حكم إعطاء الكفار من الزكاة والصدقات


 بسم الله الرحمن الرحيم

مما لاشك فيه أن فرائض الإسلام قد تضمنت الحِكم العظيمة والمقاصد النبيلة ومن هذه الأحكام فريضة الزكاة فقد تضمنت معاني التكافل والتراحم وتحقيق التوازن الاقتصادي وعطلت أسباب الصراع الطبقي والاحتكار الرأسمالي وغير ذلك من الحِكم والأسرار التي منها تأليف قلوب الناس على الإسلام وإيجاد أنصار يدافعون عن الإسلام أو يدفعون عنه، مسلمين كانوا أم كفاراً ويظهر المعنى الأخير من خلال مصرف المؤلفة قلوبهم، قال الله - تعالى -(إِنَّماَ الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[سورة التوبة/60]

، قال ابن كثير: وأما المؤلفة قلوبهم فأقسام:

1- منهم من يعطى ليسلم كما في قصة صفوان بن أمية لما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنين. قال صفوان: \"أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ \"، (رواه أحمد ومسلم والترمذي).

2- ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه ويثبت قلبه، كما جاء في الصحيحين أن علياً بعث إلى النبي الله - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة في تربتها من اليمن، فقسمها بين أربعة نفر الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير، وقال: أتألفهم \".

3- ومنهم من يعطى لما يرجى من إسلام نظرائه.

4- ومنهم من يعطى ليجبي الصدقات ممن يليه أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد. (تفسير ابن كثير بتصرف 2/332)

أما غير المؤلفة قلوبهم فلا يجوز إعطاؤهم من الزكاة الواجبة وهذا مذهب الجمهور، بل نقل ابن المنذر الإجماع فقال: أجمعت الأمة أنه لا يجزىء دفع الزكاة إلى الذمي - أي في غير التأليف - (فقه الزكاة للقرضاوي 2/705)

ولابد من ملاحظة أن الإعطاء بغرض التأليف من صلاحية الدولة المسلمة -إن وجدت - أو الجمعيات و المراكز الإسلامية بالنسبة للمسلم المقيم في بلاد الكفر فهي بالنسبة له تقوم مقام الدولة المسلمة (فقه الزكاة للقرضاوي2/608 وفتاوى اللجنة الدائمة10/109)

وما سبق إنما هو في الزكاة الواجبة، أما إعطاء غير المسلمين من صدقات التطوع تأليفاً لقلوبهم على الإسلام فيجوز لقوله - تعالى -: (لاَ ينهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فيِ الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُم أَن تَبَرٌّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم إَنَّ اللهَ يُحِبٌّ المُقسِطِينَ) [سورة الممتحنة: 8]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كانوا يكرهون الصدقة على أنسابهم وأقربائهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، ونزلت هذه الآية: (لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُم وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَن يَّشَاءُ، وَمَا تُـنفِقُوا مِن خَيرٍ, يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لاَ تُظلَمُون) [سورة البقرة/272]، وقد مدح الله الأبرار من عباده بقوله: (وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِيناً وَّيَتِيماً وَّأَسِيراً) [سورة الإنسان/8]، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: كان أسراهم يومئذ مشركين. وقال ابن كثير: ويشهد لهذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسرى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء. (تفسير ابن كثير4/411)

وهذا الحكم في غير المحاربين، أما المحارب فلا يجوز إعطاؤه لقوله - تعالى -: (إِنَّمَا ينهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُم فِي الدِّينِ وَأَخرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُم وَظَاهَرُوا عَلَى إِخرَاجِكُم أَن تَوَلَّوهُم وَمَن يَتَوَلَّهُم فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[سورة الممتحنة/9]، ولأنه حرب على الإسلام وأهله، ومثله الملحد الذي ينكر وجود الله ويجحد النبوة والآخرة، فهذا بطبيعته حرب على الدين، وكذلك المرتد المارق من الإسلام بعد ما دخل فيه، لأن حقه القتل لاقترافه جريمة الخيانة العظمى بارتداده عن الدين ومفارقته لجماعة المسلمين، قال عليه والصلاة والسلام: \" من بدل دينه فاقتلوه\" (رواه أحمد والبخاري وأهل السنن عن ابن عباس). (فقه الزكاة للقرضاوي 2 /702).

وبناء على ما سبق فإذا رأى المسؤلون في المراكز الإسلامية أن في إعطاء بعض الكفار من الصدقة أو الزكاة تأليفاً لقلوبهم رجاء إسلامهم أو إعطاء شخصيات علمية أو اجتماعية تدافع عن المسلمين في تلك البلاد فإنهم في فسحة ولا يلحقهم حرج من الناحية الشرعية ضرورة انضباط مفهوم المؤلفة قلوبهم وغير المحاربين وعدم التوسع في ذلك تحت ذرائع وعواطف ينقصها الفقه والورع.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply