بضاعة الأنبياء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وبعد..

لا أدري ما الشعور الذي ينتابني وأنا أتخيل مواقف الصحابة - رضي الله عنهم - في ساحات البذل والتضحية في سبيل الله - عز وجل -.

 

هل تخيلت أيها الحبيب جعفر الطيار - رضي الله عنه - في غزوة مؤته؟

تلك الغزوة المباركة... التي لم تكن متكأفئة في العتاد والعدة، ولكن النفوس كانت كباراً، والأماني تجاوزت حدود الدنيا الفانية لتستقر في جنات النعيم... فهان كل شيء في سبيل الله.

جعفر - رضي الله عنه - يستعد للقيادة... وهاهو يرى زيد بن حارثة - رضي الله عنه - يقضي نحبه... ويسقط مضرجاً بدمائه الطاهرة.. والغبار منعقد فوق رؤوس المقاتلين بين كرّ وفر، ولا يُسمع إلا صوت صهيل الخيول و سليل السيوف فكفى بها فتنة... أشلاء ممزقة ودماء تسيل فيا لهول المعركة.

عندها تقدم البطل يترنم بإرجوزته الرائعة:

 

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إن لاقيتها ضرابها

 

يتقدم البطل ليذود عن حياض الإسلام وهو يواجه أعداداً من علوج الكفر فتقطع يداه ولا يتخلى عن الراية.. يضمها بعضديه وكأنه يضم حورية من الجنة قد فاح ريحها في ساحة المعركة، ويموت البطل شهيداً في سبيل الله فيكرمه الله بجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء.

 

ترى ما هو السبب في خروج هذه النماذج الفريدة التي لم تكتحل عيني الدنيا بمثلها؟

إنه الأسلوب النبوي الكريم في التربية والدعوة.. ومن هذه الأساليب التشويق في الجنة...

أيها الكرام إن التأميل في الجنة هي بضاعة الأنبياء الرابحة التي لا تكسد ولا تبور.

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما دعا الناس إلى الإسلام لم يمنيهم بالأموال والدور والقصور... إنما قال للصحابة لكم الجنة، فقالوا والله لا نقيل ولا نستقيل.

وقس على ذلك وانهل من معين السيرة العطرة ليتبين لك المنهج النبوي المبارك. لقد كان من كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في التشويق والتثبيت:

- صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.

- ربح البيع أبا يحيى.

- والله لا يقاتلهم اليوم الرجل مقبلاً غير مدبر فيقتل إلا دخل الجنة.

فكان من أتباعه من يقول:

- فزت ورب الكعبة (حين طعن).

- و اهاً لريح الجنة إني لأجد رائحة الجنة من وراء أحد.

- بخ بخ يا رسول الله ليس بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء.

 

وقبل ذلك كله كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على مسامعهم \"مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماء غير آس وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه وأنهارٌ من عسلٍ, مصفى وأنهارٌ من خمرٍ, لذة للشاربين ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاهم \"

إن الواجب على العلماء و الدعاة أن يتأسوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ويمنوا الناس بهذه البضاعة الرابحة (جنة الفردوس) فإنها من أعظم الحوافز للبذل والتضحية في سبيل الله.

ولنبتعد عن المكافأة بالماديات أو المناصب الدعوية والإمتيازات الخاصة.

لقد سلك البعض للأسف مسلكاً خطيراً، وذلك بإخراج جيل يتعلق بالحظوظ الشخصية والمتع الدنيوية، بل وأصبحت الرئاسة والتصدر هدفاً بعيداً عند الأجيال الصاعدة. فأين التأميل والتشويق في الجنة؟!

 

يا شباب الإسلام:

ما أجمل أن تتعلق القلوب بالجنان والفوز برؤية الرحمن، فإن الجنة ورب الكعبة لريحانة تهتز ونور يتلألأ ونهر مطرد وقصر مشيد وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون.

وهل يصح التعلق بغير الجنة؟

إن التعلق بالدنيا وما يتبعها من أمال وأماني ما هي إلا بضائع الحمقى ورؤوس أموال المفاليس (ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة)

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply