غزوة الطائف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كان مالك بن عوف الذي قاد الجموع إلى حنين سار بعد الهزيمة مع ثقيف إلى الطائف، وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم ودخلوا حصنهم المنيع بعد أن جمعوا فيه من المؤن والذخيرة ما يكفيهم لمدة عام، فسار الرسول – صلى الله عليه وسلم - إليهم ومضى حتى نزل قريبا من الطائف وضرب المسلمون حولهم الحصار وقذفوا حصنهم بالمنجنيق لأول مرة واستمر حصارهم كما ذكر ابن إسحق بضعا وعشرين ليلة قاتلوا فيها قتالا شديد وتراموا بالنبل

 

ولما ضاق الحصار وطالت الحرب أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع الأعناب والنخيل لثقيف، وهى مما يعتمدون علية في معاشهم ووقع المسلمين فيها يقطعون علهم يخرجون للدفاع أو طلب الصلح لكنهم سألوا الرسول أن يدعها لله والرحم فقال فإني أدعها لله والرحم

 

و في  أحد الأيام استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الديلي وقال: يا نوفل ما ترى  في  المقام عليهم؟

فقال: يا رسول الله ثعلب  في  جحر إن أقمت علية أخذته وإن تركته لم يضرك

ورفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم الحصار وقرر العودة دون أن يفتح الطائف فلما ارتحلوا قال لهم الرسول– صلى الله عليه وسلم - قولوا: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون و في  أثناء الرجوع طلب بعض الصحابة من الرسول – صلى الله عليه وسلم -أن يدعو على ثقيف فقال: اللهم أهد ثقيفاً وأت بهم مسلمين

 

وسار الرسول – صلى الله عليه وسلم -بجيشه حتى نزل الجعرانة (حيث كان قد ترك الغنائم والسبي الذي حازه من هوازن وحلفائها) وتأنى بها بضعة عشر يوما ليرجع إليه هوازن ومن حالفهم تائبين فيرد عليهم غنائمهم فلم يجئه أحد فشرع يقسمها ليسكت هؤلاء المتطلعين الذين أزدحموا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أقسم علينا فيأنا، حتى الجأوه إلى شجرة فاختطف منه رداءه فقال: أيها الناس ردوا على ردائي فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم ثم ما لقيتموني بخيلاً و لا جباناً ولا كذاباً ثم قال إلى جنب بعير فأخذ من سنامه وبره فجعلها بين إصبعيه ثم رفعها فقال: أيها الناس والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم

 

وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة قلوبهم وكانوا من أشراف قريش وبعض القبائل الأخرى يتألفهم ويتألف بهم قومهم فأعطى أبا سفيان أبن حرب مائة بعير وأعطى ابنة معاوية مائة أخرى وأعطى حكيم بن حزام مائة...إلخ وأعطى عباس بن مرداس بعض الابل فسخطها وعاتب فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال  في  ذلك شعرا فأعطاه الرسول حتى رضي ولم يعط الرسول – صلى الله عليه وسلم - من هذه الغنائم للأنصار ولا كبار المهاجرين ووكلهم إلى إسلامهم

 

موقف الأنصار

ولما أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تلك العطايا  في  قريش و في  قبائل العرب ولم يكن  في  الأنصار منها شئ وجد هذا الحي من الأنصار  في  أنفسهم حتى كثرت منهم القاله، حتى قال قائلهم: قد لقي والله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -قومه

فذهب سعد بن عباده إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك  في  أنفسهم لما صنعت  في  هذا الفيء الذي أصبت قسمت  في  قومك وأعطيت عطايا عظيمة  في  قبائل العرب ولم يك هذا الحي من الأنصار منها شيء

فقال الرسول– صلى الله عليه وسلم -: فأين أنت من ذلك يا سعد؟

قال: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي

قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة

فخرج سعد فجمع الأنصار وقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -لك هذا الحي من الأنصار

فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم خطب الأنصار قائلا: يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟؟

قالوا: بلى الله ورسوله أمن وأفضل

قال: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟؟

قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله لله و لرسوله المن والفضل

قال: أما والله لو شئتم لقلتم ...................

يا معشر الأنصار أوجدتم  في  أنفسكم  في  لعاعة (شجرة خضراء شبه بها نعيم الدنيا) من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعب لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار

فبكى القوم حتى أحضلوا (بللوا) لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا

 

الرسول – صلى الله عليه وسلم - يرد السبايا إلى هوازن

وأتى وفد هوازن إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد أسلموا وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم سبيهم وثروتهم

فقالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك

وقال أحدهم: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما  في  الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟؟

فقالوا: يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا - بل نرد إلينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب إلينا

فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - في  أبنائنا ونسائنا فأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم

فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أما ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم و قال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و أبى ثلاثة من بنى تميم وبنى فزارة أن يتنازلوا عن سبيهم

 

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن هؤلاء القوم قد جاءوا مسلمين وقد كنت استأنيت بهم وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرد عليهم وله فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا

 

فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يتخلف منهم أحد وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوفد عن مالك بن عوف فأخبرهم أنه بالطائف مع ثقيف فقال أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل، وعلم مالك بن عوف بذلك فخرج من الطائف سراً وأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة أو بمكة فرد علية أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل و أسلم فحسن إسلامه فاستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه من القبائل التي حول الطائف

 

الشيماء أخت الرسول - صلى الله عليه وسلم -

وكان من ضمن السبايا الشيماء بنت حليمة السعدية أخت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وأعنفوا عليها  في  السوق وهم لا يدرون فقالت للمسلمين: أتعلمون والله إنني لأخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدقوها حتى أتوا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما انتهت الشيماء الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت يا رسول الله: أنا أختك من الرضاعة

قال: وما علامة ذلك؟

قالت: عضة عضضتها في ظهري وأنا متوركتك - يعنى حاملتك على وركي

وعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلامة فسر بها وأدناها منه وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ثم خيرها بين الإقامة معه أو العودة إلى قومها فرأت أن تعود إلى قومها فأجابها لذلك وأعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاة هذا ولا يفوتنا أن نذكر أن الشيماء قد أسلمت

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply