الهواويس !


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهواويس هو الاسم الذي يطلق على أطباء الامتياز في الأوساط الطبية تحريفاً للاسم الأعجمي الإنجليزي، وهم الطلبة حديثو التخرج من كليات الطب، والذين يعملون كمتدربين- أو هكذا ينبغي أن يكونوا- في المستشفيات التعليمية.

إن أطباء الامتياز يقومون في الواقع بجهود كبيرة ومقدرة في تسيير العمل الطبي في المستشفيات، وهم يمتازون- حقيقة- بأخلاق وأدب عال واهتمام ومشاركة وجدانية للمريض وأهله، فتأتي معاملتهم وحسن سلوكهم بردا وسلاماً عليهم، بيد أنهم يفتقدون الخبرة والمعرفة العملية في التشخيص وسرعة المعالجة مما يجعل وضعهم في عيادات الطوارئ في المستشفيات من أكبر أخطاء النظام العلاجي في المستشفيات الحكومية، حيث يباشرون أعمال الطوارئ بأنفسهم، فيقابلون المرضى ويشخصون أمراضهم، ويكتبون الوصفات الطبية لهم (هذا هو الواقع)، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على إهمال النظام العلاجي لحاجة المريض العاجلة لحسن التشخيص، وجعل الاهتمام منصباً على تعليم الأطباء- عن طريق التجربة والخطأ- بدلاً من صحة المواطنين، وهذا دليل كذلك على ضعف وزارة الصحة وعدم قدرتها إرغام الاختصاصيين على مباشرة أعمال الطوارئ بدوام كامل ووردية كاملة، وهم الذين يعملون في عياداتهم الخاصة ليل نهار.

لا بد أن يكون عمل الهواويس هو التعلم وليس التشخيص، وذلك بأن يجلسوا حول الأخصائي- وليس نائبه- في عيادات الطوارئ، يتعلمون منه مباشرة التعامل مع المرضى سلوكاً وتشخيصاً، فإن باشروا التشخيص فتحت سمعه وبصره، وإن كتبوا وصفة فبتوقيعهº حتى لا تكون عافية المريض عند المسؤولين أدنى أهمية من رضاء الأخصائيين ومزاجهم، وتدريب الطلاب وتعليمهم، فسلامة المرضى هي الأولى، والباقي تبع.

إن المرضى- خاصة ذوي الحالات المتدهورة- تلزم سرعة تشخيص حالاتهم وسلامة التشخيص، وفورية المعالجة، وهذا لا يتأتى من المتدربين بل من الأخصائيين، ولهذا لا بد من إلزامهم بالعمل في الطوارئ بورديات مناسبة تضمن عدم إرهاقهم، كما تضمن تواجدهم المستمر في عيادات الطوارئ.

ليت شعري كيف يتعلم المتدرب وليس هناك من يشرف عليه أو يعلمه؟ وكيف يدري إن كان قد أحسن العلاج والتشخيص وهو لا يعرف مردود عمله؟ فإن المرضى إذا يئسوا من المستشفيات لجأوا إلى العيادات الخاصة، وأزهقوا أموالهم وأموال أهليهم فيها..فإن كان العلاج في المستشفيات ناجعا..فلم يلجأون إلى العيادات الخاصة المكلفة؟ الجواب: لأنهم يجدون فيها حسن التشخيص لوجود الاختصاصيين واهتمامهم الفوري (كاش)، وهم الذين تخصصوا في الخارج وفق نظام تعليمي متميز (معظمهم على حساب العامة)، فانظر إلى عياداتهم مكتظة، وأسعارهم ملتهبة، ومن نظر اعتبر.

 

القصص والأخبار التي تدل على صدق هذا الحديث كثيرة، والتجارب في هذا الشأن مريرة، ولعل فرصة تسنح لذكر كثير من التجارب والأخبار.

ندعو المسئولين إلى مراجعة فورية لأنظمة العلاج وممارستها في المستشفيات الحكومية، فإن أرواح الناس أولى بالاهتمام، فكثير من الناس قد يئسوا من العلاج في السودان، واطمأنت نفوسهم إلى العلاج في الخارجº لأنهم يجدون في الخارج حسن التشخيص وسلامة المعالجة والاطمئنان، مع قلة التكلفة النسبية في استخدام آلات التشخيص الحديثة، ومباشرة الخبراء والاختصاصيين بأدنى التكاليف. وليكفوا عن مجاملة الاختصاصيين، ولـ(يندرشوا) كما ينبغي، ولتكن المحاسبة لأكابر الأطباء كمحاسبة ضعفاء العاملين سواء بسواء.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply