ظاهرة تستحق الدراسة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أثناء زياراتي التوجيهية للملتحقين بإحدى دورات الإدارة المدرسية، توجهت مع زميل معي لزيارة بعض المتدربين في إحدى مناطق القطاع، وحين انعطفنا يمينا متجهين إلي منطقة تجمع فيها ستة مدارس، هالنا ما رأينا، حيث أن الطريق الممتد من وسط المعسكر حتى منطقة المدارس (1 كم) كانت مغطاة باللون الأبيض، معذرة أنها لم تكن مطلية باللون الأبيض امتثالا لقيمة حضارية للحفاظ على نظافة البيئة جماعيا، بل كانت مفروشة بورق الكراسات الأبيض التي مزقها التلاميذ احتفالا بآخر يوم دراسي. همس زميلي قائلاً: إنه موضوع مناسب لرسالة ماجستير أو دكتوراه، وهنا قفزت في ذاكرتي القصة التالية والتي رويتها لزميلي: كان قد دعاني وزميلة فلسطينية معي أحد الأساتذة في الجامعة التي كنا ندرس فيها في الولايات المتحدة لتناول طعام العشاء في منزله، وبعد العشاء جلسنا نتجاذب أطراف الحديث عن التعليم في فلسطين و الولايات المتحدة وخبرة كل منا في ذلك…. وفجأة قفز مضيفنا وتسلل بهدوء إلى مكتبه وعاد يحمل مجموعه كراسات، راح يقلب صفحاتها مبرزا لنا أماكن تفوقه واخفاقاته..انه يعتبرها جزء من وثائق عمره … عفوا إنني إذ أروي هذه القصة ليس انبهارا بها بل لتكون عبرة قد يستفاد منها.

وبعد مناقشة هذه الظاهرة مع زملائي في دائرة التربية والتعليم بغزة، اتضح لنا أنها ليست مقتصرة على هذا المعسكر فقط، بل أنها منتشرة في أماكن أخرى… وأمام مدارس الذكور دون مدارس الإناث.انه لأمر مؤلم حقا أن يعتبر أبناءنا المدارس كما السجن وبانتهاء العام الدراسي، يشعر الطلاب وكأنهم سجناء قد تحرروا من سجنهم وللاحتفال بذلك يمزقون دفاترهم بدل الاحتفاظ بها.

إن هذه الظاهرة تشير بوضوح إلى كره التلاميذ للمدرسة ونظرتهم السلبية إليها، قد لا نكون مخطئين إذا قلنا أنها تشير إلى تعثر نظامنا التعليمي وعجزه عن تلبية حاجات التلاميذ واهتماماتهم. وهناك ظاهرة أخرى وهي أقل أهمية من السابقة ذلك أن بعض الطلاب الذين لهم مشاكل مع زملائهم أثناء العام الدراسي يعملون على تصفية حساباتهم مع بعضهم البعض في آخر يوم من الدوام المدرسي لشعورهم بأن قانون المدرسة لم يعد قائماً وهذا في حد ذاته يمثل مدى الكراهية للمدرسة وعدم الولاء لقوانينها حال مغادرتهم لها. والسؤال المطروح لماذا وكيف تولدت هذه الظاهرة؟ مما لا شك فيه أن هناك أسباب عدة تراكمت وأدت إلى بروز هذه الظاهرة ويمكنني ذكر أهمها فيما يلي:

 

. الشعور بعدم الانتماء للمدرسة حيث يشعر الطلاب بأنهم مجبورون على الذهاب إلى المدرسة وهناك فجوة بين رغباتهم وواقع المدرسة. ويشعر الطلاب بأن علاقتهم بالمدرسة تنتهي حال مغادرتهم لها. وإن عادوا بعد الدوام تطاردهم عصا آذن المدرسة وحارسها. فلماذا لا تكون المدرسة أندية مسائية ولو ليومين أسبوعياً يمارس الطلاب فيها أنشطة مرافقة للمنهاج حسب ميولهم ورغباتهم.

 

· طبيعة العلاقة مع المعلم في غرفة الصف وكيفية تعامله مع طلابه، إذ يلجأ بعض المعلمين إلى أشكال مختلفة من العقاب وترفع عدد من المعلمين عن النزول إلى مستوى تلاميذهم.

 

· استخدام بعض المعلمين لأسلوب العقاب البدني لفرض النظام والانضباط في المدرسة.

 

· الروتين الممل للحياة المدرسية وعدم تنويع الأنشطة لتناسب المستويات المختلفة للتلاميذ ومراحل نموهم.

 

تمركز المعلمين حول تعليم المادة أو الموضوع واعتبار ذلك هو الأساس في عملهم مع إهمال ميول ورغبات المتعلمين بدلاً من تلبيتها وإشباعها.

 

ازدحام الفصول (ما يزيد عن 50 طالباً في الفصل الواحد) وما يترتب عن ذلك من مشاكل في سير عملية التدريس ومحاولة المعلم ضبط النظام الصفي بكل السبل.

 

حالة الاغتراب وبعد المناهج عن واقع التلميذ وعدم تلبيتها للحاجات المختلفة للتلاميذ.

 

كثير من الطلاب يأتون للمدرسة من مناطق جغرافية مختلفة مما ينعكس على طبيعة العلاقة بين أولياء الأمور والمدرسة ومتابعة أولياء الأمور لتحصيل أبنائهم. إن هناك تردد بشكل عام في الحضور إلى المدرسة من جانب أولياء الأمور لاعتقادهم أنهم مدعوون إما لسماع شكوى حول قصور أبنائهم التعليمي أو سلوكهم السلبي أو لطلب تبرع للمدرسة.

 

المشاكل الاقتصادية والاجتماعية واضطرار بعض التلاميذ للعمل بعد ساعات الدوام المدرسي وهنا تتولد النظرة إلى المدرسة بأنها شيء ثانوي أمام العمل الذي يمارسه الطالب لسد حاجة لأسرته.

 

· عدم احترام عدد من المعلمين لشخصية التلميذ ويتمثل ذلك في استخدام السباب أحياناً وتحقير الطالب إذا أخطأ والاستهزاء به أمام زملائه.

 

· استخدام عدد من المعلمين طرقاً تقليدية في التدريس تخلو من الإثارة وحفز التلاميذ على التعلم وتحدي تفكيرهم وحثهم على البحث والتنقيب.

 

عدم اهتمام كثير من المعلمين بحصص التربية الرياضية والتربية الفنية واعتبارها حصص كمالية وراحة للمعلم بالرغم من أهميتها البالغة في حياة التلاميذ وتحبيبهم في المدرسة.

 

· نظام الترفيع الآلي المتبع في مدارسنا مما يؤدي إلى الضعف التراكمي عند التلاميذ وبازدياد ترفيع الطالب يزداد إدراكه لضعفه وكراهيته للمدرسة.

 

· عدم التوظيف الفاعل للملاعب الرياضية وغرف النشاط والمختبرات العلمية والوسائل التعليمية في المدارس وتفويق الجانب النظري على الجانب العملي في التعليم وتجاهل أن معظم التلاميذ يستمتعون بالجانب العملي والتطبيقي أكثر من استمتاعهم بالجانب النظري.

 

· وجود أكثر من مجال يستقطب اهتمام التلاميذ ويقلل من اهتمامهم بالعلم والتعليم مثل التلفاز بمحطاته الفضائية المتعددة، المباريات الرياضية، المسابقات وألعاب الكمبيوتر… إنني أدرك أهمية ذلك للنواحي النمائية للتلميذ ولكنني أرى ضرورة تنظيم وقت التلميذ بين الدراسة وعمل الواجب البيتي واللعب والتسلية.

 

· قلة الدافعية للتعليم عند التلاميذ نتيجة ما يرونه من قلة فرص العمل المتاحة أمام آلاف الخريجين الذين لم يجدوا فرص عمل بعد وقلة حث أولياء الأمور لأبنائهم على الدراسة بسبب الإحباط الناتج مما سبق ذكره.

 

إنني قصدت كتابة هذه المقالة في هذا الوقت بالذات والقريب من نهاية العام الدراسي حتى أضع تلك الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة أمام كل حريص على العملية التربوية وخاصة المعلمين منهم وكلي أمل أن نبدأ العمل سوياً وأن نغير ما استطعنا من الأسباب التي تقود إلى ولادة هذه الظاهرة الغير حضارية والتي لا تتماشى مع سمات شعبنا العربي الفلسطيني الذي يتمتع بأعلى نسبة من التعليم بين دول المنطقة… ورحلة الألف ميل تبدأ بالنية والإرادة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply