مكافحة العماء


 
 
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

لدينا اليوم عدد كبير من المؤشرات المعرفية، وكم ضخم من المعلومات المتعلقة بكل جانب من جوانب الحياة، وهذه الوضعية تمكن كل مدعٍ, أن يقول الكثير مما يريد قوله، مما جعل معرفة الصواب والحق على جانب كبير من التعقيد، وليس لدى أحد من الناس حلول كاملة لذلك، لكن هناك محاولات ومقاربات جيدة، ومن تلك المقاربات السعي إلى فهم الأمور عن طريق(النماذج)، والحقيقة أن ما سنه الله - تعالى- من سنن في الخليقة بالإضافة إلى ما فطر عليها الأشياء من طبائع، إلى جانب تشابه كثير من ردود أفعال الناس على التحديات التي يواجهونها، إن كل ذلك يتيح لنا بناء(هيكل) من الأفكار والمشاعر والصور الذهنية والانطباعات...نتمكن من خلاله فهم الأوضاع والأحوال في بلد من البلدان أو مؤسسة من المؤسسات... إننا في بناء ذلك الهيكل أو النموذج نستثمر المعلومات المتاحة في تكوين رؤية لحقيقة ما يجري على نحو استشرافي مجمل وحذر، فلا نغوص في التفاصيل، ولا نمضي مع الأقاويل والشائعات، ونعرف كيف نتعامل مع المعلومات الزائفة والمجازفة. وهذه بعض الأمثلة الشارحة لما نريد الوصول إليه:

السلوك المستعمر:

حين تقوم دولة بغزو دولة أخرى واحتلال أراضيها، فما المحددات العامة لسلوك الدولة الغازية؟

الجواب باستخدام (النموذج) وهو الآتي:

تقوم الدولة الغازية بحملة إعلامية تهيئ النفوس والعقول لقبول الاحتلال، ولهذا فإن كل الحملات الاستعمارية تبدو في نظر القائمين بها مشروعةº فهي إما لاسترداد حقوق مغتصبة، وإما لنصرة حليف، وإما للوقاية من خطر محتمل، وإما استجابة لنداء استغاثة من بعض أهل البلد المغزوّ.... أعذار كثيرة تُستخدم بغية جعل شريحة من الناس -على الأقل- تقتنع بمنطقية الغزو أو الاستعمار. وهذا يهدف إلى إحداث جدل داخلي وخارجي يخفف من وحدة المعارضة ضد المستعمِر.

يحاول المستعمِر التحالف مع بعض أهل البلد المستعمَر من خلال توظيفهم في خدمته، ومن خلال منحهم بعض الامتيازات، أي تحويلهم من أناس يحملون روح المقاومة إلى أناس يجدون في استمرار المستعمِر فائدة لهم. ومن هؤلاء الحلفاء يكون الحكام المحليون والمرتزقة والجواسيس، وكل أولئك الذين يقومون بتلميع صورة المستعمِر.

يحاول المستعمِر إيجاد مادة يتحدث عنها الإعلام، ويتحدث بها أهل البلد المستعمَر، وتلك المادة تشتمل في العادة على صور من رحمة المستعمِر وعدله وإنصافه وتمدّنه ورقيّه، كما تشتمل على بعض المنجزات العمرانية، مثل الطرق والجسور والسدود وما شابه ذلك.

يسعى المستعمِر إلى التواري خلف بعض عملائه المحليين في الأمور المشينة، فيوكل إليهم إصدار بعض القرارات السيئة التي تثير حفيظة الناس، فيوكل إليهم كثيراً من أعمال التعذيب وفرض الضرائب، وذلك لخلق شعور ليرى الناس بأن مشكلتهم الأساسية ليست مع المستعمِر، وإنما مع بعض بني جلدتهم، وهذا يجعل أهل البلد مهيئين لخوض حرب أهلية، تضعف الجميع، وتجعل البعض يطلب النصرة من المستعمِر على أبناء بلده وإخوانه. ويستفيد المستعمِر من هذا فائدة جُلّى تتمثل في تراجع حدة المقاومة لوجوده، وفي شعور بعض أهل البلد بضرورة بقائه من أجل توفير الحماية لهم، أو من أجل الحيلولة دون مزيد من التدهور في الأمن والاقتصاد.

يربط المستعمِر الغازي بين أبناء النخب في البلد المستعمَر وبين مؤسساته الثقافيةº فيوفد البعثات إلى جامعاته لتكون عبارة عن حوامل ثقافية من بلاده إلى بلادهم، وذلك من أجل تعزيز ارتباط المستعمَرين بالمستعمِرين، ومن أجل ضمان استمرار نفوذه الثقافي حتى بعد رحيله عن البلاد المستعمَرة، وهذا ظاهر جداً اليوم، فبعد مرور ما يزيد على نصف قرن على رحيل المستعمِرين مازالت النخب الثقافية في البلاد المستعمرة قبل رحيله(..... ) بتغيير ما يمكن تغييره من مناهج التعليم، ويُعلي من مقام لغته في المدارس والجامعات، كما أنه يربط أهل البلد المستعمَر بعقود واتفاقيات طويلة الأجل تضمن له الاستمرار في التأثير في أوضاع البلاد التي انسحب منها.

قد يقول قائل: ما ميزات (مكافحة العلماء العماء) عن طريق بناء النماذج؟

أقول الميزات كثيرة وعديدة ففي مثالنا هذا نجد الآتي:

أ-حسم ما يمكن أن ينشأ من خلاف حول تحديد ماهية تدخل دولة في شؤون دولة أخرى، كما هو الشأن في العراق وفلسطين حيث ترفض أمريكا وإسرائيل وصفهما بالمستعمرتين أو المحتلتين، وحين نفهم النموذج ونطبقه عليهما نجد أنهما دولتان مستعمِرتان بتوحش.

ب-فهم وتفسير أنشطة المستعمِر، فنحن من خلال فهم النموذج نستطيع فهم ونقد وتحليل سلوك المستعمِر، بل إننا نستطيع توقعه والتنبؤ به، وهذا يساعد أهل البلد المستعمَر على عدم الانجرار خلف المستعمِر، كما أنه يوحّد صفوفهم في مقاومته.

ج-الاهتداء إلى أسلوب معالجة ظاهرة الاستعمار ومعالجة أسبابها والنتائج التي تترتب عليها.

د-العمل على تحصين البلاد من دخول الاستعمار، أي تحسين أوضاعه حتى لا يكون قابلاً للاستعمار.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply