حكم بيع التقسيط في الشريعة والقانون ( 3 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

بعد أن تتبعنا أقوال العلماء في بيان معنى الأحاديث الثلاثة وعلتها انتهينا إلى النتائج التالية:

1- أن تلك الأحاديث تصلح أن تكون موطنًا مناسبًا ومظانَّ ملائمة للبحث في مشروعية البيع بالتقسيطº وذلك لأنها تشترك من حيث معناها في صورة هي أصل ذلك البيع والتمثل بقول البائع للمشتري أبيعك هذه السلعة نقدًا بكذا، ونسيئة بكذا.

2- أن تحريم هذه البيوع يستند إلى علة تتمثل في جهل المتعاقدين بالثمن، وسد ذريعة أن يكون هذا البيع طريقة إلى الربا المحرم.

فالقول بعدم صحة هذه البيوع مردٌّه إلى أن الصيغة الصادرة مشتملة على صيغتين في آن واحد، فلم يجزم البائع ببيع واحد، وأن الثمن مجهول، هل هو المعجل أم المؤجل؟ وإذا كان الإيجاب غير جازم فلا يصلح، ويكون عرضًا، فإذا قبل الموجَّه إليه العرض الخاص بإحدى الصفقتين كان إيجابًا موجها إلى الطرف الأول. فإن قبل تم العقد، وإلا فلم يتم العقد.

في ضوء ما تقدم كنا نتوقع أن يكون البت في الحكم الشرعي لبيع التقسيط أمرًا ميسورًا يكفي فيه التثبت من وجود العلة المذكورة، فيحكم بالجواز في الحالة الأولى وبالبطلان في الحالة الثانية.

ولكن حكمة الله- تبارك وتعالى -ورحمته بعباده -التي كان اختلاف عقول البشر عامة وعلماء الفقه خاصة مظهرًا من مظاهرها- اقتضتا أن تعمل تلك العقول التي تحررت من قيود الخوف والرهبة، فانطلقت تلتمس الحقيقة في هدي نور الله فيما بين يديها من النصوص تأملاً وترديد فكر، فيكون نتاج ذلك ثمرات خيرة من الأفكار والآراء والأحكام المتباينة في خطة سيرها المتفقة في هدفها ألا وهو نشدان مرضاة الله - عز وجل -، والتمكين لشريعته في الأرض..وإذا بنا نتيجة لذلك أمام آراء متعددة لا رأي واحد، وبصدد أحكام لا حكم واحد في هذه المسألة، وأبرز تلك الأحكام:

1 - أن بيع التقسيط غير جائز شرعًا.

2 - أن بيع التقسيط جائز شرعًا.

3 - رأي وسط يذهب إلى عدم القول بجوازه أو عدم جوازه مطلقًا بل يرى أنه مكروه، وشبهة الأولى اتقاؤها.

وممن قال بعدم الجواز، وإنه لا يصح زيادة الثمن في مقابل تأجيل قبض الثمن: زين العابدين علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى، وأبو بكر الرازي الجصاص الحنفي.

 

أما القول بجواز بيع التقسيط، وبأن أخذ زيادة في السعر مقابل التأجيل أمر يقره الشرع فهو قول جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، وبه قال زيد بن علي والمؤيد بالله والمهدي والمفتي من شيعة آل البيت.

أما القول الثالث الذي اتخذ موقفًا وسطًا بين القولين السابقين فهو ما ذهب إليه د. رفيق المصري في كتابه \"مصرف التنمية الإسلامي\".

وقد لخص الشيخ أبو زهرة سبب الخلاف بين المجيزين والمانعين بقوله: \"ويعود سبب الخلاف لأجل الزيادة، أتُعد الزيادة في مقابل الأجل كالزيادة في الدَّين في نظير الأجل أم لا تُعد؟ فالذين قاسوا الزيادة في مقابل الأجل على الزيادة في ا

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply