حقن دعوية (4)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بين الداعية والمدعو:

إن من الأبجديات في حياة الداعية مخالطته للناس، ودعوته لهم بمختلف ألوانهم ومنازلهم،وبالطريقة التي تتفق ونفسية كل مدعو.

وإيماناً من الداعية بجوهر علاقته بمدعويهº كان لا بد من استشراف هذه العلاقة والعمل على توثيقها وتوسيعها بما يخدم الدعوة.

 

وعلاقةُ الداعية بمدعويه أعظمُ وأجلٌّ من علاقة الوالد بولده والمعلم بتلميذه والراعي برعيته،وقد يحلو للبعض أن يصف العلاقة كعلاقة الطبيب والمريض، وهي في الحقيقة أشرفُ وأعظم من ذلك بأمورٍ, كثيرة..

 

فالداعيةُ هنا لا يعالج نفوساً أصلها من قبضة طين بقدر ما يعالج أنفساً مكنونها من نفخة روح!

 

فخطابه هنا مع القلوب التي في الصدور لا مع الجوارح، وهمه الباطن لا الظاهر، وأسرار الخير في النفوس لا أدران النفس من الخطايا والعيوب.

 

وثمَّ فرقٌ آخرُ جوهري، وهو أن مريض الجسد يبحث عن طبيبٍ, لجسده، أما مريضُ الروح فيبحث عنه الداعية كي يقدم له عُصارة حياته علَّه يكون سبباً في شفائه.

 

والداعيةُ هنا لا يرجوا مالاً ولا شكوراً، بل يحفظ (ولأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمر النِّعم).

 

والداعية هنا أيضاً ينظر لمريضه نظرة رحمةٍ, وشفة،نظرة تفاؤلٍ, وأمل، نظرة حبٍ, وأخوة، وبالجملة نظرة روحٍ, حيةٍ, لروحٍ, تقعقعت الحياةُ فيها.

 

وعندما يأخذ هذا المفهوم حقه ومستحقه في نفس الداعية، ويعلم مكانة هذه العلاقة وسر تميزها عن غيرها، لزم عليه المثول لمدعويه كمثول طبيب الجسد لمريضه.

 

فصفةُ معطف الداعية مع ما فيه من بياض، أن يكون مرتديه خير قدوةٍ, لمدعويه،فلا تعقلُ نصيحةُ طبيبٍ, لمريضه بترك التدخينº وهو يراه مدخناً بشراهة، لا يردعه حياء ولا يوقفه ضمير!

 

وكلما كان هذا المعطف أكثر بياضاً ونزاهةً وسمواً عن حقارة الدنيا وسفسافهاºوزُخرفها وشهواتها،كان لذلك الأثرُ العظيم والوَقعُ الكبير في نفس المدعو، وبالتالي فعليه كطبيبٍ, تعاهد معطفه من أن يلحقه الأذى، فيبتعد به عن مواطن الخلل والزلل والشبهات والتناقضات قدر مستطاعه، والتي إن وضحت واتضحت وعلى السطح طفت، وضعت المدعو في حيرةٍ, من أمره عن طبيبه المزعوم.

 

أما سمَّاعةُ الداعية، فيعرفُ بها مكمن الداء،وبنفس الوقت يستكشفُ منبع الدواء في مريضه.

 

 

 

وكلما كانت هذه السَّماعة دقيقةً في وصف العلل كلما كانت وصفة العلاج حاذقةً في رسم الشفاء بإذن الله لهذا المريض،وأساسُ هذه الوصفة علمٌ رباني مجيد ومنهجٌ نبوي فريد.

 

وعلم الداعية هنا وتقديره الصحيح للأمور وتدرجه في مسار دعوته واهتمامه بشفاء الباطن لا بشفاء الظاهرº كل ذلك يجعلُ الوصفةَ صحيحةً نافعةً بإذن الله.

 

وكلما تكررت دعوته ولم تجدِ بشفاء ظاهر، ولم تفلح تلك الوصفات المرافقة للدعوات، يعلم أن الشفاء بيد الله،مثل ما كان يعلم من قبل أن يعرف مريضه،كما عليه أن يضع نصب عينيه {إنك لا تهدي من أحببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء}،وألا ينسى قدواته من الأنبياء الكرام، ومع ذلك كله يبقى لمدعويه خيرَ طبيب، تواصلاً وسؤالا..تفقداً وزيارة،ودعوةً له بإلحاحٍ, وصدقٍ, بظهر الغيبº علَّ الله عزوجل أن يمنَّ عليه بحياة روحه بعد أن تخبطت في ظلمات الموت.

 

والآن ماذا تنتظر؟!

لتسارع باقتناء المعطف والسمَّاعة، وتتزود من صيدلية داعيتك الأول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -

وكن طبيباً حاذقا، ولا تنتظر أن يقال لك الطبيبُ فلان، إنما أنت سببٌ ليس إلا.

 

فإذا ههمت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من كان في الصف الآخر.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply