مشكلة البطالة بين الواقع و المأمول ( 2 - 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

3- عوائق العمل الحر:

إن من عوامل تفاقم البطالة هي تلك العوائق و القيود المفروضة على العمل الحر مثل العمل الفني: بناء، نقاشة، حدادة، ميكانيكا، كهرباء...إلخ، و العمل التجاري و الاستشاري و الخدمي، و في هذه العجالة أتطرق إلى بعض هذه العوائق و القيود:

أ- العوائق الحكومية: إن الدولة (الحكومة) تسهم و بشكل كبير في مشكلة البطالة، و ذلك من خلال الآتي:

(1) الرخص و التصاديق: إن الرخص و التصاديق الحكومية تمثل عائقا حقيقيا في ممارسة الأعمال الحرة ليس ماديا فحسب بل و كذلك من خلال الحط من قدر العاملين بها عبر المطاردات و الملاحقات و الإذلال.

إن هذه الحقائق المشاهدة لا تحتاج إلى منافح ينكرها و إلا كان بمثابة من يضع أصابعه في آذانه من الصواعق و ما هو بمانعها.

إن الرخص و التصاديق قد بلغت قدرا عظيما من القيمة المادية بما لا يستطيع بادئ عمل و لا مستمر فيه من أصحاب المهن الحرة و كذلك من يرغبون في ولوج المجالات التجارية البسيطة، و التي تكون رخصها و تصاديقها أكبر بكثير من رؤوس أموالها، فلا بد للحكومة من النظر بجدية في الآثار السالبة لكثير من جباياتها و التي تعمل على وأد الحماسة و الجرأة و المقدرة على بذل الجهد من أجل وضع مادي و اجتماعي جيد.

(2) الضرائب: و ما أدراك ما الضرائب. لقد أدت إلى ترك العديد من التجار تجاراتهم و جمد كثير من المستثمرين نشاطاتهم التي كان لها دور مقدر في الاستخدام و العمل، و اتجهوا إلى نشاطات خفيفة و سريعة العائد و غير مؤسسية، و بأقل قدر من التكاليف والعوائق الحكومية، و لن تستطيع حكومة في الأرض سد الثغرات كلها.

(3) الجبايات الأخرى: النظافة، الدفاع المدني، التبرعات الإجبارية و الاشتراكات القسرية و غيرها قد أدت و تؤدي إلى كثرة الاحتكاكات مع الحكومة و بالتالي الاتجاه على نشاطات هامشية جانبية مريحة للبال، و إما العزوف عن العمل بالكلية انتظارا لظروف أفضل أو سفر قريب.

إن بعض العاملين في التجارة قد اتجه إلى الاستثمار في المواصلات من عينة (الأمجاد) و (الركشات) و الحافلات، فهي رغم العوائق الموجودة بها إلا أنها ذات مصدر واحد و محدودة نسبيا مقارنة بالنشاطات الأخرى التي تحتاج إلى عمالة و ظهور وثبات في الموقع.

(4) قيود التمويل: إن الدولة تتحكم بشكل كبير في نوعية النشاطات التي يمكن أن تمولها البنوك و نسب الربح علوا و انخفاضا. و رغم أن كثيرا من الأفكار قد تكون ناجحة و مجدية و مفيدة إلا أنها قد لا تدخل ضمن النطاق المسموح به في التمويل البنكي.

لا بد للحكومة أن تتخلى عن سيطرتها على القطاع التمويلي بترك الحرية له في اختيار المشروعات التي يمولها و حجمها بدلا من الافتراض بأن هذه المؤسسات غير حريصة و غير واعية، و بالتالي السيطرة عليها قانونيا.

إن المؤسسات الحرة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تبني الأفكار و المشروعات الصغيرة و الكبيرة، بل و ربما التنافس في ذلك وفق شروط تمويل جيدة، و ما على الدولة سوى مراقبة شرعية أعمالها فقط. إن هذا التحكم في ذاته سبب من أسباب قصور هذه المؤسسات في أداء دورها نحو مشكلة البطالة و تمويل المشروعات الصغيرة، كما و أن النسب العالية للتمويل تؤدي إلى إحجام العديد من الأفراد عن مثل هذه المعاملات المالية التي تشكل خطورة كبيرة على الطرفين جميعا.

(5) مفاهيم العاملين بالدولة: إن للعاملين بالدولة نظرة عجيبة تجاه العاملين بالمهن الحرة، و هذه النظرة ليست خاصة و شخصية بل غنها تتحكم في قرارات الحكومة و معاملة موظفيها لهم، فنجد موظفي الضرائب لا يحفلون بإقرارات التجار و ربما كذلك حتى بالحسابات المراجعة بصورة قانونية، بل عندهم اتهام دائم للتجار و المستثمرين بالكذب (لماذا يكذبون؟ )، كما أنهم يعتقدون أن كل من يعمل في المهن الحرة هو ذو دخل عال و  أن عليه تمويل الخدمات الحكومية بنصيب أكبر، فنجد الموظفين خالين من كل التزام أو التزامهم قليل بالنسبة للدخل، أما التاجر أو المستثمر أو العامل فعليه أن يدفع شطر ماله أو ربحه للدولة و هذا من العجب العجاب، و ينتج عنه عدم المساواة بين المواطنين المتساوي الدخل.

إن المفاهيم الغربية المجحفة قد أصبحت عند الموظفين و المثقفين (الموظفين أيضا) أمورا مسلما بها، فتجد مفاهيم موظفي الحكومة تتحد إلى حد كبير مع مفاهيمهم المجحفة المائلة عن الصواب و العدل، فلا بد إذا من إعادة النظر في هذه الجبايات وفق المفاهيم الشرعية الربانية

(و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.. ).

و لا بد من رفع القيود و العوائق الحكومية الكثيرة و المدمرة عن العمل الحر و المهن الحرة، و على الحكومة رقابة شرعية المعاملات و سلامتها و عدم تعدي و ظلم الإفراد لبعضهم البعض، و إلزام المتعاقدين بعقودهم.

(6) العوائق الفنية: إن هناك العديد من العوائق الفنية التي تؤثر على البطالة، منها:

أ- ضعف التأهيل الفني.

ب- فقدان الخبرة.

ج- عدم القدرة على الإدارة.

إن هذه العوائق قد أدت إلى أن بعض الشركات تستجلب العمالة الماهرة من الخارج في كافة المجالات في كافة المجالات المهنية و الفنية، حتى العمال في مجالات المعمار و النظافة و غيرها من المهن البسيطة، إذ لا يوجد أفراد مؤهلين للقيام بها بشكل جيد و مستوى عال، فلا بد إذا من تأهيل فني عال و الرقي بالمهن الفنية و الأوضاع الاجتماعية للعاملين بها و إدخال التحسينات في المناهج الدراسية، بحيث يتم التدريس الفني و التدريب لكل الدارسين سواء كانوا أكاديميين أو غيرهم، و هذا ما لاحظته في مناهج بعض الدول الأوربية منذ زمن بعيد أنهم يدخلون العمل اليدوي و المهني ضمن مقررات الدراسة المعتادة، فيتخرج الطالب من المراحل الأساسية و بيده مهن عديدة يجيدها و يمكن أن يتطور فيها لاحقا.

 

(7) العوائق الشخصية و الثقافية: منها:

أ- ضمور الثقة بالنفس.

ب- ضمور الأفكار و المبادرة.

ج- الخوف من التعاون و المشاركة.

إن العوائق الشخصية و الثقافية ناتجة عن مجموعة المفاهيم الممتزجة و التي يستخلصها الفرد من محيطه الاجتماعي سواء كان واسعا أو ضيقا، كما و تؤثر فيه مفاهيم الفرد الخاصة و آراؤه و توجهاته نحو بيئته و نفسه.

إن للتربية دور هام في تنمية الشخصية و صقلها، كما أن للتجربة العملية دورها في بث الثقة بالنفس و نشر الأفكار و دعم المبادرة، و على هذا يمكن تجاوز مثل هذه العوائق عبر الآتي:

1- أن تحتوي المناهج الدراسية على المفاهيم و التوجهات التي تشجع التفكير و المبادرة و تبث الثقة بالنفس و تدعو إلى المشاركة و التعاون، ليس على النحو النظري الضعيف الذي نراه الآن، و لكن لابد من أن يحتوي المنهج على القصص و التاريخ و السير و الأخبار و الآيات و الأحاديث و التجارب الداعمة لهذا التوجه، و بثها في كافة المنهج الدراسي مع توجيهها بوضوح نحو هذه المفاهيم.

2- لا بد من توفير زمن للتدريب و التجريب، بحيث أن كل دارس يجد فرصته في الاحتكاك بأهل الخبرة و التخصص، و بأنواع الآلات و المعدات و البيئات و تطبيق العلوم التي يمكن أن تساعده في تنمية أفكاره و تصوراته عن العمل و الإنجاز و تسمح له بالعيش في الجو العملي الفعلي، بحيث يتجاوز أهم الصعوبات و التعقيدات.

3- إيجاد جهات تشجع المبادرات العلمية للطلاب و تعمل على مساعدتهم في الحصول على التمويل و الدعم الفني و النفسي و التدريبي و التسويقي.

إن العوائق الشخصية و الثقافية هي من أكثر المعوقات حاجة للتذليل، غذ أنها حجر العثرة الأول في سلم المبادرة العملية و الخروج من دائرة الإحباط.

إنني إذ اختم مقالي هذا لا أجد ما أختم به أفضل من اقتراح الحلول التالية لمشكلة البطالة بل و الكثير من مشكلاتنا الاقتصادية المرتبطة بها من قريب أو بعيد:

أ- تحرير سوق العمل من القيود القانونية الكثيفة و المعقدة بسم حماية العاملين.

ب- تحرير الاقتصاد من هيمنة المؤسسات الاقتصادية الحكومية أو شبه الحكومية، بل و تصفيتها الفورية و إخراج الدولة من النشاط الاقتصادي تنافسيا بالكلية، اللهم إلا الرقابة الشرعية.

ج- تحرير النشاط الاقتصادي بصورة عامة من القيود المالية و الجبايات الضرائبية الكثيرة و المجحفة، اللهم إلا الزكاة و التوظيف الضروري.

د- تحرير مؤسسات التمويل من وصاية الدولة و توجيهها لنشاطات التمويل، اللهم إلا الرقابة الشرعية.

ثم أختم أخيرا بقول شعيب - عليه الصلاة والسلام – لقومه: (و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد غلا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply