صلة الرحم ( 1 - 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، أحمده - سبحانه - واشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء خبراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

هذه رسالة كتبتها عن صلة الرحم، وسيكون الكلام فيها عن النقاط التالية:

1- معنى صلة الرحم.

2- حكم صلة الرحم.

3- ما ورد بشأن صلة الرحم وقطعها.

4- مَن الأرحام الذين تجب صلتهم؟.

5- كيفية الصلة.

6- فوائد صلة الرحم.

7- مظاهر عدم صلة الرحم.

8- أسباب عدم صلة الرحم.

9- الأمور المعينة على الصلة.

 

أولاً: معنى صلة الرحم:

صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم.

وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إلى الأقارب، وقيل بل هي الإساءة إليهم.

وفيه فرق بين المعنيين فالمعنى الأول يرى أنه يلزم من نفي الصلة ثبوت القطيعة، والمعنى الثاني يرى أن هناك ثلاث درجات:

1- واصل وهو من يحسن إلى الأقارب.

2- قاطع وهو من يسيء إليهم.

3- لا واصل ولا قاطع وهو من لا يحسن ولا يسيء، وربما يسمى المكافئ وهو الذي لا يحسن إلى أقاربه إلا إذا أحسنوا إليه، ولكنه لا يصل إلى درجة الإساءة إليهم.

 

ثانياً: حكم صلة الرحم:

لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب، وقد نقل الاتفاق على وجوب صلة الرحم وتحريم القطيعة القرطبي والقاضي عياض وغيرهما.

وصلة الرحم عند الدخول في تفصيلاتها يختلف حكمها باختلاف قدرة الواصل وحاجة الموصول، وباختلاف الشيء الذي يوصل به.

أوضح هذا فأقول:

لو كان لإنسان غني أخ فقير يحتاج للمساعدة فإن الأخ الغني هنا يجب عليه أن يصل رحمه بإعطاء أخيه الفقير، فهنا الإعطاء أصبح من الصلة وهو واجب، بينما لو كان الأخ غنياً لا يحتاج إلى المال لأصبح الإعطاء غير واجب لكن الصلة بالأشياء الأخرى كالسلام والصلة بالكلام هي التي تصبح واجبة. إذن هنا راعينا حاجة الموصول.

كذلك يجب أن تراعى قدرة الواصل فإن كان مقتدراً فإنه تجب عليه الصلة وإلا فلا.

كذلك لا بد من الانتباه إلى الشيء الذي يوصل به فهناك أشياء تكون هي محل الوجوب وهناك أشياء أخرى يكون فعلها على سبيل الاستحباب.

ففي المثال السابق نجد أن الأخ الفقير صلته تكون بإعطائه فالإعطاء هنا واجب بينما إذا كان غنياً فصلته لا تكون بإعطائه فالإعطاء يصبح مستحباُ وليس بواجب.

وأيضاً أمر آخر وهو أن الوجوب يكون على الأقرب فمن بعده فمثلاً إذا كان الغني له أخ فقير وعم فقير ولا يستطيع أن يقوم بحقهما جميعاً فهنا نقول أن الواجب صلة الأخ الفقير لأنه أقرب وتكون صلة العم على سبيل الاستحباب.

أمر آخر يجب التنبيه عليه وهو أن تقصير الأقرب في القيام بواجبه تجاه رحمه لا يعفي البعيد من المسؤولية فمثلاً لو افترضنا أن هناك شخص غني وله أخ فقير يحتاج إلى صلته ولهما عم غني، فهنا صلة الأخ الفقير تجب على أخيه الغني وتكون بالنسبة للعم مستحبة، ولكن لو افترضنا أن الأخ الغني لم يقم بواجبه وقطع رحمه، فإن العم لا يحق له أن يقول إن صلة هذا القريب على أخيه وقد قصر فلا أتحمل أنا المسؤولية، بل ينتقل الوجوب إلى العم وهكذا.

 

ثالثاً: ما ورد بشأن صلة الرحم وقطعها:

أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى وهم الأرحام الذين يجب وصلهم فقال - تعالى -: ((وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرائيلَ لا تَعبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَاناً وَذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلَّا قَلِيلاً مِنكُم وَأَنتُم مُعرِضُونَ) (البقرة: 83).

وقال - تعالى -: ((لَيسَ البِرَّ أَن تُوَلٌّوا وُجُوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهدِهِم إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ)) (البقرة: 177).

وقال - تعالى -: ((يَسأَلونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُل مَا أَنفَقتُم مِن خَيرٍ, فَلِلوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ, فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) (البقرة: 215).

وقال - تعالى -: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقّاً لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ. وَالَّذِينَ آمَنُوا مِن بَعدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُم فَأُولَئِكَ مِنكُم وَأُولُوا الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ, فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ, عَلِيمٌ)) (لأنفال: 74ـ 75).

وقال - تعالى -: ((وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوَالِدَينِ إِحسَاناً وَبِذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُربَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبٌّ مَن كَانَ مُختَالاً فَخُوراً)) (النساء: 36).

وقال - تعالى -: ((إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالأِحسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)) (النحل: 90).

وقال - تعالى -: ((وَقَضَى رَبٌّكَ أَلَّا تَعبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَاناً إِمَّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَو كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ, وَلا تَنهَرهُمَا وَقُل لَهُمَا قَولاً كَرِيماً * وَاخفِض لَهُمَا جَنَاحَ الذٌّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبٌّكُم أَعلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُم إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً * وَآتِ ذَا القُربَى حَقَّهُ وَالمِسكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّر تَبذِيراً * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)) (الإسراء: 27).

وقال - تعالى -: ((فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه وأولئك هم المفلحون)).

كما أنه - سبحانه - عظم قدر الأرحام فقال - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً)) (النساء: 1).

وقال - سبحانه وتعالى -: ((فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم)) (محمد: 23).

وقال - سبحانه وتعالى -: ((وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ)) (الرعد: 25).

ووردت أحاديث كثيرة فيها الأمر بصلة الرحم وبيان ثواب الواصل والنهي عن قطيعة الرحم وبيان عقاب القاطع منها ما يلي:

1- عن أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)) البخاري  الفتح3(1396) واللفظ له، ومسلم (14).

2- عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: ((إن الرحم شُجنةُ متمِسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلَق، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول - تبارك وتعالى -: أنا الرحمن الرحيم، و إني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن نكثها نكثه)) الحديث له اصل في البخاري الفتح 10(5988) والأدب المفرد ومجمع الزوائد (5/151) واللفظ له وقال: رواه البزار وإسناده حسن والترغيب والترهيب (3/340) وقال إسنادة حسن.

3- عن أبي ذر- رضي الله عنه- أنه قال: ((أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومةُ لائم، وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت)): ذكره في المجمع وقال: رواه الطبراني في الصغير(2/48) حديث رقم (758) والكبير (2/265) ورجال الطبراني رجال الصحيح غير سلام بن المنذر وهو ثقه (8/154).

4-عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)) البخاري- الفتح10(5989). ومسلم (2555) وهذا لفظه.

5- عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سرهُ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه)) البخاري الفتح10(5986) ومسلم (2557)

6-عن عبدا لله بن سلام - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، انجفل الناس قِبَلهُ. وقيل: قد قدم رسول لله - صلى الله عليه وسلم -، قد قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً فجئت في الناس لأنظُرَ فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعتهُ تكلم به أن قال: ((يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)) الترمذي(2485). وابن ماجه (3251). واللفظ له. وأحمد (5/451). وذكره الألباني في الصحيحة برقم (456).

7- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) البخاري-الفتح 10(6138) واللفظ له، ومسلم (47).

8 ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم)) رواه أحمد وإسناده صحيح.

9 ـ وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع الرحم)) رواه أحمد.

10 ـ وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنة قاطع)) أي قاطع رحم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply