ لا تُشرٍ,ك بالله إنَّ الشرك لَظُلمٌ عَظيمٌ} [لقمان: 13].

وفي السٌّنة الثَّابتة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التحذير من الكبائر يبدأها بالشرك كحديث \" اجتنبوا السَّبع الموبقات... الشرك بالله والسِّحر... \"(1).

ولمَّا سُئل - صلى الله عليه وسلم - أيٌّ الذنب أعظم عند الله قال: \" أن تجعل للهِ ندَّاً وَقَد خَلَقَك \"(2).

وقَد بلغَ من تحذيره - صلى الله عليه وسلم - من الشرك والزجر عنهُ أن قال وهو في النزع يجود بأنفاسه العطرة الشريفة: \" لعنةُ الله على اليهودِ والنَصارى اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد \" (3)، يُحذّر ما صَنعوا ولولا ذلك أُبرزَ قبره غير أنَّه خشيَ أن يتَّخذَ مسجداً، وابتهل إلى ربِّهِ وهو في آخر رمق من حياته ألاّ تفتن الأُمة بقبره فيعبدوه من دون الله شأن عُبَّاد القبورِ في كل زمان فقال: \" اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ, اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد \"(4).

فالغُلوٌّ في قبورِ الأنبياء والصَّالحين يُصَيِّرُها أوثاناً تُعبدُ من دون الله ولو بعدَ حين فالذين عبَدوا اللات عكفوا على قبره بعد موته، فقد كان يَلِتٌّ لهم السويق على صخرة ويُطعمهم ففتنوا به بعد موتهº فالغلوٌّ في الصالحين كان أوَّل سبب من أسباب الشرك، فقد ظلَّ النَّاس بعد آدم ألف سنة وهم يعبدون الله وحده لا شريك له حتى كان لآدم خمسة أحفاد: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، فلما ماتوا جعلوا لهم أنصاباً فلما نُسِيَ العلم عبدوا من دون الله فأرسل الله نبيََّه ورسوله نوحاً - عليه السلام -.

من أجل ذلك نهى النَّبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في المدحº وهو الإطراء، لأنه نوعٌ من العبادة لغير الله فقال - صلى الله عليه وسلم -: \" لا تُطرُوني كما أطرَت النَّصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله \"(5).

وقد يظنٌّ بعض الجهلة وبعض المحسوبين على العلم أن الشرك: أن تسجد لغير الله فحسب: أما دعاء الأموات والنذر لهم والاستغاثة بهم والعكوف على القبور وسؤال أصحابها كشفَ الكربات لا يُدخل صاحبَه في زمرة المشركين!!

وهذا جهل فاضحٌ بالتوحيدِ الذي بعثَ الله به رسله، فالأنبياء كلهم قالوا كلمة رجل واحد: {يا قَوم اعبُدوا الله ما لكُم مِن إلهِ غيره} [الأعراف: في مواضع شتى] وقال الله عنهم: {وما أرسلنا من قَبلِك مِن رَسولٍ, إلاّ نوحي إليه أنَّهُ لا إلهَ إلاّ أنا فأعبدون} [الأنبياء: 25].



والعبادة كما عرَّفها العلماء: هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبٌّ الله ويرضى من الأقوال والأفعال الظَّاهرة والباطنة:

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في رسالته القيّمة \" الواسطة بين الحقِّ والخلق \" (ص 57 58) في ردِّه على سؤال عن الواسطة الشرعيَّة والشركية:

\"..... وإن أرادَ بالواسطة أنََّهُ لا بدَّ من واسطة يتخذها العبادُ بينهم وبين الله في جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يكونوا واسطةٌ في رزق العباد ونصرهم وهُداهم يسألونهم ذلك ويرجعون إليهم فيهº فهذا من أعظم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء يجلبون بهم المنافع ويَدفعون بهم المضار \".

إلى أن قال: \" فمن أثبتَ وسائط بين الله وبين خلقه كالحجَّاب الذين يكونون بين الملك والرَّعيَة بحيث يتوسطهم بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله كما أن الوسائط عند الملوك يسألون حوائج النَّاس لقربهم منهم، والنَّاس يسألونهم أدباً منهم لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب، فمن أثبت وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يُستتاب فإن تاب وإلاّ قُتل. وهؤلاء مُشبِّهون شبَّهوا الخالق بالمخلوقين وجعلوا لله أنداداً \" ا. هـ.



فالشرك أنواعُه كثيرةٌ، وأكثرها شركُ العبادة الذي ابتُليت به أكثر الأمم والشعوب وهو يندرج تحت ثلاثة أنواع عامَّة:

شرك الرٌّبوبيَّة وشرك الألوهيَّة (العبادة) وشرك الأسماء والصِّفات وسيأتي الحديث عن هذه الأنواع مفصَّلاً إن شاء الله - تعالى -.

اللهم إنَّا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. اللهمَّ اجعل أعمالنا صالحة ولوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئاً. {سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يَصِفون وسلامٌ على المُرسلين والحَمدُ للهِ ربِّ العالمين} [الصافات: 180].



------------------------------------------------------

(1) متفق عليه.

(2) أخرجه البخاري ومسلم.

(3) أخرجه البخاري ومسلم.

(4) رواه مالك في \" الموطأ \".

(5) أخرجه البخاري ومسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply