العنف في وسائل الإعلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

\"الأفضل بناء طفل من إصلاح إنسان\":

من هذا المنطلق يأتي التشديد على الاهتمام بالأطفال كبنية أساسية للمجتمع، حيث تشكل رعاية الطفولة وحمايتها الاهتمام المحوري والجوهري في حياة الأسرة والمجتمع.

تؤدي وسائل الإعلام دوراً هاماً بتأثيرها على الأطفال (سلباً أو إيجاباً) من خلال مساهمتها بمضامينها الموجهة لهم، والتي تساهم في بناء شخصية الطفل، وتوسيع مداركه، وزيادة علاقاته الاجتماعية بفتحها آفاق العالم أمام الطفل، كما تساهم في تعميق القدرة الأدبية لديه، وترهف حسه وذوقه السليم، وتنمي ثروته اللغوية، وبذلك فهي تؤدي دوراً مهماً في التنشئة، إضافة إلى ما تقوم به قنوات التنشئة الأخرى في المجتمع، ولكل وسيلة من وسائل الإعلام دورها، ولا تلغي وسيلة إعلامية دور وسيلة إعلامية أخرى.

وتكتسي وسائل الاتصال الحديثة دوراً هاماً في وقتنا الحاضر كونها أصبحت اللغة المشتركة في كافة أنحاء العالم، تجعل جميع الناس على اتصال، ومهتمين ببعضهم البعض في القرية الكونية الصغيرة.

نستعرض في ورقة العمل هذه دور بعض وسائل الإعلام في تصعيد قضية العنف عند الأطفال.

 

أولاً: العنف في الإنترنت:

العمر الذي يتعامل مع الإنترنت:

على الرغم من سهولة التعامل مع الإنترنت، وازدياد نسبة المستخدمين، ما يزال الأطفال دون سن الثانية عشرة بعيدون عن استخدامها لعدة أسباب منها:

عامل اللغة الذي يلعب دوراً أساسياً في تفهم الأطفال لكيفية العمل مع الإنترنت، أو أنهم سيتقيدون بالمواقع العربية الآمنة.

كما أنه حتى هذا العمر يمكن للأهل أن يتمكنوا من مراقبة أولادهم، أو حجب الاتصال عن الحاسب المتوفر في المنزل، وبالتالي لا يتمكن الأطفال من الدخول إلى الإنترنت، ولكن مع التقدم المستمر، وسعي الدول مع الأشخاص إلى تأمين هذه الخدمة لكل فرد في المجتمع سوف يتمكن الأطفال من سن الخامسة من الدخول إلى الشبكات سواء في المدارس أو الـ cafe Internet أو في أي مكان للألعاب.

 

الأطفال الذين يتعاملون مع الإنترنت:

حالياً لكي يتمكن الطفل من دخول الإنترنت لا بد من توفر حاسب في المنزل، واشتراك إنترنت، أي أن الأشخاص المثقفون أو أشخاص ينتمون إلى الطبقة الوسطى فما فوق يمكن أن يتوفر لأطفالهم هذه الخدمة، وبالتالي ينعكس تأثيرها على نسبة 10% من المجتمع كحد أقصى، وابتداء\" من سن الثانية عشرة، ولكن نعود ونؤكد أن هذه النسبة سوف تتزايد وبشكل سريع وملحوظ خلال السنين القادمة.

 

نوعية البرامج ومدى تأثيرها على الأطفال:

عند دخول الأطفال إلى الإنترنت من الصعب الوصول مباشرة إلى أية مواقع عنف، وإنما المدخل الأساسي للأولاد هو الألعاب بشكل عام، ومن خلال هذه المواقع يتم اختيار الألعاب حسب ما يرغب به الأولاد لا من رقيب ولا من محاسب، قد تكون الألعاب عنيفة، قد تكون هادفة وسلسة، قد تكون موجهة بحيث تلعب دوراً نفسياً يشد الأطفال إليها لتمرير الأفكار المرغوبة.

كما نود التوضيح بأن عملية الدخول إلى مواقع الإنترنت واللعب on line عملية غير واردة نسبياً نظراً لتكلفة الإنترنت، وانخفاض أسعار الـ Cds الخاصة بالألعاب.

هناك أيضاً المواقع الخاصة بالشخصيات التلفزيونية الكرتونية، والتي تشد الأطفال مثل البوكيـمون وغيرها، حيث تحوي عدة أنواع من الألعـاب بعضـها مفـيد مثل الـ (puzzle).

مما تقدم نجد أن الإنترنت لا تشكل عاملاً أساسياً حالياً في عرض العنف إنما تشكل الإنترنت خطراً من النواحي الأدبية للمستخدمين، حيث أن غالبية هذه المواقع تكون مبطنة، وغير واضحة، وغالبيتها تكون من صنع الهواة مما يجعلها تشكل خطراً على نظام الحاسب.

ولكن نظراً لعدم وجود رقيب يتوجب خلق رقيب ذاتي لدى الأطفال عند تجولهم في هذا العالم الرقمي.

 

ثانياً: العنف في ألعاب الكومبيوتر:

العمر الذي يتعامل مع الكومبيوتر:

يقدر عدد مستخدمي الحواسب بنسبة لا تقل عن 50 ~ 60 % حيث يمكن للطفل أن يبدأ بالتعامل مع الحاسب منذ عمر أربع سنوات وذلك من خلال الألعاب التي يقدمها الأهل لأولادهم، والتي تكون مخصصة لهذه الأعمار، وسنأتي على ذكرها لاحقاً.

 

الأطفال (البيئة) الذين يتعاملون مع الكومبيوتر:

نبين نوعين من الأطفال الذين يتعاملون مع الحاسب:

 - أطفال تتواجد في بيئة مثقفة نسبياً، يستطيع فيها الأهل أن يسايروا التكنولوجيا، ويوجهوا أولادهم بها، يتفرع عنها الأهل الغير واعين لما تتركه الألعاب من أثر على الطفل.

 - أطفال تتواجد في بيئة غير مسايرة للتكنولوجيا، حيث يشعر الأهل بضرورة تعلم ولدهم على الحاسب، ويعملون على تأمينه، ولكنهم غير قادرين على توجيه أطفالهم في هذا الموضوع.

في البيئة الأولى يكون من السهل التأكد من نوعية البرامج التي يتعرض لها الطفل، لأن الأهل هم الذين يختاروا، وهذا ممكن حتى سن الثانية عشرة أو للعمر الذي يبدأ فيه الطفل بأخذ مصروف معين من أهله، وهو عادة يكون في سن العاشرة.

أما في البيئة الثانية فليس هنا من رقيب، وقد يكون المساعد على اختيار البرنامج أحد الأصدقاء أو المعارف، أو صاحب محل البرامج والذي غالباً يهتم لأن يسوّق برامجه أكثر من الاهتمام المفرط بالنوعية المقدمة للطفل.

 

نوعية الألعاب:

إن كافة البرامج - وخاصة الألعاب - تعتمد على عناصر ومؤثرات ضوئية وصوتية تشد الصغار بشكل كبير وفعال (حتى أنها تشد الكبار أيضاً) نظراً لتمكنها من إخراج صور وألوان معينة قد لا يتمكن مخرجو السينما والتلفاز من تنفيذها، وهنا يكمن خطر البرامج إذ أن التركيز العالي مع البرنامج يجعل المتلقي يستقبل كل شيء منه دون أن يفوته أي شيء، لذا وجب الاهتمام بما يقدمه البرنامج، نستطيع أن نقسم ألعاب الحاسب إلى الأنواع التالية:

 - ألعاب تعليمية تعتمد على قصة أو شخصية كرتونية:

هذا النوع من الألعاب مفيد جداً للأطفال فهو يبدأ في تثقيفهم بثقافة سهلة وسلسة، تعتمد على شخصيات محببة للأطفال مثل Dr. Poo وهو الدب الذي يعلم القراءة والحساب، وضمن هذا المجال نجد أيضاً بعض البرامج باللغة العربية التي تدعم الثقافة العربية وهذه البرامج (سواء الأجنبية أو العربية) يمكن أن يبدأ معها الطفل من سن الرابعة.

 

- ألعاب فكرية (تقوية الملاحظة - التركيز):

عملياً تعتبر هذه البرامج للصغار ولكنها تشد الكبار أيضاً نظراً لأنها تقوي المخيلة (تساقط المكعبات)، سرعة البديهة (الأوراق المتشابهة بشتى الأشكال)، الذاكرة إلى ما هنالك من ألعاب ذهنية، ويبدأ بها الطفل من سن السابعة، إلا أننا نلاحظ أنه لا يستطيع التركيز معها طويلاً نظراً لما تتطلبه من جهد مهما كان بسيطاً ولكن لا غنى\" عنها.

 

- الألعاب التي تعتمد إستراتيجيات حربية (تحتاج إلى وضع الخطط):

هذا النوع من الألعاب يعتبر بنوع ما من المراحل المتقدمة والتي تحتاج إلى نضج عقلي، ويبدأ بها من سن العاشرة والمراهقة حتى الشباب وأكثر إذ أنها تتدرج صعوبتها مرحلة فمرحلة سندرس على سبيل المثال برنامج Edge of Empire حيث تعتمد فكرته على إمبراطور يبني مدينته، حيث يأمر العبيد بالزراعة، ومن ثم صنع القوارب يعبيء خزاناته، ويستعد لغزو العدو ينتصر أو يخسر يوسع رقعة إمبراطوريته.

في هذه اللعبة نلحظ التالي:

1 - على الرغم من عدم وجود عنف مباشر ولوحات دموية إلا أنها تكرس الأنا عند المستخدم وتضخمها، وتجعل البرنامج ملاذاً يهرب به من واقعه، ومن إمكانياته الحقيقية ليرسم لنفسه واقع ومدينة وعالم هو الحاكم الأوحد وله مطلق الحرية.

2 - صحيح أن هذه اللعبة تعتمد على التخطيط العقلي، ورسم مستقبل للمدينة، إلا أن مبدعها يعتمد على المادة، إذ إن هدف الإمبراطور زيادة رقعة بلاده، ويخسر عندما تفرغ مخازنه من المؤنة، ونظراً للإقبال الشديد عليه ففي كل فترة يظهر جزء جديد يحمل درجات، وإمكانيات قتالية جديدة.

3 - إن مبدأ اللعبة هو إما أنا حي أو الآخر حي، ولا يمكن أن نحيا معاً بنفس الوقت للتخطيط للقضاء على بعضنا، وهذه الفكرة باعتقادي هي قمة العنف الفكري.

مثال آخر لعبة تعتمد أيضاً على استراتيجيات قتالية، وتدعى دم وشرف مع واجهة حمراء وأشكال لشياطين - والعياذ بالله -.

مثال آخر للعبة الكهف نعرض عليكم إن أمكن البرنامج ومقدمته الخاصة والتي تعتمد على قصة أن هناك عمليات إنقاذ لرجال الكهوف من الهياكل العظمية من يسمعها يرى أهدافاً نبيلة \" إنقاذ \"، ولكن عند البدء باللعب لا نشاهد سوى مناظر مفزعة، وعندما نموت إثر ضربات الهياكل العظمية المتكررة نرتمي على الأرض والدم يشر من أصابع اليد بشكل لزج (يا للمنظر الهاديء لولد في العاشرة من عمره).

وقد نسأل هنا عن لعبة الشطرنج العالمية فهي أيضاً لعبة حربية قتالية تعتمد على حياة شخصية واحدة هي الملك، ولكن في الشطرنج تتوفر العوامل التالية:

لا يمكن لعملية الشطرنج أن تضخم الأنا لأن اللعب له قوانين، وهناك دائماً لاعب في المواجهة،، وهو لاعب شرس على الرغم من أن الإنسان هو الذي يحدد درجة صعوبة اللعبة (في حال كان يلعب مع الحاسب).

تعتمد لعبة الشطرنج كثيراً على التخيل وهو أمر لا يمكن للاعب أن ينجح بدونه، عليه أن يرسم المخطط بدماغه، وأن يتخيله، ثم يلعب ويعدل في مخططه طبقاً لتحرك الخصم، ولكن في جميع الأحوال لا يمكن لدرجة المؤنة التي في المخازن أن تحدد نسبة قوة اللاعب بل عليه السعي جاهداً للربح وفي حال شاه مات لا يمكن أن نرى دماء\" تسيل على الأرض.

 

- ألعاب تعتمد فقط على صراع البقاء:

هذا النوع من الألعاب قد يكون عنيفاً، وقد لا يكون عنيفاً ولكنه يؤدي إلى تبلد الفكر، إذ أنه يعتمد على صيد معين (طائرات... مراكب فضائية...)، وهو يعتمد فقط على مبدأ تجميع أكبر عدد من النقاط.

 

 - أين يكمن العنف في الألعاب السابقة، ولم إقبال الأطفال والبالغين عليها:

بينّا في بداية عرضنا للألعاب مدى تشويقها كونها تعرض الأمور بمؤثرات عالية الجودة من ناحية الصوت، الصورة، الإضاءة، تكمن مشكلة العنف هنا في أن الألعاب التي تسهل عمليات القتل، أو تفرضها للوصول إلى الهدف، فكلما قتل اللاعب زوميي، أو رجل، أو أي شيء تجده يصرخ من الفرح لأن هذا سيقربه من هدفه ورويداً رويداً لا يعود لموضوع القتل أهمية عنده، وفي لحظات معينة وفي شطحات معينة قد ينجرف الإنسان وراء هذا اللا إحساس بإنسانية الآخر، ويقتل أو يسرق أو.. و بأعصاب باردة.

ناهيك عن كثرة الدماء التي يراها على الشاشة، ومنظر الخصوم وهم يتساقطون متألمين، إلى ما هنالك من إعطاء اللاعب لذة في القتل، وهنا يكمن الخوف من أن تتحول هذه اللذة الخيالية إلى الرغبة باللذة الحقيقة.

 

- الألعاب القتالية المصنعة من قبل الهواة وخطرها:

هذا النوع من الألعاب هو أخطرها على الإطلاق لعدة أسباب إن الشركات المصنعة للألعاب القتالية والاستراتيجية تسعى جاهدة لأن تقدم بنوع ما موضوع جيد للقصة، وهي غالباً غالية الثمن (البرامج الأصلية) أما بالنسبة لبرامج الهواة فهي تعتمد على بعض البرامج السلسة للحاسبـ ولا تهتم كثيراً بعملية القصة بل تضع وبشكل أساسي ومباشر شرطي يلاحق لصاً أو العكس.

وهي غالباً تتوفر بأسعار رخيصة، وتكون في متناول الجميع، لذلك تركز هذه اللعب على إثارة اللاعب قدر الإمكان ليلعب، وتعطيه ما أمكن من مظاهر القوة فمثلاً إحدى الألعاب عندما تنتهي تسألك هل تريد العودة لعالمك الممل فإن قلت: نعم تبدأ الدماء تسيل من أعلى الشاشة إلى أسفلها حتى تصبح الشاشة حمراء ثم تخرج من اللعبة، فأي قيم نقدمها لأولادنا من خلال هذه الألعاب.

 

مقترحات حول كيفية الوقاية من هذه المشكلة:

الحق يقال أن التأثر بهذا النوع من الألعاب نسبي، وهو يختلف من فرد لآخر، ولا يمكننا أن نعتبر أن ما يراه أحدنا عنفاً يراه الجميع عنيفاً، والعكس بالعكس.

ونتيجة لذلك لا يمكننا وضع ضوابط قانونية لمنع المشاهد العنيفة وخاصة مع كثرة البرامج والألعاب، وإنما الحل الأفضل برأيي يكون:

- التوعية والتوجيه: وتكون على صعيد المستوردين لهذه الألعاب، وعلى صعيد الأهالي والمجتمع المحيط، إن عملية التوعية تهدف إلى خلق رادع داخلي في الإنسان تجاه هذه الألعاب، وخلق وعي لديه بعدم تسويقها وهذا الأمر ضروري جداً.

- تدريب الأولاد على ثقافة الحوار، والابتعاد عن العنف، وحل النزاعات بالطرق السلمية علماً أن هناك برامج وألعاب تعتمد على هذه الأساليب، كما أن إدخال هذه المفاهيم إلى المناهج التربوية في المدارس ضرورة ملحة للحد من ظواهر العنف.

وفي كل الأحوال إن المنع من مصدر ما لا ينفي إمكانية الحصول عليها من مصدر آخر، فلم يعد هناك حدود للاتصال في العالم، لذا علينا الاهتمام وبشكل مكثف بالتوعية، وخلق اللاعنف كما غيرنا يهتم بخلق العنف.

 

ثالثاً: العنف في الدعايات:

دعايات الكبار:

وإن كان الكبار أقل تأثراً بهذه المشاهد فهي تشوه وجهاً حضارياً معيناً عند الإنسان كأمثلة لا للحصر نورد:

- دعاية لهاتف خلوي شاب وفتاة يصرخان بوجه بعضهما ويكتب (متعة الاتصال).

- دعاية لزوجة تضرب زوجها بجرزة بقدونس، وتشده من ثيابه، وتطلب منه أن يحضر لها معكرونة.

- دعاية لإنسان يأخذ ضربة بوكسº لأنه يطلب أقوى طعمة مسكة.

إن هذه الدعايات تسيء إلى شفافية النفس بشكل غير مباشر، ولو حاولنا أن نضع قانون لها فهذا مستحيل، إذ ليس بها أي مشهد غير مهذب أو عنيف، وستكون المسألة مثاراً للجدل لعدم وجود مقياس محدد تقاس به الأمور، لذلك أكدنا على التوعية والتوجيه.

ويمكن للدعاية على بساطتها تقديم قيم اجتماعية إذ نجد أن بعض المعلنين يأخذون منحى لفت نظر لبعض العادات الغير محببة في مجتمعنا بطريقة جداً سلسة ويتقبلها الإنسان، وبهذه الحالة يقوم الإعلان فعلاً بدور إعلامي إيجابي التوجيه، كمثال سلسلة دعايات Pampers التي تنتقد بطريقة ذكية وبناءة الحوار بين الزوجين.

فالإعلان قد ينتقل بنا من مجتمع متحضر إلى مجتمع متخلف، أو من مجتمع متخلف إلى مجتمع متقدم، والأمر عائد لنا نحن ك

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply