الدعوة في أوكار البالتوك ... بين مؤيد ورافض


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت ثورة الاتصالات من أغرب الثورات التي مرت بها البشرية. فهي ثورة جمعت المتضادات: فرَّقت بين أناس، وجمعت بين آخرين.. قلبت كثيراً من المفاهيم، وحطمت كثيراً من القيم، وفي نفس الوقت نشرت اللم والوعي، وكانت سبباً في إيصال نور الإسلام إلى كثير من القلوب التي طالما عاشت في ظلمات الكفر والإلحاد.

كان من أبرز ما تمخضت عنه هذه الثورة برنامج عجيب أطلق عليه اسم (البالتوك). والبالتوك بحر متلاطم يموج بمختلف الأصناف من البشر: فذاك شيخ يجلس في منزله يدعو إلى الله على بصيرة، وينشر بين الناس ما أنعم به عليه الله من علم عبر هذا البرنامج العظيم، وذلك صاحب شهوة مسرف على نفسه يقضي الساعات الطوال متنقلاً في غرفات البالتوك مطاردا الحسان من غرفة إلى غرفة لا يردعه رادع ولا ينهاه وازع.. وذلك صاحب شبهة يحال مستميتاً إضلال عباد الله بنشر شبهاته وانحرافاته وهو يحسب أنه من المحسنين صنعا... إلى غير ذلك مما حفلت به البشرية من توجهات واهتمامات.

 

كان من اللافت في هذا العالم العجيب قيام بعض الشباب من أصحاب الفطر السليمة بالدخول إلى الغرف المنحرفة بجميع أنواعها ومحاولة التصدي لكل ما يسيء إلى دينهم الحنيف بكل ما يملكونه من حجج وأدلة.

 

وهنا تأتي التساؤلات التي تفرض نفسها:

هل هؤلاء الشباب مؤهلون علمياً وشرعياً وفكرياً للتصدي لمن يبثون الشبهات حول الإسلام أو مذهب أهل السنة والجماعة؟

هل يملك هؤلاء الشباب الحصانة العلمية والفكرية التي تمنعهم من الانجراف مع أهل الأهواء؟

هل لهؤلاء الشباب القدرة على مقاومة ما يبث في الغرف الجنسية من أشياء يندى لها الجبين؟

للإجابة على هذه التساؤلات قامت (شباب) بإجراء التحقيق التالي، والتقت ببعض هؤلاء الشباب الذين أجابوا على أسئلتنا بإجابات كشفت الكثير من أسرار الغرف التي يرتادونها، كما التقت المجلة ببعض المختصين الذين كشفوا النقاب عن إجابات شافية لتساؤلاتنا السابقة.

 

تعريف بالبالتوك:

البالتوك هو برنامج للمحادثة يتكون من غرفة عامة وغرف خاصة، بكل غرفة يمكن لعدد كبير من الأشخاص الكتابة بحرية، ويسمح لشخص واحد بالتحدث صوتياً في اللحظة الواحدة في غرفة واحدة، كما يسمح بعرض فيديو لـ 6 كاميرات. وإذا كان الاشتراك مجانياً فلا يمكن أن ترى الصورة متحركة، بل تكون الصور ثابتة، أما إن كان مدفوع الثمن فتكون الصورة متحركة، ومن مميزات برنامج البالتوك أن الكاميرا وعدد الأشخاص الموجودين لا يؤثر أبدا على نقاوة الصوت.

الجدير بالذكر أن البالتوك صادر عن شركة أمريكية يهودية، وهذه الشركة متعاونة تعاوناً كاملاً مع القانون. بمعنى أنها تزود أي جهة قانونية بأي معلومات تطلبها عن أي مستخدم ساهم أو شارك في قضية يعاقب عليها القانون، وتتضمن هذه المعلومات كل ما يمكنها من الحصول عليه من صور أو رسائل أو معلومات اتصال وعناوين وما إلى ذلك.

 

***

 

(س. ع) 20 عاما طالب بجامعة الإمام بقسم الحاسب الآلي في الرياض. صادفته في إحدى الغرف الخاصة بأحد المذاهب الضالة. كان يحاول التصدي لبعض آرائهم المنحرفة والمتعلقة بأهل السنة والجماعة.

حول غرضه من دخول هذه الغرف يقول (س. ع): دخلتها بغرض الاطلاع على عبادة هؤلاء وضلالاتهم.

وحول الآثار السيئة لأفكارهم المنحرفة يقول (س. ع): لا أخاف أن تؤثر عليَّ أفكارهمº لأنني واثق من نفسي.

ويعترف (س. ع) أنه لا يملك القاعدة العلمية التي تؤهله لمناقشة هؤلاء. وعندما سألته: وهل تغني الثقة بالنفس عن العلم الشرعي في مواجهة شبهات هؤلاء المنحرفين؟ كان جوابه: أظن ذلكº لأن الشخص الواثق من دينه لا يستطيع أحد أن يغيره له.

ورغم ما ذكر فإن (س. ع) ينصح الشباب بعدم دخول هذه الغرفº لأنه كما يقول ليس كل شاب واثقاً من نفسه، كما أن النفس أمارة بالسوء.

(س. ع) موقن بأنه لا يستطيع تغيير أفكار من يناقشهم، ولكن غرضه الأساسي من مناقشتهم هو التعرف على ضلالاتهم كما ذكر سابقاً.

أما عن سبب عدم اطلاعه على انحرافات هؤلاء من الكتب والمواقع الإلكترونية الموثوقة فيقول: لم أر هذه المواقع، كما أني لا أحب القراءة.

 

إنهم يشتمون الصحابة

وفي نفس الغرفة كان هناك فهد العتيبي 25 سنة طالب في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران متخصص في الهندسة الكهربائية.

فهد مستخدم جديد للبالتوك. لفت نظره تهجم هؤلاء القوم على صحابة رسول الله وبخاصة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وعندما رأى أنهم يحاجون بالباطل والكذب رأى أن يشارك في هذه المناقشات بالضحك عليهم، والتسلي بإغاظتهم كما يقول.

وبالفعل كانت العبارات والقفشات المضحكة تغيظ البعض فيردون عليه، وما هي إلا لحظات إلا وتم منعه من الكتابة. قلتُ له مازحاً: تستاهل...

يقول فهد: إن هذه هي المرة الأولى التي أحاول فيها مناقشتهم، واكتشفت أنهم يحاجون بالباطل، ومصادرهم كاذبة.

يتفق فهد العتيبي مع (س. ع) بأن شبهات هؤلاء لا يمكن أن تؤثر عليهº لأن هذه الشبهات واهية وهو كما يقول راسخ في العقيدة ومؤمن، كما يتفق معه بنصح الشباب بعدم دخول هذه الغرف، لأن دخولها على حد رأيه لا فائدة منه، وهؤلاء القوم لا ينفع معهم النصح.

 

كان ثالث هؤلاء الشباب أبو محمد وهو طالب جامعي متخصص في اللغة الإنجليزية، يبلغ من العمر 24 عاماً ويعيش في مدينة خميس مشيط.

 

أسلوب عقلاني

كان أبو محمد يناقش هذه الطائفة بأسلوب عقلاني جاد دون تهجم أو تجريح، الغرض الأساسي الذي دعا أبا محمد لدخول هذه الغرفة هو حب الاستطلاع والثقافة وحب الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام. وهو قليلاً ما يدخل هذه الغرف.

وعن مؤهلاته العلمية للرد على هؤلاء يقول: مؤهلاتي بسيطة، لكن الدفاع عن دين الله فرض على كل مسلم على قدر استطاعته، والحمد لله شبههم واهية والردود سهلة غالبا.

وحول الخوف من تأثره بشُبههم يقول: لا والحمد الله، لا أخشى من ذلك، بل إن شبههم كان لها أثر عكسي، علمتني كيف أرد على الشبهات، وزادت إيماني وأصبح أقوى والحمد لله.

أبو محمد لا يهتم بدخول الشباب لهذه الغرف فكل شخص لديه اهتمام مختلف، قد يحب بعض الأشخاص الدخول هنا للاستطلاع، وقد يكون لديه اهتمامات أخرى، وكل واحد حر في أن يختار الغرفة التي يريد.

إذن ألا تخاف على الشباب من شبهات هذه الفرقة؟ يقول أبو محمد: الشبهات ستصل إلى الشباب في أي مكان، داخل هذه الغرفة أو خارجها. والأفضل أن يتعلم المسلم كيف يرد على هذه الشبهات.

أما عن الاستماع إلى شتم الصحابة الكرام فيقول أبو محمد: طبعاً يحرم البقاء في أي مكان يُستهزأ فيه بدين اللهº ولذلك أنا لا أدخل الغرف التي يشتم فيها الصحابة، هذه الغرف تمنع ذلك بشكل عام، وتعطي الفرصة للرد عادة، إذا كان هناك شتم للصحابة فأنا لا أبقى فيها أبدا، وكذلك إذا لم أُمنح الفرصة للرد أخرج.

 

محاسن ومساوئ

وعن محاسن ومساوئ هذه الغرف يقول: لا أعتقد أنه لهذه الغرفة أية محاسن، فهي منبر لأهل الضلالة والزيغ، أما مساوئها فهي كثيرة جداً، يكفي أنها تسعى للنيل من الصحابة وللنيل من السنة النبوية المطهرة ليل نهار.

 

هل ترى فائدة من مناقشة أهل هذا المذهب؟

حول هذا السؤال يقول أبو محمد: مناقشتهم تشبه النفخ في قربة مقطوعةº ولكن الله قد هدى الكثيرين منهم، على العموم المسلمون مطالبون بالدعوة إلى دين الله والدفاع عنه وإقامة الحجة.

يُقر أبو محمد بأنه لم يدرس مذهب هؤلاء بشكل دقيق وواسع، ولكن عادة يرد على شبههم التي يلقونها من كتاب الله ومن السنة النبوية، و (طبعا أستعينُ ببعض المصادر أحيانا).

 

في غرفة النصارى

في غرفة النصارى كان الحال أشد وأنكى

شتائم تعافها النفس وتقشعر منها الأبدان تُكال لسيد الخلق عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.. استهزاء بكل ما هو مقدس عند المسلمين بأسلوب همجي تأباه النفس الإنسانية، ويرفضه العقل السليم... نقاشات بعيدة كل البعد عن أدب الحوار والمناظرة... إرهاب فكري يتمثل في مقاطعة كل مسلم يحرجهم بقوة حجته، ومنعه من الكلام أحياناً... والسماح فقط لأصحاب العلم الضعيف بمناقشتهم.

 

كان أبو ياسر (وهو طالب في كلية الشريعة بجامعة الإمام في بريدة، ويبلغ من العمر 23 عاماً) أحد المنهمكين في مناقشة القائمين على هذه الغرفة، وبمجرد أن قاطعته مستأذناً إياه بالحديث أبدى تذمره من دور أحد المذاهب المنحرفة والمحسوبة على الإسلام في تشويه سمعة المسلمين عند الأديان الأخرى.

يعترف أبو ياسر كسابقيه بعدم أهليته لمناقشة النصارى، ويبرر مناقشته لهم بقوله: أقول بعض ما عندي من علم وأفضح بعض كذبهم، وأدافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونظراً لعدم أهليتي لمناقشتهم مباشرة فإني أستخدم الكتابة فقط في ذلك ولا أستخدم اللاقطة (المايك) لمحاورتهم مباشرة لأن ذلك يحتاج إلى مشايخ كبار.

وحول وجود فائدة من مناقشتهم يقول أبو ياسر: نعم هناك فائدة تتمثل في تقديم ما عندي، وأتوقع أن أؤثر في بعضهم وقد سبق أن جادلت بعضهم وجها لوجه وحصل لهم تغيرº لأن أكثرهم ليسوا مقتنعين بدينهم، وأخبرني صديق من بريطانيا أنهم ليس لهم دين كل شيء جربوه، ولم ينفع إلا الإسلام.

ويرى أبو ياسر أنه يستفيد من مناقشتهم بتقوية قدراته على المناظرة وكيفية الرد على شبهاتهم، وهذا يضطره أيضا إلى دخول بعض غرف أهل السنة والجماعة المتخصصة في الرد على الشبهات، كما يرجع إلى بعض المشايخ الفضلاء ويسألهم فيكون الجواب الشافي بإذن الله، وبذلك تكون الفائدة من وجهين.

 

لا يخشى أبو ياسر من أثر شبهاتهم في نفسه، لأنه كما يقول شديد الحذر في مناقشتهم، كما يرى أن دينهم هش ذو انحراف واضح، ويقول: كيف يقتنع عاقل إذا سمع أن عيسى هو الله أو أن عيسى ابن الله؟ - تعالى -الله عن ذلك علواً كبيراً وإذا كان عيسى هو الله كيف يُقتل؟! أو كيف تلده امرأة؟ أو كيف يشرب الخمر؟ أو كيف يذهب ليخرج الفضلات؟؟ هل هذا هو الله؟! أيقنع هذا؟!

 

وحول الإخوة الذين يدخلون هذه الغرفة لمناقشة النصارى ومؤهلاتهم العلمية يقول أبو ياسر: لا أعتقد أن الإخوة الذين يناقشونهم مؤهلين لذلك، إلا قلة، والنصارى إذا جادلهم شخص مؤهل يقاطعونه ويشوشون عليه حتى يفقد تركيزه.

وينصح أبو ياسر الشباب غير المؤهلين علمياً بعدم دخول هذه الغرف، وإذا أرادوا ذلك فعليهم أولاً بتعلم أحكام القرآن الكريم وتفاسيره ثم تعلم الحديث وفهمه فهماً جيدا وأيضا فهم العقيدة الصحيحة.

 

أما أحمد وهو طالب من جمهورية مصر العربية فقد خالف سابقيه في دواعي دخوله في هذه الغرفة، فغرضه الأساسي من ذلك هو العمل على إخراج الشباب المسلمين من هذه الغرف بنصحهم وتذكيرهم بحرمة دخولها، ويستدل على ذلك بقوله - تعالى -في الآية 140 من سورة النساء: (وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفَرُ بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيرهِ إنكم إذاً مثلُهُم إن الله جامعُ المنافقين والكافرين في جهنم جميعا).

إضافة إلى ذلك فهو لا يرى فائدة من مناقشتهم رغم أنه يتدخل أحياناً ببعض المداخلات التي تحرجهم وتبين كذبهم، وسرعان ما يتركهم ويخرج.

 

نصيحة إلى كل شاب مسلم

وينصح أحمد عبر مجلة (شباب) كل شاب مسلم بعدم دخول هذه الغرف، ويدعو في الوقت نفسه أصحاب العلم والاختصاص إلى ارتياد هذه الغرف والرد على شبهات هؤلاء الحاقدين.

 

لفت نظري أثناء متابعتي لهذه الغرفة أن أحد المشاركين كان يكتب الآية السابقة من سورة النساء، ويكرر ذلك عدة مرات حاورته فذكر لي أن اسمه أبو فراس يبلغ من العمر 45 عاماً، وهو رجل أعمال من مدينة جدة.

أبو فراس دفعه الفضول إلى دخول هذه الغرفةº حيث كانت في أعلى قائمة الغرف بسبب كثرة مرتاديها، وعندما أراد معرفة السبب سمع المنكر فرأى لزاماً على نفسه أن ينهى عنه وينصح إخوته بالخروج وعدم الخوض مع أولئك الضالين، وكتب تلك الآية الكريمة.

ونظراً لما تمتلئ به هذه الغرفة من أكاذيب وشتائم فإن أبا فراس نادراً ما يدخلها رغم أنه يرى أن مناقشتهم مفيدة لأنهم قوم جاهلون وأصحاب شهوات دنيوية فقط، ولكن إذا خاضوا في حديث يسيء لنبينا - صلى الله عليه وسلم - يجب على كل مستمع من غير المناقشين أن يخرج.

 

ويتفق أبو فراس مع من سبقه في عدم أهلية غالب المناقشين للمناقشة، وفي نفس الوقت ينصح المناقشين بعدم سب النصارى حتى لا يسبوا نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

 

وعما إذا كان الاستماع لشتائم هؤلاء يؤثر نفسياً في المسلم دون أن يشعر بحيث تُخدش صورة المقدسات في نفسه، ويتعود على سماع الشتائم تُكال في كل لحظة لكل ما هو إسلامي يقول أبو فراس: لا أضن ذلكº لأن المسلم متيقن من أن الله حق، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - حق، ومن شعر في نفسه بشيء من الشك فليقل (آمنت بالله ورسوله) ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

 

آراء المختصين في مواقع الإنترنت الدعوية

الشيخ الدويش: من المصلحة تجاهل بعض أهل الضلال

بمجرد انتهائي من إجراء هذه الحوارات بدأت بعض الأسئلة تدور في ذهني: تُرى هل يجب على المسلم أن يتصدى لكل ناعق يحاول النيل من الإسلام وأهله؟

بقول فضيلة الشيخ محمد الدويش المشرف على موقع المربي الإلكتروني حول هذا السؤال:

بجب على المسلم أن يدعو إلى الله وأن بذب عن دينه ويدافع عنه، لكن لا يجب على كل أحد وجوبا عينيا أن يتصدى لكل ناعق، وبعض الناعقين قد يكون من المصلحة تركهم وشأنهم.

 

ويؤكد الدكتور محمد العتيق رئيس تحرير موقع المسلم الإلكتروني على ذلك فيقول:

ليس الرد على كل ناعق يحاول النيل من الإسلام واجبا فرديا يتحتم على كل فرد بذاته، فالناس يتفاوتون فهما وعلما ومعرفة وتجربة. وربما دخل في هذا المجال من لا يحسن فضلَّ وأضلَّ. ولكنه واجب كفائي يجب على مجموع الأمة، يقوم به بعضها من أهل العلم بالشريعة وطرق المناظرة وأصول المحاورة، وهنا جانب مهم آخر وهو أن بيئة الحوار والنقاش يجب أن تكون بيئة سليمة تتفق فيها الأطراف على أصول الحوار ويعتمدون قواعد عامة تضمن سير النقاش والحوار مسارا عادلا ومنصفا بعيدا عن التشويش والإثارة واللغط. وأنا أرى أن هذه البيئة السليمة للنقاش غير متوافرة في معظم إن لم أقل كل غرف البالتوك الحالية. وأنا شخصيا لم يسبق لي أن دخلت تلك الغرف ولكن مما أسمعه وأقرأه عنها فالنقاش والحوار فيها تسوده في معظم الأحيان مظاهر الفوضى والشعب.

 

ويرى الدكتور أحمد الصقر رئيس تحرير موقع الإسلام اليوم أنه من الضروري فهم البيئة التي نشأت فيها هذه الظاهرة حيث إن غالبية هذه الجهود التي يبذلها الشباب الذين تحدثوا في التحقيق تأتي نتيجة لمبادرات استفزازية يقوم بها الطرف الآخر تمس أقدس ما يعتنقه المسلم من معتقداته المتعلقة بالألوهية، أو النبوة أو القرآن الكريم، وهي قضايا كلية وجوهرية لا نستغرب أن تأتي ردود الأفعال حولها قوية أو سريعة في بعض الأحيان.

كما يؤكد في الوقت ذاته أن التصدي لكل ناعق يحاول النيل من الإسلام وأهله من فروض الكفايات، لكن إذا شعر المسلم من نفسه قدرة على المجادلة والمناظرة، وكان هناك مصلحة فثم الواجب.

 

اقتراح الدكتور العتيق

وحتى لا يقع الشاب المبتدئ في الدعوة في حرج جراء مناقشات لا قدرة له عليها يقترح الدكتور محمد العتيق طريقة تجنيه ذلك الحرج فيقول:

هناك نوع من المشاركة يمكن أن يتاح للعامة والمبتدئين ممن صادف دخوله تلك الغرف وهو أن يضع مواد مختارة بعناية من قبل تحتوي على مقالات وروابط وأرقام لمراكز دعوية ودعاة موثوقين ثم يخرج من الغرف. وهذه المشاركة أظنها تتيح لمن يبحث عن الحق أن يتعرف على الإسلام دون أن يضطر الشاب المبتدئ إلى الدخول في مناقشات وحوارات لا يستطيع الرد فيها على الشبهات أو التصدي لها بقوة.

 

إجابات الشباب في الميزان

 

ويعلق الدكتور محمد العتيق على إجابات الشباب السابقة فيقول:

أما ما قاله بعض المشاركين في هذا الحوار فمعظمه حق، ولكن ليس صحيحا ولا مقبولا ما قاله بعضهم من أن غرضه من الدخول هو التعرف على ضلالاتهم. وهذا مزلق خطيرº فمعرفة الضلالات ليست هدفا بحد ذاته. وربما لو كان الرجل قليل البضاعة في العلم لأثر ذلك فيه تأثيرا سلبيا، كما أنبه إلى ما قاله آخر من أنه لا يخاف أن يتأثر لثقته بنفسه. الثقة بالنفس ليست كافية لتحصين الإنسان من الوقوع في الضلال. فالشبه تبدأ بدايات شبه منطقية ويبني عليها الشيطان بالتدرج أبنية من الأفكار والتسلسلات حتى يصل الشخص إلى حد من القلق الفكري والشك في المسلمات ما يصعب معه الصمود والثبات. ولهذا أنبه إلى الحذر التامº فالأمر يتعلق بالعقيدة وهي رأسمال الإنسان ودينه الذي يتحدد معه مصيره نجاة أو هلاكا.

 

أما الشيخ محمد الدويش فيعلق على تلك الإجابات قائلاً:

 

أعجبني في إجابات الشباب أمور هي:

1 ـ غيرتهم على دين الله وهذا هو المرجو من كل مسلم.

2 ـ اتفاقهم على أن غير المؤهل لا ينبغي له أن يدخل هذا الجمال.

 

وما لا أتفق فيه معهم فهو: دخولهم في هذه الغرف مع إقرارهم بضعف قدرتهم على دعوتهم وبقلة علمهم.

ونظراً لأن الدعوة إلى الهدى ودين الحق تتطلب من الداعية أن يتحلى ببعض الصفات التي تسهم في إنجاح دعوته بعد توفيق الله - عز وجل - فقد حدثنا الشيخ محمد الدويش عن هذه الصفات قائلاً:

من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الشاب في دعوته للآخرين العلم الشرعي، وحسن التعامل مع المدعوين سواء أكانوا مخالفين أم موافقين، والصبر على مل يواجهه في طريقة الدعوة والبعد عن استعجال النتائج.

 

ويُفصّل الدكتور محمد العتيق في هذه الصفات، فيقول:

يمكن أن أقول على سبيل الاقتراح أن الصفات الواجب توافرها في من يريد الدخول في مناقشة الكفار في غرف البالتوك صفات عديدة منها:

علمية: وهي أن يكون على علم بالشريعة: أصولها وفروعها والأجوبة الشرعية على الشبهات وكيفية إبطالها وصحيح الأدلة من ضعيفها.

ثقافية: تتعلق بطرق المحاورة وأساليب إفحام الخصم ومعرفة مداخل الخصوم وما شابه ذلك.

عقلية: وهي أن يكون على مستوى من الذكاء والفطنة بحيث لا يستدرجه الخصم إلى أمور خارجة عن موضوع الحوار، أو يشغب عليه، أو يخفيه بعبارات وجمل وكلمات ليست لها أصول علمية أو موضوعية.

عمرية: وهي أن يكون تجاوز الثلاثين أو الخامسة والثلاثين. فالناس في هذا السن هم لا شك أكثر هدوءا وأقل تهورا وأكثر حكمة وثباتا وبعدا عن الانحراف الأخلاقي.

دينية: وهي أن يكون ديّناً، ملتزما لا يُخشى عليه الوقوع في الشهوات التي تزخر بها غرف البالتوك.

 

ويذكر الدكتور أحمد الصقر الشباب بأن المقام هو مقام إخلاص، وعلم، ودعوة، ورحمة، ويجب ألا يستفزنا الذين لا يعلمون فنخرج من أخلاقنا وغايتنا من دعوتهم، ليتحول الحوار إلى تراشق بالألفاظ أو شتائم أو شماتة.

 

يقول العامة: كثر المساس (اللمس) يقلل الإحساس

ألا ترى أن تعود الأذن على سماع الشتائم لموجهة لرموز الإسلام تضعف الغيرة عليها في نفس سامعها؟ وربما خدشت الصورة الجميلة لهذه الرموز دون أن يشعر؟

يجيب الشيخ محمد الدويش على هذا السؤال فيقول:

نعم أرى ذلك، ولهذا أنصح الشباب بعدم الدخول إلى هذه المواقع والبعد عنها، وإنما تناسب المختصين: كالمختصين في الفرق والأديان الذين يستطيعون التأثير عليهم، ويملكون في الوقت نفسه حصانة كافية.

 

ويوافقه الدكتور محمد العتيق، ويوضح العلاج في حالة حصول شيء من هذا القبيل فيقول:

إن الدخول في هذه الغرف بشكل منتظم يجب أن يوازيه في ذات الوقت جلسات علمية وشرعية ودينية وعبادية يستزيد فيها الشخص المشارك من العلم والعبادة والقرب من الله - تعالى -ومجالسة أهل العلم، فتكون تلك الجلسات بمثابة دورات تمرين وتعبئة وتثبيت للمشارك مما يتعرض له من تشكيك، وغسل لما يصيب قلبه من أدران بسبب سماعه وطول بقائه مع من يسب الله ورسوله.

لكن الدكتور أحمد الصقر يرى أن الإنترنت فضاء مفتوح ومن الصعب أن تقول لكل متصفح اذهب من هنا ولا تذهب من هنا، ويضيف قائلاً:

لذلك لا بد أن يصادف المتصفح أثناء تجواله في المواقع أو استخدامه للبرامج الحوارية ما يخدش دينه أو حياءه، ولكن بالتأكيد يجب ترشيد هذا الاستخدام ومجاهدة النفس على ترك فضول الكلام والنظر، وإذا كانت المصلحة ظاهرة في دخول هذه الغرف وكان الشخص من أهل العلم والاختصاص والرسوخ فلا يظهر ما يمنع من دخوله حتى لو استمع العبارات المسيئة، لكن الحال أن غالبية من يدخل يدخلون فضولاً أو يشاركون ارتجالاً من دون علم كما يظهر تحقيقكم إن ما يدفعهم للمشاركة هي الغيرة والحماس ولا شك أن عدم دخول هذه الأماكن أحفظ لإيمان المرء.

 

دور المواقع الدعوية

لا شك أن المواقع الدعوية تقوم بجهد جبار في سبيل نشر رسالة الإسلام، وتبصرة المسلمين بأمور دينهم، وكل موقع من هذه المواقع يقف على ثغر، لكن السؤال هنا: ما الدور المطلوب من هذه المواقع تجاه قضيتنا المطروحة؟

 

يقول الدكتور أحمد الصقر مجيباً على هذا التساؤل:

لا يجب علينا الاعتقاد بأن على الجميع الاصطفاف طابوراً واحداً أمام قضية واحدة تعطل الأمة من أجلها مشاريعها أو مسيرتها. الواجب شرعاً وعقلاً أن ينفر من كل فرقة طائفة لهذا العمل وطائفة لذلك العمل، أما تحويل ميادين العمل الإسلامي ومنها المواقع الإلكترونية كلها إلى حلبات صراع ومواجهات من شأنه أن يطفئ من وهج وسمو الرسالة ويحولها إلى مجموعة من المشاريع الوقتية التي تمنع السيول ولكنها لا تتحول هي ذاتها إلى سيول تحيي الأرض بعد موتها!

 

دعاة في الغرف الجنسية

في أثناء جمعي بعض المعلومات حول غرف البالتوك والدعوة فيها أخبرني أحد الإخوة أنه يدخل إلى الغرف الجنسية لدعوة من فيها من الشباب، وعندما أبديت استتغرابي من هذا العمل رد عليَّ محتجاً: إذا لم تنصح هؤلاء فمن ينصحهم؟ أليس هؤلاء من أشد الناس حاجة إلى النصيحة؟

 

يرد الشيخ محمد الدويش على هذا الشاب الغيور وأمثاله فيقول:

هؤلاء يحتاجون للنصيحة بلا شك لكن ليس بالضرورة أن تكون النصيحة من خلال ارتياد هذه الغرف بل من خلال أدوات ووسائل أخرى كالمنتديات والقوائم البريدية ونحوها، وإذا كان هناك عدد من المتزوجين والآباء انجرفوا وراء التعامل مع المواقع الإباحية فكيف بغيرهم من الشباب الذين لما يتزوجوا بعد، أو لا زالوا حديثي عهد بالزواج.

 

ويرى الدكتور أحمد الصقر أن الدعاة مختلفون حول هذه القضية، ويقول: ما يحدث في العالم الافتراضي من مناهج دعوية هو يحاكي ما يحدث في العالم الواقعي كذلك، فهناك مناهج وجماعات ترى الدخول إلى أوكار الفساد ودعوة مرتاديها كما أن هناك من يرى ذات الرأي بالنسبة لأوكار الفساد الإلكترونية، وبالمقابل هناك من يرى في هذا العمل مغامرة غير مأمونة العواقب وأن هذه البيئة بيئة غير مهيأة للدعوة وأن على المرء أن يعتاد رؤية المنكر والرضا به بحجة دعوة الغير.

لكن الدكتور الصقر ينبه كل شاب رأى الدعوة في هذه الأماكن إلى أمر خطير، وهو أن يفكر المرء في نفسه قبل أن يفكر في الآخرين، فلا يصح أن يُعَرّضَ نفسه للخطر والسقوط من أجل إنقاذ الآخرين!

 

كيف يحقق الشاب الفائدة المرجوة من برنامج البالتوك؟

إذا كان البالتوك كما رأينا مليئاً بالأخطار العقائدية والفكرية والأخلاقية، وهو مفتوح أمام مرتاديه لا مجال للسيطرة عليه أو حجب بعض غرفه التي تسيء لمقدسات المسلمين وأخلاقياتهم، أو تبث الشبهات تجاه هذا الدين العظيم، فكيف نحصن شبابنا تجاه ما قد يتعرضون له من شبه وضلالات وانحرافات؟ كيف يحقق الشاب الفائدة المرجوة من هذا البرنامج؟ وكيف يستطيع الشاب الداعية ممارسة دعوته دون أن يتأثر بتلك الشبهات؟

 

يقول الدكتور محمد العتيق مجيباً على هذه التساؤلات:

لكي تتحقق الفائدة من المشاركة في غرف البالتوك فأنا أقترح ما يلي:

1 ـ أن لا تكون المشاركة فردية، وأن لا يجلس الشاب المسلم وحده في جلسة النقاش، بل يكونون ثلاثة على الأقل.

2 ـ الالتزام بالصفات التي ذكرتها سابقا فيمن يشارك في غرف النقاش.

3 ـ أن تؤسس غرف خاصة لتدريب الشباب المسلم على محاورة الكفار في غرف البالتوك.

4 ـ أن يكون العمل مؤسسياً تتصدى له مؤسسات معروفة بالدعوة، وتنشئ له مرافق خاصة وأجهزة يتم الدخول من خلالها في أوقات محددة ومنظمة وضمن ضوابط صارمة.

 

ويضيف الشيخ محمد الدويش ثلاثة أمور أخرى:

الأول: زيارة الغرف الجادة والمفيدة الاستفادة مما فيها.

الثاني: الدعوة في الغرف لمن بلائم ذلك العمل.

الثالث: المشاركة في الأدوار المساندة في العمل في الغرف الدعوية.

 

وينصح الدكتور الصقر مستخدمي البالتوك إلى ضرورة ارتياد الغرف الدعوية التي لا تدخل في مهاترات أو مشاحنات، بل تقدم مجموعة من المحاضرات والدروس والدردشة المقبولة والمرحة، \" وإن كنت أعتقد أن وجود مثل هذه الغرف لا يجب أن تكون لدعوة الناس إليها ممن لم يتعرف على هذا العالم بل هي لأولئك المرتادين الموجودين أصلاً... \".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply