ميثاقاً غليظاً


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخي الكريم: اعرف أنك اليوم تحمل هموماً كثيرة، ولديك غموماً متوالية، أحياناً قد تحجبك عن السير في الاتجاه الصحيح.

دعنا ننطلق سوياً لنتعاون في إنهاء هذه المعضلة التي نزلت بك ونرفع سوياً المعاناة التي ألمت بك.

وقبل أن نبدأ المسير سوياً سأذكر لك قصة وقعت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أخطأ أحد الصحابة -رضي الله عنه- خطأ فادحاً كاد أن يؤدي بالأمة لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف للرجل فضله وحسن بلاءه وجهاده فصفح عنه وعفا. إنها قصة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعه - رضي الله عنه - قال ابن كثير: ذلك أن حاطباً هذا كان رجلاً من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضا، وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم، بل كان حليفاً لعثمان، فلما عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فتح مكة لما نقض أهلها العهد، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتجهيز لغزوهم وقال: (اللهم عم عليهم خبرنا) فعمد حاطب هذا فكتب ليتخذ بذلك عندهم يداً فأطلع الله - تعالى -على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استجابة لدعائه ثم ذكر ابن كثير ما جرى، والعبرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل عذره وصفح عنه مع أنه وقع في خطأ كبير.

أوردت هذه القصة بين يدي القاريء الكريم حتى يعرف أن للصفح مكاناً وأن الإحسان أولى وأتم، كما قال - تعالى -في مدح المؤمنين: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ) آل عمران: 134.

فهذه منازل تجعل المؤمن يتنازل عن حقوق له ويصفو عن من أساء إليه لتدوم المحبة وتبقى الألفة بل وتحسن إلى من أساء إليك، وهذا يتحقق لمن منحه الله - عز وجل - مرتبة عالية في حسن المعاملة وطيب المنبت..

أخي الكريم: اطرح بين يديك علاجاً شافياً بإذن الله - عز وجل - لما الم بك وجلاء لما أصابك ومن تلك:

1- عدم العجلة في الأمر: فإن العجلة مذمومة في كل شيء، واراك ذلك الرجل الفطن الذي تدقق وتراجع، وتقدم وتؤخر في شراء سيارة مثلاً، وما أنت فيه اليوم أولي وأحق بذلك، ثم أن التأخير لا يضرك شيئاً، وإن لم ينفعك فلن تندم بإذن الله، وكم من رجل ندم على العجلة والطيش ولم يندم على التأخر مطلقاً.

2- من عادة عقلاء الناس إرجاع الأمور إلى أهلها واستشارتهم وليس عيباً أن تستشير في شراء قطعة ارض أصحاب العقار والمهتمين بذلك، فمن باب أولى أن تقصد طلبه العلم والعلماء وتشرح لهم ما أنت فيه، فإن الحق ضالة المؤمن.وأنت بإخوانك عزيز الرأي ثاقب الفكر.

3- ما نزل بك أخي الكريم إنما هو من أنواع الابتلاء التي يجب الصبر عليها واحتساب الأجر فيها قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يصيب المؤمن من وصبٍ, ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)) متفق عليه وأكثر من الاسترجاع قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خير منها، إلا أخلف الله له خيراً منها)) رواه مسلم

4- طهر قلبك من الحقد والكراهية: فإن هذه الأمور تجعل على عينيك غشاوة وتجعل فكرك مشلولاً، والشيطان يفرح بذلك النصيب منك، فاحذر أن تبني مصير حياة زوجيه على حقد أو كراهية أو انتصار للنفس.

5- قال الله - تعالى -: (وَإِذَا قُلتُم فَاعدِلُوا) الأنعام: من الآية152 وقال في شأن الأعداء و الخصماء (وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى) المائدة: من الآية8 ومن العدل ذكر حسنات الزوجة طوال سنوات مضت، وعدم تصيد الهفوات والزلات فهذا ليس من ديدن وطريقة كرام القوم واراك تصفح عن زميلك وصاحبك في زلات كثيرة فما بالك اليوم تجانب المسامحة والصفح في أمر من قال الله عنه (وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) النساء: من الآية36

6- لا تنس أن في بقاء الزوجة مع محاولة إصلاحها اعفاف لأذنك وسمعك وفرجك من نزعات الشيطان. والإنسان ضعيف يتصدى للفتن بما أحل الله - عز وجل - وشرع.

7- إن كان لك أبناء فإنهم قد يعانون من تسرعك أو عجلتك وقد تحرمهم حنان الأم أو حنان

الأب، واعلم أن جزءً من سعادتك هي رؤية صغارك حولك وأنت الآن مفترق طرق فلا تتعجل الأمر. وإن كان عليك مشقة في البقاء، إلا أن رجاء صلاحهم يجعلك تتحمل ذلك، فكم من مرة تحملت من التعب والحزن لأجلهم.     

8- ابتعد عن الكبر والتسلط والانتصار للنفس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان رأس المتواضعين وهو سيد ولد آدم.

9- اقرأ في سيرة صحابة كرام كان لهم أدوار عظيمة في قيام الأمة من الصحابة والتابعين وكيف هو حالهم مع زوجاتهم بل و أقدم لك نماذج من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته!

روى النسائي عن أم سلمة - رضي الله عنها -: أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول اللهe وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر (حجر) ففلقت به الصحفة، فجمع النبيe بين فلقتي الصفحة ويقول: ((كلوا، غارت أمكم)) مرتين، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صفحة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صفحة أم سلمة عائشة!..

إنه موقف غاضب لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عالجه بحكمة وأنهى الأمر برفق! فما ظنك لو وقفت في نفس الموقف مع زوجتك؟!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply