صلة الرحم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله..

أما بعد..

 

عباد الله صِلوا ما أمر الله به أن يُوصل من حقوقه وحقوق عباده، فصلوا أرحامكم الذين أمركم الله بوصلهم وهم أقاربكم من جهة آبائكم وأمهاتكم، فإن للأقارب حقوقاً لازمة على عباده المتقين، موجبة لرضا الله رب العالمين، لقد رتب الله - تعالى - على صلة الأرحام أجوراً عظيمة ومكاسب كبيرة في الدنيا والآخرة، فالقيام بحقوق الأقارب من أعظم ما يقربكم إلى الله - تعالى -ويوصلكم إلى رحمته وفضله وواسع منه وكرمه، قال الله - جل وعلا -: \"وَآتِ ذَا القُربَى حَقَّهُ\"(1) وقال - جل وعلا -: \"وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ\"(2) أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه))(3)، وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً: ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله))(4) أيها المؤمنون إن من منة الله - تعالى -علينا أن جعل صلة الرحم سبباً لطول العمر وكثرة الرزق ففي الصحيحين قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه))(5) فصلة الرحم يا عباد الله سبب لسعة الرزق، وطول العمر، والمباركة فيه، فبادروا إلى صلة أرحامكم، وصلوهم بكل خير وبر، إن الواصل لرحمه أيها المؤمنون هو الذي يسعى في إيصال كل خير إلى أقاربه، ودفع كل شر عنهم بحسب الطاقة والوسع.

 

فصلوا أيها المؤمنون أرحامكم وأقاربكم بكل خير بالزيارة والهدية والنفقة والمساعدة، صلوهم بالعطف والحنان ولين الجانب وبشاشة الوجه والإكرام والاحترام، صلوهم ببذل ما لهم في الأموال من الحقوق واحتسبوا الأجر عند الله - تعالى -في ذلك فإن الله لا يضيع عمل العاملين، واعلموا أنه كلما قربت الصلة تأكد الحق وثبت الواجب، وزادت الحقوق والواجبات، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: ((أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك فأدناك))(6) فكلما قربت الصلة تأكد الحق وعظم.

 

أيها المؤمنون إن صلة الرحم حق ثابت للأقارب ولو بدرت منهم الإساءة وبدت منهم القطيعة، فالواجب على العبد أن يصل رحمه ولو قطعوه، وأن يحسن إليهم ولو آذوه وأساؤوا إليه، ففي الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل مَن إذا قطعت رحمه وصلها))(7) فليس الذي يبني كمَن شأنه الهدم، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسييؤن إليّ وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل - أي كأنما تطعمهم الرماد الحار- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم - أي معين لك عليهم - ما دمت على ذلك))(8) فأبشر بحسن العاقبة وجميل الخاتمة يا من وصلت من قطعك وأحسنت إلى من أساء إليك \" ادفَع بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ \"(9).

 

وما أجمل ما فعل الشاعر لما هجره أقاربه وأساؤوا إليه:

 

رأيت انثلاماً بيننا فرقعته *** برفقي وإحيائي وقد يرقع الثلم

 

فـداويته حتى ارفأنَّ نفارُه *** فعدنا كأنا لم يكن بيننا جرم

 

وأطفأ نار الحرب بيني وبينه *** فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم

 

الخطبة الثانية:

أما بعد..

احذروا أيها المؤمنون من قطيعة الرحم فإنها سبب للعنة الله وسخطه وعقابه قال الله - تعالى -: \"فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم\"(10) ويقول - جل وعلا -: \"وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهدَ اللَّهِ مِن بَعدِ مِيثَاقِهِ وَيَقطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفسِدُونَ فِي الأَرضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سُوءُ الدَّارِ\"(11).

 

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال: فذاك لكِ))(12) وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم))(13) متفق عليه وهذا كله يبين أن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب وعظائم السيئات.

 

فاتقوا الله عباد الله وصلوا أرحامكم وانظروا في أقاربكم هل قمتم بما أوجب الله عليكم من صلتهم والإحسان إليهم فإن الله - جل وعلا - قد قرن قطيعة الرحم بالإفساد في الأرض.

 

قال ابن كثير: قد أمر الله - تعالى -بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والفعال وبذل الأموال.

 

----------------------------------------

(1) الإسراء: 26.

(2) النساء: 1.

(3) أخرجه البخاري في الأدب (رقم 6138).

(4) أخرجه البخاري في الأدب (رقم 5958) ومسلم في البر والصلة (رقم 2555) واللفظ لمسلم.

(5) أخرجه البخاري في الأدب (رقم 5985) ومسلم في البر والصلة (رقم 2557) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

(6) أخرجه مسلم في البر والصلة (رقم 2548).

(7) أخرجه البخاري في الأدب (رقم 5991).

(8) أخرجه مسلم في البر والصلة (رقم 2558).

(9) فصلت: 34.

(10) محمد: 22-23.

(11) الرعد: 25.

(12) أخرجه البخاري في الأدب (رقم 5987) ومسلم في البر والصلة (رقم 2554).

(13) أخرجه البخاري في الأدب (رقم 5984) ومسلم في البر والصلة (رقم 2556) واللفظ لمسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply