عقبات في طريق العفة


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عبادَ الله، إنَّ الله - جل وعلا - أمر بالنِّكاح ورغَّب فيه ورتَّب عليه الجزاءَ العظيمَ، قال - تعالى -: \"وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم \"[النور: 32].

وأمَر الفقيرَ العاجز بالعِفّةِ عن محارِم الله رجاءَ أن يسهِّل الله أمره: \"وَليَستَعفِف الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغنِيَهُم اللَّهُ مِن فَضلِهِ\" [النور: 33].

وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ قاصدَ النكاح والجادَّ في طلبِه أحدُ الثلاثةِ الذين يعينُهم الله، ففي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - : ((ثلاثةٌ حقّ على الله عونُهم)) ذكر منهم: ((المتزوّج يريد العفاف))[1].

وفي الزواجِ غضُّ للبصر وتحصينٌ للفَرج وطمأنينة للنفس، ((يا معشر الشباب، منِ استطاع منكم الباءةَ فليتزوّجº فإنه أغضّ للبصر وأحصنُ للفرج))[2].

وفيه طمأنينةُ النفس وسكونها، \"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسكُنَ إِلَيهَا\" [الأعراف: 189]، وفيه حصولُ الولد وامتداد حياةِ بني الإنسان إلى أن يأذنَ الله بآخِر نسمةٍ, من صُلب آدم.

أيها المسلم، وهذا النكاحُ الذي رغّب فيه الشرع وحثَّ عليه ورتَّب على حصوله المنافعَ العظيمة، هذا الأمر قد يعرِض له ما يعيقه ويسبّب عدمَ شيوعه ويقلِّله بين بعض أفراد المجتمع المسلم، ذلكم ـ يا إخواني ـ مشكلةُ ما يترتَّب على الزواج من تكاليفَ متعدّدة، أنواع مختلفة، منها: غلاء المهور أوّلاً، فغلاء المهور وكثرتها وتنافُسُ الناس فيما يدفَعون سبَّب عزوفَ بعض الشبابِ المسلم عن الإقدام على هذا الزواجº لأنه يرى نفسه عاجزًا وغيرَ قادر مهما بذل، ثم ما يُضاف إلى ذلك من التكاليفِ المتعدِّدة والولائم الكبيرة والتبعات التي بإمكان المجتمع المسلم التخفيف والتيسير فيها.

أيّها المسلم، مشكلةُ غلاءِ المهورِ أو مشكلةُ تكاليفِ الزواج عمومًا هي لا شكَّ مشكلة، ولا شكَّ أنها نازلة، وعلاج هذا لا يكون إلا بتعاونِ أفرادِ المجتمع المسلم فيما بينَهم ليحقِّقوا لمجتمَعهم السعادةَ والهناء. المجتمع المسلم مِن خُلُقه أن يشعر كلُّ بمصالح الآخرين، وإذا كان كلُّ إنما ينظر لواقعه وشخصيّته ومحيطِه الخاصِّ به دون أن يكون هناك نظرة للعموم فهناك البلاء والعياذ بالله. الله - جل وعلا - أرشدَنا بقوله: \" وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ \" [المائدة: 2].

إنّ مِن التعاون على البرِّ سعيَ المجتمع المسلم في تخفيضِ التكلفاتِ في الزواج بأيّ أنواعها، إذا شعَر المسلم أن له أبناءً يريد تزويجَهم وأنّ له بناتٍ, يريد أن يتزوَّجنَ ويعفّهن الله عن الحرام، إذا شعر المسلم بذلك دعاه إلى التيسير وسَلك طرق التيسير وإشاعة هذا الزواج وانتشاره.

أيّها المسلم، إنَّ المجتمعَ المسلم عندَما يتكاتف على الخيرِ ويشعُر كلّ فرد بمصلحة الآخرين فعند ذلك يقع الخير بتوفيق من الله، أمّا أن يتغاضَى الإنسان عن الآخرين وإنما ينظر لواقعه الخاصّ دون نظر إلى واقع الآخرين فتلك مصيبةٌ عظمى.

أيها المسلم إذا فكَّرت قليلاً ونظرتَ إلى بعض شبابِ من شبابنا وبعض الفتيات، بعضُ الشبابِ يريد الزواج، وبعضُ الفتيات والكل يريد الزواج، كلُّ يريد الزواج من ذكورٍ, أو إناث، علِمتَ أن هذه الفئةَ تحتاج إلى من يعينها ويلفِت النظرَ لها، ويساعد الجميع، فإنّك إذا نظرتَ هذا النظرَ الخاصّ دعاك إلى أن تبذلَ جهدَك وتدلي برأيك وتساهِم في تخفيف هذه التكلفات، لأنَّ إشاعة الزواج في المجتمع عنوان سعادتهِ وسلامتِه، إذ بقاءُ من لم يستطعِ الزواجَ ما بين عفيفٍ, يبقى مكبوتًا في حياته، يعيش حسرةً وتألٌّما، وما بين منحدر في رذائله، لا يلوي على شيء، وربما استلذَّ المعصية وأنس بالفساد وانتقل هنا وهناك، وأمضى وقته ومضى بعضُ عمره وما تحقَّقت له أمنيته.

أيها المسلم، ليس علاجُ التكلفات بنظامٍ, يفرَض على الأفراد لا يتجاوزونه، فتلك الأنظمةُ ربما يتخطّاها الناس سرًّا، ويتغلّبون عليها ولا يبالون بها، لكن إذا كان الأمرُ نابعًا من ضميرِ مسلم حيّ يحبّ الخيَر لأمته ويكره الشرَّ لمجتمعه ويسعى في تحقيق الصلاح والاطمئنان والقضاء على وسائل الجريمة والانحراف، كان هذا الأمر أمرًا نافعًا بتوفيقٍ, من الله.

 

أيّها المسلم، طبيعةُ المجتمعاتِ أن يقلِّد بعضهم بعضًا، ويحاكيَ بعضهم بعضًا، فالطبقةُ الوسطى تريد أن تماثلَ الطبقةَ التي أعلى منها، ومَن دونهم يريدون أن يحاكوا من فوقهم، وأصبحتِ المسألة تقليدًا ومباهاة ومجاراة، كلُّ عسى أن يكون يظهر بالمظهر اللائق به من هذه التكلفات الزائدة التي لا تهمّ كثيرًا من الناس لكثرةِ ما عنده، ولا يبالي بما ينفق، فيكونُ البعض مقلّدًا للبعض على هذه التّكلفات الزائدة، حتى في الغالبِ لا تكادُ أن تفرِّق بين ولائمِ مَن كان متوسّط الحال وولائمِ مَن فوقهº لأنّ المجاراة والمحاكاة حكمت على المجتمع بهذا الأمر الخطير.

أيّها المسلم، يكون البعضُ ذا ثراءٍ, وغِنى وجِدة وسَعة، لو ينفق في الليلة الواحدة كذا ألفًا لا يهمّه ولا يكترث به، لأنّ الله قد أعطاه وأغناه، لكن هذه النفقةُ التي لا يبالي بها وتسهُل في يده لأنّ الله أوجد له الخير، هذه النفقة التي ينفِقها لو فكّر قليلاً وتدبّر أنَّ جزءًا منها لو صُرف لزواجِ العاجِز وإعانة العاجز لكان هذا خيرًا له ولشباب الأمة مستقبلاً.

 

إن مَن ينفق الأموال الطائلة لكون أمواله كثيرةً لا ينقصه أن ينفقَ كذا ألفًا في ليلةٍ, واحدة، ولا أن ينفق المئات الألوف في الليلة الواحدة، بينما الآخرون عاجزون لا يستطِيعون ولا يقوَون على هذا الأمر. فمِن واجب المجتمع المسلم أن ينظرَ إلى هذا الأمر نظرةً جدِّية فيها التعاونُ والتكاتف والتساعُد، وأن يكونَ لدى الناس تعاون على الخير وتشجيعٌ لمن يظهر هذا الأمر وإعانته والثناء عليه، حتى تأخذَ الأمّة هذا الطريقَ المستقيم، فتسهل عليهم المهمّة.

إنّ الأمر يتعلَّق بالمجتمع المسلم، لا بد أن ينبعَ الأمر من قلوبٍ, مستنيرة وقلوب حريصة على الخير، ونفوس يهمّها ما يصيبُ الآخرين من نقصٍ, وأذى.

 

أيها المسلمون، الصَّداق في القرآنِ والسنّة هو عِوَض يدفَع للزوجة، ليس عوضًا أنه قيمة لذاتها، فهي أغلى من ذلك، ولكنّه رمزُ المحبّة والاستئناس، فما يدفعه لها مقابلَ استمتاعه بها وارتباطه بهذا العقد الموثَّق العظيم الذي قال الله فيه: \" وَأَخَذنَ مِنكُم مِيثَاقًا غَلِيظًا \" [النساء: 21].

هذا الصداقُ واجب للمرأة بنص القرآن والسنة، قال - تعالى -: \"وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً \" [النساء: 4]، فهو واجبٌ بلا إشكال بنصِّ القرآن وفعلِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقريرِه وإجماعِ المسلمين على ذلك، لكن سنّةُ محمّد - صلى الله عليه وسلم - التي سارَ عليها من جهة نسائِه أو بناتِه كانت سيرةً عادلة وكانت سيرةً نبيلة، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - قدوةُ المسلمين وهو إمامهم، \" لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا \" [الأحزاب: 21].

فهو - صلى الله عليه وسلم - ضَرَب أروعَ الأمثال في ذلك، فزوجاتُه ما كانَ يدفع للواحدةِ منهن إلاّ اثنتي عشرةَ أوقية من الفضة، وما كان يقبل لصدقات بناتِه إلا اثنتي عشرة أوقيّة من الفضة، أي: ما يقارب خمسمائة درهم بالدرهم الإسلامي، هكذا كان صداقُه لنسائه، وهكذا كان صداقُ بناته - صلى الله عليه وسلم - هو ملتزمٌ بذلك، فما واحدة من نسائه أعطاها أكثرَ من ذلك، ولا واحدة من بناتِه أعطِيَت أكثرَ من ذلك، كان ملازمًا لهذا التيسيرº لأنه قدوةٌ للمسلمين يتأسَّون به في الخير والهدى صلوات الله وسلامه عليه.

 

بل الأمرُ في السنة جاء بالتيسير بما هو أعظم من ذلك، فإنّ امرأةً في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - طلبت ممن خطبها أن يسلِم، فلمَا أسلم تزوَّجته وجعلت مهرَها منه إسلامَه ودخولَه في الإسلام[3].

 

وامرأة زوَّجها النبيّ برجلٍ, على أن يحفِّظها ما معَه من القرآن[4].

وقال لعبد الرحمن بن عوف: ((ماذا أصدقت امرأتَك؟)) قال: وزنُ نواةٍ, من ذهب[5].

ثم يقول عمر - رضي الله عنه - مخاطبًا للناس يحثٌّهم على عدم التغالي في المهور ويقول: (لو كان تقوًى للهِ أو مكرمةً للناس لكان أولى به منكم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -)، وذكر أنَّ رسول الله ما أصدق امرأةً من نسائه أكثرَ من اثنتي عشرة أوقية، ولا أُصدِقت أحدٌ من بناته بأكثر من اثنتي عشرة أوقية[6].

كلٌّ هذا تيسير للناس وتسهيل، هو لا شكَّ أنه حقُّ للمرأة، لكن ينبغي للمجتمعِ المسلم أن يترَبى على الخير وروح التعاون والمحبة بين المسلمين، ولذا قال العلماء: إنَّ من يريد الزواجَ إذا كان فقيرًا يعطَى من زكاة المال ما يعينه على مهمَّته. هو فقير أمامَه تكلفاتٌ كثيرة، وأمامَه وأمَامه..فيصلُح أن يعطَى من الزكاة ما يعينه على هذه المهمّة، ليتخطَّى تلك العقبات الكأداء.

 

إنَّ المجتمع المسلم متى شاع فيه هذه الروحُ الطيبة روح التعاون والمحبة والنظر إلى الفقيرِ والمسكينِ والعاجز ورحمتِه والإحسان إليه ومساعدته بكلّ ممكن.

هذا الذي يحقِّق للمجتمعِ الخيرَ والصلاح ويقضِي على الجريمة والانحرافِ الخلُقي الذي يبتلَى به من يبتلَى به، فإنَّ هذه الغرائزَ إن لم تكافَح بالخير ويعان أهلُها على الخير يوشك أن يتسلَّط الشيطان على أولئك، فيزيِّن لهم الفواحشَ ويغريهم بالمنكرات، فتمضي أعمارُهم من باطل إلى باطل، تقسى القلوب، وتنفر النفوس عن هذا الأمر العظيم، وتستلذّ الراحةَ بهذه المعصية، فيخسَر المسلمون شبابه%

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply