التعليم المتدرج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

التدرّج مطلب تربوي

لقد قطع الشر زمناً طويلاً حتى تمكن في النفوس، وأصبح ملازماً لها، ألفته وألفها، وتمكن فيها وترسخ، وإزالة الشر تحتاج إلى زمن لاستئصاله من تلك النفوس وتخليصها منه، وذلك يحتاج إلى حكمة وبصيرة نافذة، واستعانة بالله – تعالى -.

 

قال الإمام البخاري في معنى قوله – تعالى -: \" ما كان لبشرٍ, أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون \". ( آل عمران: 79).

 

قال: الرباني هو: الذي يعلم الناس صغار العلم قبل كباره.1

 

والمراد بصغار العلم: ما وضح من مسائله. وبكباره: ما دقّ منها.

 

وقيل: يعلّمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده.

 

قال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالماً معلّماً عاملاً .2

 

التنظيم المنطقي للمادة التعليمية

\" والمهم ألا يبدأ المعلم تلاميذه بدقائق العلم، وعويص مسائله، فيغرقهم في بحر عميق لا يستطيعون النجاة منه، بل يبدؤهم بالأسهل والأيسر، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حُبّبَ إلى من يدخل فيه، وتلقّاه بانبساط، وكانت عاقبته غالباً الازدياد منه، بخلاف ضده \".3

 

ترتيب الأولويات تدرّج

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: لمّا بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن قال له: \" إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله – تعالى -، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسَ صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فتردُ على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوقّ كرائم أموال الناس \".4

 

وهذا يدل على أهمية التدرّج في التربية والتعليم، وهو مبدأ تربوي هام جداً.

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي العمل أفضل؟

 

فقال: \" إيمان بالله ورسوله \".

 

قيل: ثم ماذا ؟

 

قال: \" الجهاد في سبيل الله \".

 

قيل: ثم ماذا ؟

 

قال: \" حج مبرور \" .5

 

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟

 

قال: \" الصلاة لوقتها \".

 

قال: قلتُ: ثم أي؟

 

قال: \" بر الوالدين\".

 

قال: قلت: ثم أي ؟

 

قال: \" الجهاد في سبيل الله \".

 

فما تركتُ أستزيده إلا إرعاءً عليه.6

 

عن أبي نضرة قال: \" كان أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - يعلّمنا القرآن خمس آيات بالغداة، وخمس آيات العشي، ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات \".7

 

_________________________________

1   انظر صحيح البخاري 1/ 38 مقدمة باب العلم، وفتح الباري 1/ 160- 161.

2   فتح الباري 1/ 162.

3   الرسول والعلم ، 134، د. القرضاوي.

4   أخرجه البخاري 6/ 2685 (ح/ 6937) مسلم 1/ 50 (ح/ 19).

5   أخرجه البخاري 1/ 18 (ح/ 26) ومسلم 1/88 (ح/ 83).

6   أخرجه البخاري 1/197 (ح/504) ومسلم 1/ 79 (ح/ 85) وإرعاءً: أي رحمة وشفقة عليه ورفقاً به.

7    الإتقان في علوم القرآن / 66- للسيوطي نقلاً عن تاريخ ابن عساكر.

 

 المراجع  د. أحمد محمد العليمي، طرائق النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه رضوان الله عليهم، ص 64-67

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply