ملحمة الدروس الخصوصية !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ملحمةº عنوان أفزعك وهز قلبك وأوجعك.. ملحمة.. تعني دماء وأشلاء وضحايا و....

البقية يمكن تخيلها بسهولة، أليس كذلك أيها المربي العزيز؟

وهل من الممكن أن تكون الدروس الخصوصية بهذا الضرر؟ أم هل من الممكن أن يكون لها كل هذا الأثر؟!!

حقاً لقد اشتكت جيوب الآباء وسمع لها أنيناً وتألماً من هذه الدروس بل وحتى الأثرياء اشتكوا من هذه الدروس ولكن يا ترى ما السبب؟؟ وهل المشكلة في الدروس في حد ذاتها أم ماذا؟

لقد رأينا الآباء في هذا العصر يدفعون أبناءهم إلى الدروس الخصوصية حتى في سن الابتدائية ولم يكن هذا معهوداً من ذي قبل ترى ما السبب؟؟

قصة من أرض الواقع:

هي طفلة صغيرة من أسرة فقيرة، ولكن الأب والأم كانا يكدان ويتعبان للحصول على لقمة العيش الحلال ولتعليم الأبناء، فلقد كانت هي واحدة ضمن سبعة من الأبناء.. بالطبع لم يكن الأب يستطيع أن يدفع إلا مصاريف المدرسة وذلك بالكاد، ولم تكن الفرصة متاحة للدروس الخصوصية..

تحكي قصتها فتقول: كنت أنا الوحيدة في الفصل التي لا تأخذ الدروس الخصوصية وكان معي زميلة لي مثلي على نفس شاكلتي.. وأنا في الثانوية العامة.. واقتربت الامتحانات.. بدأت أشعر بالتوتر ذلك لأن كل البنات في الفصل كانوا يحصلون على الدروس الخصوصية وكان المدرسين في المدرسة لا يتقنون شرح الدروس إلا القليل منهم ممن كانت قلوبهم حية الضمير ولكنهم كما ذكرت قليل.. شعر إخوتي الأولاد بهذا التوتر وكانوا يعملون إلى جانب دراستهم ليكونوا عوناً لأبي وأمي فعرضوا علي أن آخذ درس خصوصي على الأقل في المواد التي أجد فيها صعوبة كمادة اللغة الإنجليزية وذلك على نفقتهم الخاصة.. ولكني رفضت مراراًً.. لأني لم أكن أريد أن أثقل كاهل إخوتي بمصاريف هذه الدروس ولأني كنت أريد أن أعتمد على نفسي كما فعل إخوتي واعتمدوا على أنفسهم وحصلوا على تقديرات مرتفعة رغم أنه لم يأخذ أي واحد منهم درساً خصوصياً واحداً.. ولكن مع كثرة الضغط من إخوتي ومع زيادة حالة التوتر التي كانت تسيطر علي في الفترة الأخيرة.. ذهبت لحضور درس خصوصي في مادة اللغة الإنجليزية وبالفعل ذهبت فوجدت المدرس يمسك بكتاب خارجي ويشرح ويقوم بحل الأسئلة مع الطالبات ولكني شعرت أن المدرس لم يكن يقول شيء جديد وأن هذا الكلام أستطيع أن أذاكره مع نفسي وشعرت بالألم الشديد والضيق طوال فترة الدرس وبدأت عيناي تدمع وأمسكت نفسي عن البكاء حتى غادرت المكان بعد انتهاء الدرس وفي الطريق انفجرت عيناي بالبكاء.. أتدورن لماذا لأني شعرت أني لم أكن بحاجة إلى هذا الدرس ولأني أستطيع أن أقوم بالمذاكرة بنفسي وأن المدرس لم يقدم شيء جديد.. وأني لا أريد أن أكلف أخوتي ثمن هذا الدرس وأنا أستطيع أن أستغني عنه..

وبالفعل حولت البكاء إلى عمل وقلت لأخوتي لن أذهب إلى هذا الدرس مرة أخرى وسأعتمد على نفسي وكان هذا بالفعل ما فعلته وتوكلت على الله وأخذت بالأسباب وذاكرت ولم أستعن بالدروس الخصوصية.. ونجحت بتقدير جيد وأنا الآن طالبة في الكلية وأشرفت على الانتهاء منها ولا يسعني إلا أن أقول لكم:  لقد كنت فخورة بإخوتي وهم يعتمدون على أنفسهم وكنت أريد أن أكون مثلهم ولقد كنت  

 

قصة أخرى من بيت آخر:

يا ولد اذهب لتقابل المدرس.. لقد تأخرت عن الموعد..

يا أمي لقد مللت هذه الدروس الخصوصية..

ولكن يا بني أنت بحاجة إليها لتحصل على مجموع جيد.. هيا بابني اذهب لتقابل المدرس..

ولكني يا أمي أريد أن أنام الآن..

أنت يا ولد قلت لك تحرك..

وبعد طول صراخ من الأم المسكينة، تحرك الابن إلى غرفته، وارتدى ملابسه في تذمر وهو لا يريد أن يذهب إلى الدرس لا لشيء إلا لأنه كسول ويريد النوم..

وبعد انصراف الولد قال الأب لزوجته:...

لا أدري لماذا ترهقينا بهذه الدروس والولد لا يريد أن يحافظ عليها لا بد أن تتركيه يعتمد على نفسه..

قالت الأم في قلق: ولكن يا زوجي طفلك هذه إمكانياته وهذه قدراته ولا بد أن يأخذ هذه الدروس و إلا سيرسب..

الأب: ولكني أرى قدراته العقلية ممتازة إذا ما قام بلعب الفيديو جيم أو ذهب للعب الكرة أو لعب مع أحد أصدقائه...  أنتي مصرة على تدليله، وهذه هي النتيجة!!

الدروس الخصوصية هل هي المتهم؟!!

كثير من الآباء يقدمون الشكوى والعتاب على الدروس الخصوصية وأنها هي السبب في إفساد الأبناء وتعليمهم الاتكالية وعدم الاعتماد على النفس..

والحقيقة أن الدروس الخصوصية ظاهرة بحاجة إلى الرصد والتحليل حيث أنها أصبحت تأخذ مساحة كبيرة بعكس ما كانت عليه من ذي قبل فلقد أصبح الآباء يدفعون الأبناء إلى هذه الدروس من سن الابتدائية إلى سن الجامعة على حد سواء..

ولكن الإنصاف أيها المربي الفاضل أنه ليس عيباً أن يأخذ أبنائنا دروس خصوصية في مادة أو مادتين إذا كان استيعاب هذه المواد فيه شيء من الصعوبة أو كان مستوى الطالب الذهني والعقلي أقل من مستوى أقرانه.. لكن أن تصبح الدروس الخصوصية هي الأصل وما سواها فهو شاذ عن القاعدة فهذا هو الخطأ، وليس هذا الخطأ من ناحية النفقة والأموال المنفقة في هذه الدروس فحسب ولكن الخطأ التربوي هو المعني بالاهتمام والتأمل!!

أن تكون الدروس الخصوصية هي الأصل فهذا خطأ تربوي:

لقد رأينا الطفلة المسكينة في القصة الأولى التي ذكرناها، وكيف كانت حزينة لأنها حضرت درساً خصوصياً لا لشيء إلا لأنها تريد الاعتماد على النفس.. هذا الخلق الرفيع الذي غرسته التربية الناضجة..

ورأينا أيضاً على النقيض الطفل الذي لا يشعر بالمسئولية، ولا يقدر بذل والديه له بل ويريد النوم عن هذا الدرس الخصوصي ويهرب منه..

أيها المربي الفاضل إن الفارق واضح بين هذين النموذجين..

قد تكون الطفلة بحاجة إلى هذا الدرس الخصوصي أكثر بكثير من هذا الطفل الكسول الذي أفسدته التربية بالتدليل..

ولكن على الرغم من هذا فإن هذه الطفلة تستشعر المسئولية تجاه والديها بالقدر الكبير على عكس هذا الطفل المدلل تماماً..

من هذين النموذجين نستخلص هذه النقاط:

· قد يكون الطفل لا يحتاج إلى الدرس الخصوصي ولكنا ندفع به إلى الدروس الخصوصية لأن هذه هي العادة التي فرضها علينا المجتمع ولا نريد أن نشذ عن هذا المجتمع  أي نريد أن نحافظ على مظهرنا أمام الناس  وكل هذا على حساب تربية الطفل.

· قد يكون الطفل صاحب قدرات عالية كما في القصة الثانية ولكن الأم نتيجة لتدليلها له، أهمل وترك المذاكرة فتدفع به إلى الدرس الخصوصي ليذاكر، وبالتالي الدرس الخصوصي لن يقدم شيء لأن الطفل أيضاً لن يذاكر لأن المشكلة تربوية وليست ذهنية، والحل تغيير أسلوب التربية لا الاعتماد على الدرس الخصوصي.

· كثير من الأمهات تقوم بحل الواجبات مع الطفل حتى بعد أن يكبر، فلا تترك له فرصة الاعتماد على النفس، وهي بذلك تظن أنها تنفعه وتعلمه وهي لا تعلم أنها لا تعلمه إلا الإتكالية والاعتماد على الآخرين وعدم استشعار المسؤولية، وأيضاً يضعف مستواه فيحتاج إلى الدروس الخصوصية.

· بالتأكيد المدرسين الذين لا يحملون في صدورهم ضمير صادق، ويهملون التدريس في المدارس، ويعتمدون فقط على الدروس الخصوصيةº لهم أعظم الأثر على الأطفال الذين لا يستطيعون الحصول على هذه الدروس، لذلك على كل مدرس أن يتقي الله في عمله لأنه لابد من سؤال يوم القيامة عن هذا العمل الذي يعمله.

· لابد أن نعود أطفالنا على الاعتماد على أنفسهم في حل واجباتهم وفي مذاكرتهم وعدم الاعتماد على الدروس الخصوصية لأن الاعتماد على النفس هو الذي يصنع الرجال فكم من أطفال اعتمدوا على أنفسهم وأنفقوا على أنفسهم حتى أتموا تعليمهم، وعلى النقيض الآخر كم من أطفال أصبحوا اليوم رجال وهم إلى الآن لا يزالون يعتمدون على جيوب آبائهم.

وختاماً عزيزي المربي ليس عيباً أن يأخذ طفلك الدروس الخصوصية ولكنها ليست الأصل حتى وإن كانت المدرسة مقصرة، لابد أن نعود أبناءنا الاعتماد على أنفسهم ولابد أن نشعرهم بحجم المسئولية المنوطة بهم..فالعيب إذن ليس في الدروس الخصوصية، ولكن المشكلة من وجهة نظري تبدو تربوية بالمقام الأول..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply